ان صميم الازمة السورية مشابه لباقي الدول العربية التي حازت استقلالاً سياسيا ناقصا تخلف عنه الاستقلال الاقتصادي ، وسعت الى الهوية عن طريق فكرة العروبة دون ان ترتقي الفكرة الى نظرية ان تتوفر لها القوة الحامية لتطبيقها ماديا ومع سقوط خيمة الفكرة اي مصر اثر اتفاق كامب ديفد جعل الفكرة لوحة تاريخ لمتحف احفوري بدل ان يكون وعاءاً للإنطلاق الى المستقبل ، ورغم نجاحها النسبي في الاصلاحات الاجتماعية فإنها افتقرت لسياسة فتح الباب امام الديمقراطية السياسية ، وتحول ابطال الثورة البعثية او من بقي منهم الى حكام مستبدين قتلوا الحرية باسم الوحدة ، وتلونت هذه الدكتاتورية العسكرية بلون مذهبي مذِّل لباقي المكونات ، وقد كانت هذه الازمة كامنة بالقوة الى ان انسحب الجيش السوري من لبنان قبدا العد العكسي لإنفجارها .
ثم أتى التحول الكبير على خارطة منابع الطاقة ومساراتها ليضع سوريا في قلبها فتشكلت دوافع استعجال الثورة السورية من خارجها ، ومن ثم عسكرتها من قوى عالمية واقليمية ، ومنها:
تركيا التي تشعر بالخوف من الحلم الكردي والغبن في اتفاقيات هزيمتها بعد الحرب العالمية الاولى وتريد احتكار مسارات الغاز .
السعودية التي تعرف ان تأمين سوريا هي مسألة حياة او موت لجهة مسارات النفط الغاز الخليجي .
قطر المدفوعة بالدور الوظيفي المناط بها اميركيا واسرائيليا بالاضافة الى مسألة مسار الغاز لديها وكلا الطرفين الاخيرين مدفوعان بهدف قف الثورات في سوريا
ثم شيطنوا الثورة السورية بالتسليح وساهمت تركيا بدوافع الدور الطوراني في قلب اوراسيا بمواجهة الصين وروسيا برداء اسلامي اخواني والذي فقد الرعاية الاميركية بعد اسقاط الاخوان في مصر على يد السيسي .
ثم فرنسا بريطانيا واميركا التي استثمرت في الازمة السورية لاجهاضها وحليفتها ايران ولدوافع اقتصادية تتصل بالغاز بيع السلاح واقفال القاعدة الروسية في طرطوس
ثم روسيا والصين الذين ارادا تأكيد نفسيهما قوى عظمى بالممارسة بعد اكتمال المواصفات إضافة الى الهدف الروسي بقطع الطريق على مسارات الغاز العربية الفارسية معا من النفاذ المستقل الى اوروبا .
وايران التي تعتبر سوريا جسرها الى حزب الله والفصائل الفلسطينية الموالية لها ، وجزءا من الامبراطورية الفارسية الناعمة النافذة الى البحر الابيض المتوسط ، وخارطة مسار الغاز الايراني الى سوريا فاوروبا .
ان هدف الثورة السلمية في سوريا كان الحرية والديمقراطية السياسية وبعض اطراف الثوار كان لهم أجندة مذهبية مرتبطة بتركيا التي تصر على عدم ادراج العلمانية في بيان الاستانة وبالخليج ومن خلفهم الغرب واسرائيل والذين سارعوا الى تلقف التسليح وطغوا على المشهد المعارض.
لقد كان ظاهرا ان موازين القوى لم تكن وقتها لصالح النظام السوري ، كما ان المناخ الذي أحاط بأزمتها محليا وإقليميا ودوليا واعلاميا كان ضد النظام السوري ايضا ، وكان الحدث السوري متصدرا الاهتمام العالمي .
فكان لا بد من الصبر الايجابي وانتظار تفكك الجبهة المقابلة مع الاحتفاظ بالحد الادنى من قوة الصمود وهذا ما حدث فعلا
فالسعودية زجت بحرب اليمن ، وبات عمرها الافتراضي اقتصاديا محدد بسبب انخفاض اسعار النفط الذي كانت سببه الرئيسي بقصد قتل صناعة النفط والغاز الصخري والرملي في الولايات المتحدة وإرهاق الاقتصادين الروسي والايراني ، وكان هذا خطؤها الفادح ، لان بيع سبعة ملايين برميل على سعر 120$ وتخليها لاميركا عن ثلاثة ملايين يوميا كان ممكنا لان السعر الافتراضي الكافي للسعودية هو 89 دولار على اساس عشرة ملايين برميل انتاج يومي وفارق السعر يغطي نقص الانتاج ما اخرجها من فعالية الدعم لمسلحي الفصائل السورية .
