التبويبات الأساسية

كثرٌ تكلمّوا عن مكافحة الفساد، كثرٌ نادوا بمحاسبة الفاسدين، إنّما قليلون هم من سمّوا الأشياء بأسمائها وساروا بالقضايا حتى خواتيمها.
قضيّة أصحاب الموّلدات والفواتير الملغومة التي لا تلتزم التسعيرة الرسمية والتي لطالما أثارت جدلاً واسعاً في الإعلام بفعل تحوّلها الى قضيّة مبدئية وجوهريّة، ترجمها المحامي الناشط رياض مزهر الى دعوى قضائية مكتملة العناصر منتفضاً لنصرة حقوق أبناء بصاليم مزهر والمجذوب، بحيث قرّر الغوص في تفاصيل القضيّة ومواجهة الفاسدين لاستعادة أموال الناس المنهوبة. فإمّا دولة أو لا دولة!
لقد فتحت هذه المبادرة الفريدة الطريق أمام مكافحة الفساد، إذ ليس بكثرة الأقوال نوقف الفاسدين وليس بالشعارات الرنانة نستعيد ثقة الناس المفقودة بهيبة الدولة، إنّما بتحويل كافة قضايا السرقة والهدر واستغلال النفوذ الى ملفّات واقعيّة والسير بها الى القضاء.
بالفعل، نجح الأستاذ مزهر، وبمعزلٍ عن حكم القضاء في القضية المشار إليها، بتجسيد فكرة المحاسبة كأمرٍ لا مفرّ منه في دولة يريدها الرؤساء دولة عدالة ومساواة وشفافية، وهو يقود اليوم الى جانب زملاء له يشهد لهم بمناقبيتهم ومهنيتهم، معركة سياديّة عنوانها مطاردة الفاسدين بقوّة القانون وتحت سيف العدالة.
أسرة مجلتنا إلتقت الأستاذ رياض مزهر، المحامي الصلب صاحب المبادئ الذي لا يساوم على الحقوق، وكان هذا الحوار عن قضايا الفساد في بلدات بصاليم مزهر والمجذوب المتنيّة بالإضافة الى عمليّة مكافحة الفساد على مستوى الوطن.
وفيما يلي أبرز ما دار في اللقاء.

