التبويبات الأساسية

نشرَ موقع "الجزيرة" تقريراً سردت فيه معاناة الكثير من الأطفال السوريين الذين باتوا غير قادرين على تلقي تعليمهم في لبنان وسط الأزمة التي تعيشها البلاد.
وجاء في التقرير: "تقف الطفلة السورية آمال (8 سنوات) مع شقيقها محمد (6 سنوات)، قرب محلٍ غير مأهول يسكنان فيه مع والديهما شمالي لبنان، منذ لجوئهم من درعا، ويراقبان بحسرة أقرانهما المتوجهين إلى المدرسة. تقول آمال: "أتمنى أن أحمل الحقيبة، وأذهب مثلهما إلى المدرسة".

وهذه عينة من آلاف الأطفال السوريين الذين يحلمون بالعودة إلى المدراس بعد عامين من التعثّر، في بلد تعصف به الأزمات الاقتصادية والأمنية والسياسية.

وتشكو والدتهما للجزيرة نت، عن عجزها توفير كلفة النقل والقرطاسيةـ وقالت إن دخلهم الزهيد لا يغطي حاجات أبنائهم نتيجة الارتفاع الهائل بأسعار المواد الأساسية.

ويعاني سكان لبنان، مواطنين ولاجئين، من ارتفاع نفقات النقل، وسط زيادات متواترة على أسعار المحروقات التي ارتفعت أخيرا بنسبة 25%، وقارب سعر صفيحة البنزين الحد الأدنى للأجور.

لم يدخلوا المدرسة قط

وأرخى الانهيار الاقتصادي ثقله على المواطنين واللاجئين، وأصبح يهدد فرص آلاف التلامذة بالتعلم، بمن فيهم الطلاب السوريون.

وتشير تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، نهاية الشهر الماضي، إلى أن الأطفال السوريين يتحملون الجزء الأكبر من أعباء الأزمة في لبنان، وأن 30% (بين 6 و17 عاما) لم يدخلوا المدرسة قط.

ويُقدّر عدد السوريين المقيمين في لبنان بـ 1.5 مليون لاجئ، ومنهم غير المسجلين لدى المفوضية. ويقيم معظم السوريين في نحو 2700 مخيم.

فما التحديات التي يواجهها الطلاب السوريون؟

تكشف ليزا أبو خالد، المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان (UNHCR)، للجزيرة نت، أن مجموع التلاميذ السوريين المسجلين لدى المفوضية للعام الدراسي 2020-2021، يبلغ 321 ألفا و512 طالبا.

من هؤلاء 187 ألفا في المدارس الرسمية، ونحو 11 ألفا في مدارس خاصة مجانية، و53 ألفا في مدارس خاصة غير مجانية، وأكثر من 6 آلاف ضمن برامج التعليم غير النظامية. ومنهم أيضا نحو 64 ألف طالب في التعليم الثانوي.

وحسب ليزا أبو خالد فإن نسبة السوريين المسجلين بالمدارس اللبنانية تبلغ 51.80%، بينما تناهز نسبة غير الملتحقين بالمدرسة 48.20%. والعام الدراسي السابق، بلغ عدد المدارس التي اعتمدت دواما مسائيا 337 مدرسة، لإلحاق الطلاب السوريين.

وقالت إن المفوضية تجري مع وزارة التربية نقاشا حول مناطق المدارس التي تشهد أحداثا متوترة، والبدائل لتلك التي أغلقت أبوابها سابقا بسبب انخفاض نسبة التسجيل.

وفرضت أزمات لبنان المتعددة، حسب المتحدثة، عوائق معقدة على نظام التعليم، منها تدني الحوافز لدى المعلمين بسبب انخفاض قيمة الليرة، والكلفة الباهظة للنقل، وتمويل النفقات التشغيلية بالمدارس، وهجرة المعلمين من القطاع العام إلى الخاص.

وقالت إن وزارة التربية أطلقت في آب خطة خماسية للتعليم العام، ووضعت الأسس لاستيعاب عدد إضافي للتلامذة المنتقلين من القطاع الخاص إلى العام وضمان التعليم المرن للجميع.

"سوء إدارة"

في شباط 2016، تعهدت مجموعة من الدول الغربية المشاركة في مؤتمر "دعم سوريا والمنطقة" بلندن، بتوفير 1.4 مليار دولار لتمويل التعليم داخل سوريا والبلدان المجاورة المستضيفة للاجئين. ورصد لبرنامج تعليم السوريين بلبنان نحو 350 مليون دولار سنويا لمدة 5 سنوات.