وتركيا ما زرعته من مرض ايديولوجيا التطرف اصيبت به وضعف النظام السوري عسكريا اطلق يد وسلاح الحلم الكردي في سوريا بعد العراق ثم اتى الانقلاب الفاشل ليضع تركيا امام عجز عن متابعة الحلم الامبراطوري وانصرفت للتطهير الداخلي ومحاصرة الحلم الكردي وطالبت بمكاسب اقتصادية من روسيا ودور في سوريا الحل مقابل الانصياع الى الارادة الروسية على مستوى الاقليم وكان القبول السوري غير المباشر بالدور التركي ذكيا وهي قد حصدت من اول ثمارها مؤتمر الاستانة المؤقت والذي يعطي النظام فرصة التفرغ للنصرة وداعش وانقاذ 80% من جغرافيا سوريا كما التخلص من الحلم الكردي بكابوس تركي وبانتظار ان تفضي الامور من جعل تركيا من معبر الارهاب الى مكب له ومصدر خطر لوحدة الاتحاد الاوروبي بسبب الارهاب والهجرة .
الغرب بدوره تحسس نار الارهاب واحس بالعجر عن المبادرة امام روسيا فترك الساحة لها واكتفي بحرب البيانات وكان مأمولا غرق الروس في المستنقع السوري الا ان النتائج اتت مخيبة للامال فحصد الروس الثمار ولم يجرحوا بالشوك الا قليلا .
ان ترامب سيكون له مشاغل داخلية وصينية تلهيه عن الشرق الاوسط واسرائيل ستغرق بانتفاضة فور اعلان اميركا نقل سفارتها الى القدس ومصر باتت متفهمة وايران الحليف الحاضن وبالتالي المشهد بعد انتصار حلب عوم بشار الاسد ومهد لاختياره قائد الحرب على الارهاب في المنطقة .
تبقى مشكلة التناقض بين المصالح بين روسيا تركيا من جهة في مقابل الصين ايران لا سيما حول مسار الغاز الايراني الى اوروبا عبر سوريا والسيطرة على سوريا بعد الحرب .
وتبقى الحلول السورية لمشاكل الهوية والديمقراطية السياسية والاجتماعية وبناء الذات مجددا
كيف سيتصرف بشار الاسد في الامور هذه كلها ؟ وكم سيكون حجم التأثير الخارجي الايراني التركي الروسي عليه ؟ وما هي الصفقات التي سيعقدها الثلاثة المذكورين مع بعضهم ومع الغير على حساب سوريا ؟ وهل سياتي الحل بعد الانقلاب في تركيا المرتقب واشتعال التوتر في اسرائيل بانتفاضة جديدة ام سيفرض قبله ؟
ان مصلحة بشار الاسد تقول االة امد الازمة والقضم التدريجي لجغرافيا المعارضة بهدوء وصبر
ان مصلحة بشار الاسد تقضي بانتظار نفاذ القدرة الاقتصادية السعودية
ان مصلحة بشار الاسد تقضي بانتظار الانقلاب في تركيا واشتعال الداخل في اسرائيل
ان مصلحة بشار الاسد تقضي بانتظار الصين ومآل التحدي الصيني الاميركي في بحر الصين الجنوبي
ان مصلحة بشار الاسد تقضي ببدء استخراج الغاز فورا لجمع المال الكافي لبناء الذات قبل فتح الحوار حول الهوية والديمقراطية السياسية والاجتماعية ليقدم بعدها رؤيته بالهوية على الطاولة كامر واقع يعزز شرعيته بعمل عسكري محدود ضد اسرائيل ينقذ الطرفين بغبار المعركة الاول باضفاء شرعية العروبة مجددا واعادة اشعال الجذوة الثورية والثاني التخلص من عاصفة الرمل الخارجة من رحم الانتفاضة ويعطي الديمقراطية الاجتماعية ويؤسس لديمقراطية سياسية مامونة النتائج عبر صناعة مدخلات صائبة محاكية لحقائق التاريخ والجغرافيا .
الصبر الايجابي واجب النظام السوري والا اكل ما يطبخ له من باقي المؤثرين
بقلم المحامي د. جهاد نبيل ذبيان
سفير المنظمة العالمية لحقوق الانسان