أنتم تقودون اليوم تجربة إسثتنائية قد تكون الخطوة الأولى الفعليّة في طريق مكافحة الفساد، فماذا تقولون عن هذه التجربة؟
في الحقيقة وتلبيةً للنداء الذي أطلقة فخامة رئيس الجمهورية ودعا فيه المواطنين الى تحصيل حقوقهم باللجووء الى القضاء في دولة تعهّد بأن تكون دولة قانون ومساواة وشفافية، عملنا على تجهيز ملفّ كاملٍ ومتكامل يتعلّق بالكهرباء وأصحاب الموّلدات في منطقة بصاليم مزهر والمجذوب على خلفيّة التلاعب بالتسعيرة الشهرية للموّلدات. ففي هذه البلدات الثلاث الكبيرة نسبياً يوجد احتكار لقطاع توليد الكهرباء بقيادة "امبراطور المولدات" وبشراكة ورعاية من قبل رئيس البلديّة. إنّما ومع مجيء وزير الإقتصاد رائد خوري الذي أبدى إصراره على تنظيم هذا القطاع، قررنا ان نتحرّك قضائياً في ضوء وجود سرقة فاضحة بقيمة 25 مليون دولار لنحو 6 آلاف مشترك، بعدما تبيّن بأن تكلفة اشتراك الـ 5 أمبير هي دائماً أغلى بـ 40 الى 50 الف ليرة من غير مناطق، مثل انطلياس، جلّ الديب ونابيه وغيرها من البلدات.
هكذا وبعدما علت الأصوات المعترضة وتفادياً للمشاكل تمّ التوافق على نوعٍ من البروتوكول يقضي بأن يعيّن محافظ جبل لبنان مقرراً للموّلدات في منطقة المتن، بحيث يأتي الى البلديّة للإطلاع على عدد ساعات انقطاع الكهرباء عن طريق العدّادات الموضوعة ومعه تسعيرة وزارة الطاقة، وبالتالي ومن خلال عمليّة حسابيّة بسيطة يفترض ان تحددّ قيمة الفاتورة.
لكن وللأسف بعد إعداد جدول مقارنة، تبيّن أنّ المعدّل الوسطي للفرق بين قيمة التكلفة الفعليّة وقيمة الفاتورة المدفوعة هو 32 ألف ليرة لكلّ 5 امبير، ما يعني أنّه في خلال عشر أشهر من العام 2018، تمّت سرقة 3 ملايين دولار من جيوب المشتركين. من هنا، كانت الدعوى الموثقّة بالمستندات الرسمية والإيصالات.
" المحافظ يعرقل عمل القضاء ويمنح حصانات لمتورطين "
أين أصبحت الدعوى اليوم وأي مسار تتخذه؟
في الحقيقة، الدعوى قائمة وأنا اتخذت صفة الإدّعاء الشخصي بوجه عدة أشخاص بينهم رئيس البلديّة وذلك بدعوى السرقة والاحتيال واستغلال النفوذ والإثراء غير المشروع. اليوم أعتقد بأن القضيّة وصلت الى خواتيمها وهي امام النيابة العامة الإستئنافية في جبل لبنان التي نثق بها ومدعي عام التمييز الذي نحترم. مع الإشارة، الى أن الدعوى تأخرت لنحو 8 أشهر عند المحافظ الذي رفض منح إذن الملاحقة بملف أحد المدّعى عليهم المعيّن من قبله والمفارقة انه غير موّظف الأمر الذي أثار شكوكنا، لكن في النهاية يبقى المحافظ يمارس سلطة إداريّة والقضية اليوم في عهدة القضاء. وبالمناسبة، أنا تخليّت عن كافة حصاناتي كمحامٍ وكم أتمنّى أن يبادر رئيس البلديّة الى القيام بخطوة مماثلة تطبيقاً لمبدأ الشفافيّة.
علمنا ان هذه المبادرة لاقت أصداءً إيجابيّة لدرجة أنّها فتحت طريق مكافحة الفساد بشكل ٍجدي، ماذا تقولون حيال ذلك؟
نعم صحيح، وهنا اسمحوا لي بأن أوّجه تحيّة لعدد كبير من المحامين ومنهم أعضاء بمجلس النقابة الذين أبدوا استعدادهم لتقديم خدماتهم في هذه القضيّة. أمّا فيما يتعلّق بعمليّة مكافحة الفساد عن طريق القضاء، فقد تبيّن ان هناك العديد من القضايا المشابهة المرفوعة سواء في الشوف او الكورة وغيرها، فكانت الفكرة بتشكيل فريق عمل من كلّ المناطق وكلّ الأحزاب بهدف التعاون ومساعدة العهد والرؤساء في عملية مكافحة الفساد التي باتت شعار المرحلة. هذا وتجدر الإشارة، الى أننا نتعاون مع فريقٍ اوروبي وعلى رأسهم الدكتور إيلي حاتم صاحب الحضور اللامع والكلمة الوازنة على المستوى الدولي، بحيث نسعى الى تحضير أكثر من ملّف فساد مستغلّين الرقابة الدولية على لبنان لناحية الإصلاح ووقف السرقة والهدر.
هل من قضايا فساد أخرى تعملون عليها؟
هناك الكثير من الملّفات الناضجة وأخرى قيد الإنجاز، أذكر على سبيل المثال لا الحصر، قضيّة الحديقة في بصاليم التي تحوّلت بطريقة مريبة وبسحر ساحر إلى طريق للعبور لأراضٍ خاصّة، وقريباً جدّاً ستكون هذه القضية امام النيابة العامة المالية وديوان المحاسبة، وهناك ملّف آخر يتعلّق بموقف السيّارات المجاور لمستشفى الشرق الأوسط حيث تطرح علامات استفهام كبيرة حول تحوّل أراضٍ قسم منها مجهولة الملكية وقسم آخر ملك خاص للبلدية وقد تم وردمها من قبل البلديّة وتحويلها الى موقف مدفوع، واذا اردنا التحدث في ملفات الفساد لا ننتهي، يكفي القول أنه في 6 سنوات لم تجرِ البلديّة مناقصة واحدة حقيقيّة، إنّما ما جرى كان عبارة عن تلزيمات بالتراضي هي أشبه بصفقات بملايين الدولارات.
هل يدعمكم نواب المنطقة في هذه الملفات؟
لا شكّ بأنّ جميع النوّاب هم على اطلاع بهذه الملفات وسواها، لكنني كمحامي لا اعمل من منطلق سياسي على الإطلاق، وحقي آخذه عن طريق القضاء. أنا لن ألجأ أبداً الى السياسيين طلباً للمساعدة، فهم يعلمون واجباتهم وأظنّ بأنّه آن الأوان لإقران الأقوال بالأفعال، فصحيحٌ أن الجميع يتكلّم عن محاسبة الفساد والفاسدين ولكن ماذا عن الخطوات الإجرائية على أرض الواقع؟ فعلاً إنّه لمن المعيب على نوّاب الأمّة ان يلهثوا خلف الصوت الانتخابي ويتناسوا صوت الناس الحقيقي.
هل تؤمنون بأن القضاء سينصفكم؟
في الحقيقة نحن نضع الملّفات في عهدة فخامة رئيس الجمهورية، ونحن نؤمن بنواياه الصادقة، مع التشديد والتأكيد على ان لبنان لن يستقيم إلّا مع تحرّر القضاء، وتحرّر القضاء يتطلّب إقرار قانون استقلاليّة القضاء، فليت نواب الأمّة يعملون على إقراره، لأن بإقراره تستقلّ السلطات القضائية من ديوان المحاسبة وتفنيش مركزي وغيرها، ومن هنا تكون نهضة الجمهورية.

صورة editor14

editor14