التبويبات الأساسية

ضاق الهامش أمام الحكومة والقوى التي انتجتها في مواجهة اللحظة المالية والاقتصادية. فمسودة خطة حكومة الرئيس حسان دياب لمعالجة الأزمة بشقيها المالي والاقتصادي تشكل تحديا مزدوجاً في آن معا لمجلس الوزراء الذي وضع نفسه في موقع حرج من جراء تضمين الخطة خيارات صعبة وثقيلة على المستوى الاجتماعي، وللقوى السياسية الممثلة بصورة غير مباشرة في الحكومة أو تلك غير الممثلة، والتي وضعت نفسها امام تحد كبير، إذ عليها أن تحدد موقفها من هذه الخطة رفضا أو قبولا، وفي حالة الرفض عليها أن تعلل الأسباب التي دفعتها لذلك وتقدم البدائل الكفيلة بمعالجة الازمة.

لا شك في أن مسودة الخطة الاقتصادية، بحسب مصادر مطلعة لـ”لبنان24″، تتحدث بصراحة عالية وبلغة الأرقام عن حجم الخسائر للبنك المركزي والمصارف التجارية؛ وتصب معظم المؤشرات عند الإقرار بأنه قبل العام 2024 لن يكون هناك أي تحسن في مؤشرات الميكرو- اقتصادية؛ ففي العام 2020 معدلات النمو في الاقتصاد اللبناني -12% ، وفي العام 2021 -7% وينتظر أن ترتفع في العام 2024 الى 2 في المئة. وتتحدث المسودة عن تحرير سعر الصرف كي يستقر في العام 2024 على 2979 ؛ ومن المتوقع أن تؤدي الإجراءات في إعادة هيكلة المالية العامة ومالية المصرف المركزي وإعادة هيكلة الدين العام، إلى تخفيض نسبة الدين العام الى الناتج من 176 % في العام 2019 الى 103% في العام 2024. في حين أن لبنان سيكون بحاجة الى تمويل خارجي خلال السنوات الخمس المقبلة قد يتراوح بين 10 الى 15 مليار دولار.

وتقول المصادر نفسها إن تحديين كبيرين سيشهدان نقاشا سياسيا ضاريا خلال جلسات مجلسات الوزراء وهما:

1- استعانة الحكومة بصندوق النقد الدولي حيث لا تتحدث مسودة الخطة صراحة عن موقف الحكومة من هذه النقطة، رفم أن السياق العام الذي صيغت به المؤشرات والافكار وتاكيد الحاجة الى الدعم الخارجي يوحي بنية مجلس الوزراء غير المعلنة الاستعانة ببرنامج صندوق النقد. وهذا ما يضعه في مواجهة اساسية مع قوى بارزة ياتي في طليعتها الثنائي الشيعي الذي كرر مواقفه الرافضة لشروط الصندوق الاجتماعية، فكلام رئيسُ المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين لا يحمل اي لبس فهو قال إن حزبه لا يقبل ان يتحكم بمصير لبنان لا صندوق النقد ولا أي بلد في العالم خصوصا الولايات المتحدة الاميركية؛ في حين أن موقف رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بدا مواربا، لا سيما وأنه شدد على أن الاوان حان للحكومة أن تحسم خياراتها بما يوحي بقابلية تكتل لبنان القوي عدم رفض الاستعانة ببرنامج صندوق النقد.

2- إدارة الموقف تجاه اموال المودعين، فإعادة هيكلة الدين العام ومالية المصرف المركزي والمصارف التجارية الخاصة سيفضي إلى فجوة كبيرة في حجم الكتلة المالية لودائع المواطنين، والواضح أن مسودة الخطة جزأت التعاطي مع هؤلاء بحسب أحجامهم، فالتعاميم التي اصدرها حاكم البنك المركزي رياض سلامة هي عمليا ستؤدي إلى تحييد مليون و715 الف حساب تقريبا الذين تقل ودائعم عن 5 مليون ليرة او 3000$ فهؤلاء سيستعيدون ودائعهم كاملة، بيد أن متوسطي الودائع فسيتم تحويل جزء من ودائعهم الى أسهم في المصارف، في حين أن كبار المودعين سيحول جزء من ودائعهم الى مساهمات في صندوق يتضمن أصول الدولة وقسم آخر سيجري اقتطاعه كمساهمات تقارب حجم استفادتهم من الفوائد المرتفعة والهندسات المالية التي حصلت على مدى السنوات الماضية. وفي هذا السياق ستنال المصارف قسطها الكبير من خلال اعادة الهيكلة وإعادة تقويم اصولها ودمج المصارف بعضها ببعض. وعليه، فإن الخطة تفتقد، وفق المصادر نفسها، إلى التمييز بين المودعين المتوسطين والكبار اللذين جنوا رساميلهم عبر أنشطة خاصة كالمغتربين مثلا دون أي استفادة غير مبررة من الاجراءات التي كانت تجري على مستوى مصرف لبنان والبنوك والتي اأسهمت بـ”طريقة غير مشروعة” في استنزاف خدمة الدين العام ومالية الدولة، وبين الذين كانوا جزءا من هذه “اللعبة المدمرة” للواقع المالي اللبناني. ولذلك فإن هذه المسالة ستكون إشكالية بامتياز وخلافية بين الحكومة من جهة والقوى السياسية والمتضررين من الشعب من جهة أخرى مع الاشارة إلى أن انتقاد الخطة من الحلفاء والخصوم بات اكثر من واضح؛ واذا كان الرئيس سعد الحريري رأى امس قد اشار إلى أن حكومة دياب تتجه إلى خطة انتحار اقتصادي، مبنية على مصادرة أموال اللبنانيين المودعة في المصارف، فإن رئيس المجلس النيابي نبيه بري لن يقبل المساس بودائع الناس وربما يلجأ إلى خطوات عديدة دستورية منعا لذلك، كذلك الحال عند حزب الله الذي لا يوافق على كل بنود الخطة لأنه يريد اقتصادا وحركة مالية ونقدية في خدمة الناس.

وسط ما تقدم، من المتوقع أن يحتل هذا الموضوع بشقيه صدارة الاهتمام خلال الاشهر المقبلة وقد ينسي الشعب جانبا من هواجس كورونا، فأرزاق الناس لا تقل أهمية عن صحتهم، خاصة عندما يتصل الامر بجنى العمر. وكذلك لا يتوقع أن يكون النقاش سلسا داخل الحكومة نفسها، فخلافات الوزراء في ما بينهم ستكون حادة ايضاً، من منطلق أن الخطة الاقتصادية التي يظن البعض أنها ستشكل ضربة قاضية لما تتضمنه من اج إجراءات موجعة تعكس وجهة نظر رئيس الحكومة وفريقه الوزاري المتمثل بالوزيرين دميانوس قطار وراوول نعمة، مع تقدير المصادر نفسها أن يكون “التيار الوطني الحر” أكثر قابلية للموافقة على الخطة.

صورة editor14

editor14