على رغم غزارة المؤلفات الروائية في رصيد الكاتب البرازيلي باولو كويلو، إلّا أنّ اسمه ظلّ مُقتَرناً بعمله الشهير «الخيمائي»، الرواية التي أسبغت عليه صفة عالمية، كما أصبحت من أكثر الكتب قراءة بِلغات مُختلفة.
ويرى بعضُ النقاد أنّ ما نُشر لصاحب «إحدى عشرة دقيقة» لاحقاً لا يُضاهي ما قدّمَه في «الخيميائي» على مستوى الفكرة والحبكة المُشوّقة وتوظيف التراث الأسطوري والدينى والفلسفي في طيّات روايته.
المُغامرة
قد تجد في استجابة موضوع «الخيمائي» لهموم الإنسان المُعاصر تفسيراً لاحتفاء القرّاء من كل الفئات العمرية بهذا المُؤَلَّف، إذ إنَّ بساطة طريقة السرد وسلاسة اللغة وشفافيتها لا تنزل بالعمل إلى مرتبة روايات سطحية، بل إنّ انفتاح قوس السرد على التطورات التي تمرّ بها حياة سانتياغو مُتزامنةً مع اكتشافاته وتَعمّقه في مغزى تعثراته، يُزخم حركة السرد أكثر.
هذا إلى جانب ما يتواردُ في سياق القصة من وصايا وحِكم وعبارات تعكس سِعة ثقافة الكاتب وإيمانه بمفهوم التَكامُل الحضاري والثقافي، الأمر الذي تراه ماثلاً في عتبة الرواية التي يتصدرها مُقتبس من إنجيل لوقا وتليها قصة من تراث الصوفي الإسلامي، ناهيك عن استعادة بعض الحكايات المتداولة في القصص الدينية والملحمية في متن الرواية.
كما أنّ الإطار المكاني يَتّسِع على فضاءات متنوعة من الحضرية إلى البدوية، فضلاً عن تشكيلة شخصيات من خلفيات مُتنوعة، والغاية من كل ذلك الكشف أنّ الحقيقة متوزعة بين جهات مُختلفة، ولن تنفرد بها مجموعة من دون غيرها، وهنا تكمنُ رسالة العمل وثيمتها الأساسية.
يفتتحُ الراوي كلي العلم بإضاءة المكان الذي يركنُ فيه الراعي سانتياغو إلى الراحة والاستراحة، وما الموقعُ إلّا باحة كنيسة مهجورة وأظلّة شجرة جمّيز مكان الغرفة المُلحقة بالمذبح. وهناك تنمو بذرةُ المغامرة في رأس الفتى الذي خالفَ رغبة والديه بأنْ يكون كاهناً، إذ ما ان َوصل إلى السادسة عشرة من عمره حتى أدارَ ظهره عن المدرسة الأكليركية وأصبح راعياً للغنم من دون أن ينقطع عن القراءة.
ويخبرنا الراوي أنّ الراعي لا ينفكّ يُفكرُ في ما رآه في الحُلم ويهمهُ فهمُ شيفراته، وهذا ما يقوده إلى الغجرية لعلّها تفيدهُ بتأويلها للحلم. حينذاك، تتضحُ تركيبة الحلم، وهي عبارة عن ظهور طفل يلهو مع النعاج ومن ثُم يمسكُ بيد الفتى مقتاداً إيّاه إلى الأهرامات في مصر، كما يبلغه بأنَّه إذا وصل إلى هذه البقعة سيجد كنزاً مخبوءاً.
وهكذا تكرّ سبحة لقاءات سانتياغو بعدة شخصيات، منها الشيخ الذي يفاجئه بكونه ملكاً لسالم (المكان الذي يقعُ خارج الأندلس)، ويتفحّص الكتاب الذي يقرأه الفتى واصفاً محتواه بالمُملّ، ويردفُ بأنَّه لو أعطاه عشر القطيع سيخطُ له طريق الوصول إلى كنزه، إذ زعمَ الفتى أنّ الشيخ قد تواطأ مع الغجرية لانتزاع ما يمتلكه.
بهذا، يتخذ مصير الفتى منحى آخر، وبعدما يتحاور مع الشيخ ملكي صادق ويُصغي إلى ما يقوله من كلام مؤثّر، يَتجرّأ على الخروج من دائرة ما تعوّد عليه ويغادرُ مدينة طريفا متزوّداً درتين أخذهما من الشيخ «أوريم، توميم» ويتّجه صوب مدينة طنجة.
أجواء الصحراء والقوافل
لا تخلو مسيرة الفتى نحو كنزه من المُنغّضات، فإضافة إلى مكابدات الطريق وتَخلّيه عن أغنامه، يمرُّ بتجارب مُحبطة، غير أنّ الحالة لا تسير على وتيرة واحدة بل يعقبُ كل مرحلة صعبة وضع تَتحسّنُ فيه ظروفه.
أخيراً، يسلكُ الفتى طريقه إلى مكان الكنز، ويُصاحبه في الطريق الإنكليزي الذي يبحث عن الخيميائي المقيم في فيوم. هنا، يضعك المؤلِّف في أجواء الصحراء والواحات والقوافل، وذلك بالاعتماد على تقنية الوصف. ويستمد سانتياغو القوة من وجود الخيميائي بجواره في الصحراء، وتبدأُ لحظة الامتحان الحقيقي حين يفترق الاثنان ويتحمّلُ الفتى مسؤولية البحث عن الكنز لوحده.
وما ان يرى الأهرامات حتى تفيض الدموع من عينه، وهنا يحفر الأرض امتثالاً لنصيحة الخيميائي الذي طلب منه أينما بكى أن يَشرع بالبحث. وبينما هو ينكَبّ على الحفر، يأتيه فرسان ويضايقونه، فيبلغهم بحلمه وما يبحثُ عنه، فيسخرُ منه الزعيمُ مؤكداً له أنّه قد حلم أيضاً بوجود كنز مخبوء داخل كنيسة مهجورة يأتيها الرعيان وتوجد فيها شجرة جمّيز، هكذا يعود الفتى إلى الكنيسة ويفهم الإشارة ليجدَ فيها الكنز المدفون، ومن الواضح أنّ الرواية تُبنى على بينية مدورة.
الحكم
يُضمّن باولو كويلو عمله عدداً من الحِكم والأمثال تنطقها الشخصيات ويكتشفها المتلقّي بالتدرّج، ولعلّ أهمها يتمثلُ في 7 حكم أساسية: «عندما تريدُ شيئاً ما حقاً فإنّ الكون بأسره يطاوعك للحصول عليه»، وهذا ما يتكرر بحيثُ يبدو جملةً مركزية في النص، «أنصت إلى قلبك فهو يعرف كل شيء لأنَّه يأتي من روح العالم»، «ليس الشرُ ما يدخلُ الفم بل هو ما يخرجُ منه»، «إذا وعدت بما لم تملكه بعد فسوف تفقد الرغبة في الحصول عليه»، «إنَّ الأشياء البسيطة هي الأكثر غرابة»، «الحب لا يمنع الرجل من متابعة أسطورته الشخصية»، «ليس الكل سوى واحد». تستشِف ظلال أفكار المتصوفة والعارفين في هذه العبارات التي وظّفها باولو كويلو في «الخيميائي».