تحت عنوان: "عون وباسيل يبتزان الجميع برفض المادة 80 من الموازنة"، كتب منير الرّبيع في جريدة "المدن" الإلكترونية: أن يقول وزير الخارجية جبران باسيل ما قاله في زحلة، وبحضور رئيس الجمهورية، يثبّت أنه لم يعد ممكناً الفصل أو التمييز بين الرئيس وصهره، رئيس التيار الوطني الحرّ.
ضحكة عون الطروب
نشوة عون بكلام باسيل، وضحكته التي ظهرت على محياه طرباً، أوحت بما لا لبس فيه أن ما يقوله وزير الخارجية يعبّر عن مكنونات رئيس الجمهورية، ومن بنات أفكاره. وليس تفصيلاً أن يتزامن كلام باسيل عن المادة 80 في الموازنة المتعلقة بحفظ حق الناجحين في امتحانات مجلس الخدمة المدنية، مع تأخير عون توقيعه على الموازنة، بينما الجميع يستعجل توقيعها ونشرها. وليس تفصيلاً لجوء عون إلى هذا الإجراء، تزامناً مع ردّه قانونين في الموازنة إلى مجلس النواب: الأول يتعلق بعدم حصول ابن المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي على إجازة عمل، والثاني قانون إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
نفير طائفي عام
ما لم ينتبه له اللبنانيون، هو أن القانونين اللذين ردّهما رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب، في لحظة إقرارهما، حصل حولهما إنقسام طائفي واضح وجليّ بين الكتل النيابية. وخشي الرئيس نبيه بري من اظهار هذا الإنقسام العمودي الإسلامي - المسيحي حول تأييد قانون حق المرأة اللبنانية بعمل أبنائها بدون إجازة عمل. لكن التصويت كان واضحاً، إذ عارضه معظم المسيحيين، ومنهم مسيحيون في كتل نيابية غير مسيحية. هذا الإنقسام، ربطاً بالصراع على المادة 80 وتعليق الموازنة بسببها، دفع بعض السياسيين إلى إعلان غضبهم وقرعهم النفير العام لما يجري. ووصل الأمر ببعض القوى السياسية إلى اعتبار ما يفعله عون وباسيل يعيد اللبنانيين إلى لحظات التمييز والانقسام بينهم، التي كانت سائدة قبل الحرب الأهلية.
تعيد هذه التصرفات لبنان إلى ما قبل العام 1975، وليس إلى ما قبل إتفاق الطائف. وهذا أخطر ما يمكن أن تصل إليه الأمور في بلد الأزمات الدائمة. فالانقسام حول البند 80 من الموازنة، يحيي الانقسام الطائفي الكامل بين المسيحيين والمسلمين.
صراع على الصلاحيات
الرئيس عون في هذا لا يضع نفسه في مواجهة السنّة فقط هذه المرّة، ولا الدروز، وإنما في مواجهة مع السنة والشيعة والدروز. ولا شك في أن إقرار البند 80 من الموازنة لم يكن ليحصل، لولا إصرار حركة أمل وحزب الله عليه. والأخطر من ذلك أن المسوغ الذي يسوقه باسيل لرفضه هذا البند، يندرج في سياقه البعيد في خانة الصراع على الصلاحيات مع مجلس النواب ورئيسه هذه المرة، وليس مع الحكومة ورئيسها. وهذا يعكس خطورة الانقسام، وزيادة التراكامات التي قد تؤدي إلى إنفجار في أية لحظة.
هنا لم تعد المشكلة مرتبطة بالسياسة وحساباتها، ولا بالتسويات والحاجة إليها، بالنسبة إلى القوى السياسية التي تتعاقد في ما بينها على اتفاقات مصلحية تتعالى على هذه الاختلافات والتفاصيل الشعبوية الغايات. فالتحريض والحقن يطالان الناس، بمعزل عن سعي القوى السياسية إلى إيجاد مخارج لهذه الأزمة.
... ضد الجميع
في قراءة بسيطة لحال الانقسام في البلد، يظهر عون - باسيل في اعتراضهما على البند 80، وحدهما في مواجهة السنة والشيعة والدروز، وفي موقع المواجهة مع صلاحيات مجلس النواب. هذا على الرغم من أن باسيل حاول تغليف اعتراضه بوصفه ما جرى في المجلس النيابي أنه لا يمثل اعتداءً على صلاحيات رئيس الجمهورية فحسب، بل يطال أيضاً صلاحيات رئيس الحكومة التي يدعي باسيل الدفاع عنها، فيما هو ووزراؤه يعطلون انعقاد مجلس الوزراء. وحجته في دفاعه المزعوم عن الحكومة أنها تعنى بشؤون التوظيف، ليأتي الردّ عليه بأن المجلس النيابي سيد نفسه، وهو الذي يقر القوانين.
