باريس “مدينة الأضواء” تؤلّف حكومة بيروت… بعيداً عن الأضواءألان سركيس يبدو أن رحلة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع السياسيين اللبنانيين لن تكون سهلة للغاية، لذلك فإن “العصا الغليظة” ستكون سلاحه الوحيد في مواجهة العراقيل الموجودة. يُنقل عن الفرنسيين عدم تساهلهم مع الطبقة السياسية، وكل محاولات الإلتفاف والعودة من الشبّاك بعد الخروج من الباب لن تكون ممكنة لأن الفرنسي كشف حكّام لبنان وبات يعرفهم على حقيقتهم وكذلك المجتمع الدولي. وفي هذا السياق، فإن السفيرين إيمانويل بون وبرنارد إيميه ومعهما السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه يتابعون أدق التفاصيل الحكومية، ويعملون بتوجيهات من ماكرون وبإشراف مباشر منه على تذليل كل العقبات التي تعوق مهمة الرئيس المكلّف مصطفى أديب. وما بات محسوماً في الدوائر الفرنسية في الساعات الماضية أن لا حكومة سياسية أو حكومة وحدة وطنية أو حكومة تكنو – سياسية، بل الإتجاه الجانح هو لتأليف حكومة إختصاصيين غير موسّعة تحظى بدعم سياسي، وفي هذا الإطار فإن التشديد الفرنسي هو على إجراء إصلاح شامل في وزارة الطاقة، لذلك لن تعود إلى كنف “التيار الوطني الحرّ”، وما ينطبق على الطاقة ينطبق على وزارات حساسة مثل الإتصالات والأشغال العامة التي فُتحت العين عليها بعد العقوبات الأميركية على الوزير السابق يوسف فنيانوس، إضافة إلى التشدد الفرنسي بإجراء إصلاحات في وزارات أساسية مثل التربية والتي كان للسفير بون دور رئيسي في دعم المدارس الفرنكوفونية التي تواجه خطر الإقفال. وفي سياق متصل، فإن عقدة وزارة المال لم تُحلّ بعد وسط رفع الثنائي الشيعي، وبالأخص رئيس مجلس النواب نبيه برّي، سقف التحدي بعد إدراج الوزير السابق علي حسن خليل على لائحة العقوبات الاميركية، لكن كل ذلك رهن بالتفاوض في الساعات المقبلة، ولن تكون هذه الوزارة عقدة تخربط التحرك الفرنسي. وتؤكد مصادر مواكبة لملف التأليف أن الضغوط الفرنسية ستتكثف وتبلغ الذروة في الساعات المقبلة قبل انتهاء مهلة الـ 15 يوماً التي حددها ماكرون لإتمام التأليف، وما يُضيّق الخناق أكثر على الطبقة السياسية هو أن ماكرون يتحرّك بتفويض أوروبي ورضى أميركي، لذلك فإن هامش المناورة لدى العهد و”حزب الله” و”أمل” والحلفاء يضيق لأن سيف العقوبات لن يرحم أحداً. وتشير المصادر إلى أن الإيرانيين لا يريدون إفشال المبادرة الفرنسية لأنهم لا يريدون إغضاب الرئيس ماكرون في عزّ معركتهم مع الأميركيين، كما أن من مصلحتهم إنقاذ “حزب الله” والعهد من الورطة التي وقعا فيها بعد إستلامهما الحكم، ولذلك فإن الأجواء تشير حتى هذا الوقت إلى أن لا عرقلة فعلية، لكن الأمور تخضع للتفاوض والحسم قد يكون في ربع الساعة الأخير. ويحتفظ الرئيس المكلّف ومعه الفرنسيون بالأسماء القابلة للتوزير، إذ إن كل الأسماء التي تُرمى لا أساس لها من الصحة، وسيناريو إبقاء إسم أديب لرئاسة الحكومة حتى الساعات الأخيرة سينطبق على أسماء الوزراء المحتملين في الحكومة الإنقاذية التي تشرف “مدينة الأضواء” باريس على تأليفها، لذلك تحظى بالسرية التامة والتحفظ وكل العمل الذي يقوم به ماكرون ومعه بون وإيميه وفوشيه يبقى “بعيداً عن الأضواء” كي لا يتم إفساد الطبخة الحكومية المنتظرة. وفي هذه الأثناء، يبدي فريق “التيار الوطني الحرّ” مرونة معطوفة على مرونة “حزب الله”، وقد يلجأ “التيار” إلى التصعيد إذا أراد “الحزب” الدخول في مواجهة شاملة، ولكن بات لرئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل حساباته إذ إن “الحبل” الأميركي والأوروبي لم يعد طويلاً، وقد يشدّ على رقاب كل متهم بالفساد أو يعرقل المسيرة الإصلاحية. وإذا كان “حزب الله” غير آبه للعقوبات الأميركية، إلا أن لـ “التيار” حسابات مختلفة، ولا يريد ان يوضع على اللائحة السوداء ويصبح خارج النظام المصرفي العالمي، لذلك فان الساعات المقبلة قد تحمل فرجاً حكومياً إلا إذا حصل شيء ما وقررت الطبقة السياسية الإنتحار وأخذ البلد إلى الهاوية.