وجاء في تقرير لمنظمة هيومن رايتس وتش عام 2017، أن ملايين الدولارات المخصصة لتعليم الأطفال السوريين بلبنان والأردن وتركيا لم تصل إليهم، أو وصلت متأخرة، أو لا يمكن تتبعها بسبب سوء الإدارة والتوثيق.

وهنا، يشير مدير حملات آفاز بالعالم العربي وسام طريف، إلى أن بداية اللجوء السوري من محافظة حمص وريف دمشق، استقبل لبنان نحو 38 ألف طالب، ولم تكن برامج الأمم المتحدة فاعلة.

ومع تفاقم العنف تدفق مئات ألوف السوريين إلى لبنان، ووضع برنامج خاص لتعليم أبنائهم، وفق طريف، مقابل غياب شبه تام للرقابة، و"صُرفت ملايين الدولارات، بطرق عشوائية، وصارت أموال التعليم تضيع كأنها بصندوق أسود".

وتعجز مئات المدارس الرسمية حاليا، وفق طريف، عن توفير المتطلبات اللوجستية، لتعليم اللبنانيين والسوريين، كالتدفئة بالمناطق الجبلية، والمستلزمات المستوردة بالدولار، والمحروقات وكلفة النقل.

ويتهم طريف السلطات اللبنانية بهدر الأموال. وصُرف عامي 2017 و2018 أكثر من 318 مليون دولار لتعليم السوريين، ولم توفر فرص عادلة لهم.

الحكومة ترد: فجوة في التمويل

ترفض مديرة وحدة التعليم الشامل بوزارة التربية صونيا خوري، الاتهامات، وتعتبر أن لبنان كان سباقا بالاستجابة لأزمة النزوح السوري، ووضع خطة تعليمية من العام 2014 حتى 2021.

وقالت للجزيرة نت، إن لبنان اعتمد أرخص كلفة لتعليم السوريين، مقارنة بتركيا والأردن. ورصدت وزارة التربية من الجهات المانحة منذ البداية 600 دولار لكل طالب عن سنة تعليم بالدوام المسائي، وعددهم بهذا الدوام نحو 150 ألفا، أي بلغت الكلفة نحو 90 مليون دولار.

وحسب خوري، رُصد 362 دولار سنويا لكل طالب سوري بالدوام الصباحي، وعددهم نحو 40 ألفا، أي بمعدل 14.480 مليون دولار.

وقالت إن الوزارة أحسنت إدارة المبالغ، وقبل انهيار الليرة، لم تواجه مشكلة بقيمة الأموال، لأنها مرصودة من اليونسيف ومن خلفها الاتحاد الأوروبي، وفق سعر الصرف الرسمي (1500 ليرة للدولار).

ويتجاوز سعر صرف الدولار بالسوق السوداء المتحكم بقيمة العملة المحلية عتبة 20 ألف ليرة، وتتعدد أسعار الصرف لدى مصرف لبنان المركزي والمصارف التجارية.

وتُحّمل خوري الجهات المانحة مسؤولية التخبط الحاصل، وتتهمهم "بالتذاكي والاستقواء على لبنان"، إذ لم تعد ترسل المبالغ المخصصة لتعليم السوريين بالدولار كما هو متفق، بل تطلب تقديم لائحة بتكاليفها بالليرة، وتحتسبها وفق سعر صرف 3900 ليرة للدولار، و"أصبحت كلفة تعليم الطالب السوري بالنسبة لهم ما دون 230 دولار سنويا، يرسلونها عبر المركزي".

والأخطر بحسب خوري، اتفاق الجهات المانحة مع المركزي بتسديد نفقات تعليم السوريين وفق سعر 12 ألف ليرة للدولار، لتصبح كلفة تعليم الطالب نحو 70.5 دولار فقط سنويا.

دولار في الساعة للمعلم

والفجوات الكبيرة بالأموال جعلت الوزارة عاجزة عن تغطية نفقات تعليم السوريين، بحسب خوري، وتناشد الجهات المانحة السماح للبنان بالاستفادة من فرق سعر الصرف لتغطية نفقات تعليمهم ولتخفيف الخسائر الهائلة التي تكبدها لبنان جراء اللجوء السوري.

وقالت: "أجر الأستاذ المتعاقد لتعليم السوريين 20 ألف ليرة للساعة، أي نحو دولار واحد"، وتتساءل "في أي دولة يقبل المعلم أن يتقاضى دولارا؟".

وفشل التوافق على عودة الطلاب السوريين للالتحاق بالدوام المسائي في المدارس الرسمية في الثلث الأخير من تشرين الأول أو مطلع تشرين الثاني كما كان متوقعاً.

وحذرت خوري من تحديات كبيرة تهدد مصير العام الدراسي، "بسبب الانهيار وتآكل أجور المعلمين وأزمة المحروقات".

صورة editor14

editor14