مخرج حزب الله
والمشكلة الأساسية هنا، هي في اعتبار ما جرى مواجهةً مع الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل اللذان كانا أكثر المتحمسين لإقرار هذا البند، بينما حزب الله الذي صوّت على الموازنة لأول مرة في تاريخه، يجد نفسه مستهدفاً في تعطيل رئيس الجمهورية الموازنة إياها. وهذا ما دفعه (الحزب) إلى البدء باتصالات سياسية مع رئيس الجمهورية ووزير الخارجية، لضرورة توقيع الموازنة كما هي، لأنه لا يمكن السماح لهما بكسر المجلس النيابي، ولا بتعطيل قانون أقره المجلس، في مقابل أن يجترح الحزب مخرجاً يتجنب كسر عون. وحسب معلومات "المدن" فإن المخرج الذي يعمل عليه الحزب، هو أن يوقع عون الأسبوع المقبل على الموازنة كما هي، لتنشر كما هي، حفاظاً على المجلس النيابي. ولكن من دون كسر رئيس الجمهورية، بإيجاد مخرج لتعطيل البند 80 من الموازنة، إما باقتراح قانون لتعديله أو حذفه لاحقاً، أو تضمين موازنة العام 2020 نصاً واضحاً يلبّي رغبات عون وباسيل، وبذلك يؤجل البند موضع الخلاف.
ابتزازات دائمة
الأخطر من هذه التفاصيل، هو لجوء باسيل إلى لعبة الابتزاز الواضحة لحزب الله، بغية إثارة الغرائز الشعبوية الطائفية. وهي لعبة سارية منذ تسوية 2016، وكانت واضحة تجاه رئيس الحكومة سعد الحريري. أما اليوم فقد تحول الابتزاز "الباسيلي" ليطال حزب الله، وخصوصاً عندما لوح باسيل في كلمته بأن البند 80 يمسّ توازنات وتفاهمات واتفاقات. اختار باسيل مصطلحين أساسيين: التفاهمات قصد بها تفاهم مار مخايل مع الحزب، والاتفاقات قصد بها الاتفاق مع الحريري. وبذلك نجح في ابتزاز الطرفين اللذين يحتاجان إليه. فالحزب يحتاج للغطاء المسيحي، والحريري يحتاج للبقاء رئيساً للحكومة. لكن ابتزاز باسيل للحريري لا ينحصر في موضوع الموازنة والحفاظ على التوازن، بل يندرج في خانة استمرار التصعيد والضغط عليه لدفعه إلى التراجع عن دعم وليد جنبلاط في ملف حادثة قبرشمون.
لعبة الإبتزاز هذه تسمح لباسيل بتحقيق مبتغاه، وهو تقصّد اللعب على هذا النحو، لإظهار قوته وقدرته للشارع المسيحي، الذي يتوجّه إليه بالقول إن زمن إستباحة حقوق المسيحيين قد ولى، وإن رئيس الجمهورية يستخدم صلاحياته وصولاً إلى تعطيل الموازنة التي يقرها المجلس النيابي. وبلا شك أن لعبة باسيل هذه يرى أنها ستوصله حتماً إلى اكتساح الشارع المسيحي في أي انتخابات وستفرضه رئيساً مقبلاً للجمهورية. بينما خصومه المنزعجون منه يعتبرون أن السحر سينقلب على الساحر، مهما كانت التسويات السياسية تصب في صالحه. فما سيحصل في وجهه هو انفجار اجتماعي وليس سياسياً، لأن من يزرع الريح سيحصد العاصفة. لكن لدى باسيل حسابات أخرى تقوم على مبدأ التجييش من الآن إلى الانتخابات النيابية، وبعدها يعود إلى لعبة المغازلة والمهادنة مع القوى السياسية التي يحتاجها لبلوغ طموحه الرئاسي. وبلا شك أن استمراره على هذه السياسة الهزلية يدفع الأفرقاء جميعاً إلى حسابات ضيقة خائفة وقصيرة النظر. فيما المصلحة العامة في مكان آخر. والحسابات هذه قد تسمح لباسيل، كما في كل مرّة، بتحقيق ما يطمح إليه، مرتكزاً على تعطيل، عوضاً عن معاقبته عليه، يكافأ بتلبية رغباته.
المصدر: منير الرّبيع - المدن