التبويبات الأساسية

هل يكون حلّ أزمة اللاجئين والنازحين السوريين على يد روسيا التي، هي نفسها، قد دخلت نيران الحرب في سوريا من الباب العريض، من دون إذن ولا دستور، بل كانت طرفاً أساسياً في النزاع في ظلّ وقوفها إلى جانب النظام السوري؟!

إنها حقاً مفارقة! بل إنه طرح، يبدو بالنسبة إلى البعض، مريب!

لكن مهلاً.. لا داعي للاستعجال في إطلاق الأحكام والمخاوف، فالخلاص قد يكون فعلاً روسيّ الصنع!

الأربعاء الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن إنشاء مراكز إيواء خاصة في سوريا لاستقبال النازحين (في الداخل السوري) واللاجئين (خارج سوريا) السوريين وتوزيعهم وإيوائهم، بغية إعادتهم، في نهاية المطاف، إلى مواقع إقامتهم الدائمة.

في البيان الصادر عن الوزارة الروسية، ورد أنّ روسيا، وبالتنسيق مع السلطات السورية قد أنشأت المركز الأول كجزء من الجهود الدولية لمساعدة اللاجئين السوريين في العودة إلى أماكن إقامتهم، كما ورد أنّ وزارة الدفاع تواصلت مع الأمم المتحدة بشأن تنظيم عودة أولئك اللاجئين، وأخطرت سفاراتها في 36 دولة تستضيف أكبر عدد من اللاجئين السوريين على أراضيها.

بقراءة تقنية، يرى الخبير في السياسات العامة واللاجئين زياد الصائغ أنّ "المبادرة الروسية مهمة لتصويب مسار التوّجه العام فيما خصّ عملية الفرز الديموغرافي والمذهبي والطائفي الدائرة في سوريا بسبب القانون رقم 10 وتدابير مختلفة أخرى"!

وفي حديث لـ "لبنان24"، يلفت الصائغ إلى أنّ ما تطرحه روسيا في قضية عودة اللاجئين والنازحين السوريين إيجابيّ سيّما وأنها قد أعلنت صراحة وبوضوح عن أنّ المبادرة تنصّ على إعادتهم إلى المناطق التي خرجوا منها.

لكنّ الخبير في هذا الملف يدرك أنّ مثل هذه المبادرة تبقى عرضة للاهتزاز ما لم تحاط بضمانات. برأيه، أولى الضمانات لإنجاح المشروع الروسي هو في تواصل روسيا مع الأمم المتحدة لتنظيم العودة انطلاقاً من مراكز الإيواء. بمعنى آخر ألا تعمل بمفردها على هذا الخطّ!

الضمانة الثانية تكمن في تجارب متفرقة نراها تتحقق على أرض الواقع بحيث يتمّ التأكد فعلياً من أنّ السوريين يعودون إلى مدنهم وقراهم، لا إلى مناطق مختلفة يتمّ توزيعهم عليها في إطار سياسة الفرز!

أما الضمانة الثالثة فهي في قدرة الجانب الروسي مع الأمم المتحدة ونجاحهما على التواصل مع النظام السوري من أجل وضع ضمانات أمنية وقانونية واقتصادية واجتماعية تحول دون تعرّض اللاجئين والنازحين إلى ممارسات غير قانونية أو عنفية أو ترهيبية وانتقامية.

الضمانة الرابعة، بحسب الصائغ، هي في أن تتحرّك روسيا على صعيد مجلس الأمن بحيث يُصار إلى إصدار قرار يقضي بتعاون القوى المؤثرة في سوريا، وعلى رأسها الولايات المتحدة وتركيا، للضغط على ايران وسوريا من أجل وقف الفرز الديموغرافي والمذهبي الذي أحدثه القانون رقم 10 وسواه من التدابير التي تصدر تباعا عن النظام السوري، والتأكد من أنّ العودة ستكون منظمة وطوعية وآمنة وكريمة، والأهمّ أنها ستكون إلى المناطق التي خرج منها الأفراد.

عدا ذلك، وجب التعامل "بهدوء وحذر" مع المبادرة، بحسب الصائغ الذي يذكّر بأنه سبق لروسيا أن حاولت إعادة اللاجئين لكنها اصطدمت بالكثير من العوائق السياسية والأمنية، ومع ذلك نجحت في إيجاد آلية لوجيستية غير مباشرة أفضت وما تزال إلى عودة تدريجية تحصل بين الحين والآخر!

لكن، ما هي فعلاً مصلحة روسيا في زجّ نفسها في ملف اللاجئين السوريين؟!

يقول الصائغ أنّه بعد قمة هلسنكي التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب قد يكون جرى التوّصل إلى تفاهمات تتعلق بالشأن السوري، إحداها ضرورة تخفيف العبء عن البلدان المضيفة للنازحين واللاجئين. يتابع:"القمة أفضت إلى توافق روسي - أميركي حول تقاسم النفوذ في سوريا مع مراعاة التوازن بين الجانبين، وعلى أن يكون للجانب الأوروبي أيضاً دور إذ سيدخل في المستقبل من بوابة إعادة الإعمار. لكنّ من أبرز شروط هذه التسوية أن يعود النسيج الديموغرافي السوري الذي خرج من سوريا إليها، وذلك كي يقتنع المجتمع الدولي والأمم المتحدة أنّ تلك التسوية التي تحصل بين الأفرقاء السياسيين تصبّ أيضاً في مصلحة الشعب السوري".

أكثر من ذلك، يرى الصائغ أن روسيا التي دخلت الحرب السورية وكانت طرفاً فيها تريد أن تقول اليوم أنها وقفت إلى جانب النظام السوري ضدّ الإرهاب، لكنها أيضاً تريد أن تكون جزءاً من التسوية السلمية، بل أن تكون الضمانة لعودة السوريين إلى بلادهم. إنها إطلالة إيجابية إذاً، وسعي لتقديم صورة بديلة عما ظهرت عليه من قبل!

ماذا عن لبنان؟!

لبنان الذي انطلقت منه المبادرة في العام 2017 إذ ما انفكّ عددٌ من الخبراء والأكاديميين يتحدثون عن أهمية الدور الروسي في ملف اللاجئين السوريين؟!

بحسب الخبير، فإن أمام لبنان فرصة جديدة وجدّية اليوم لتحريك ملف اللاجئين في إطار صحيح. لكنّ الأمر لا يمكن أن ينجح طبعاً إذا ما ظلّ التعاطي السائد راهناً معمولاً به: "لبنان الرسمي غائب، ولبنان الحزبي حاضر في ملف اللاجئين وهذا أمر شديد الخطورة"، يقول الصائغ.

الحلّ الأمثل والأجدى هو بأن يكون للدولة اللبنانية خطة وطنية شاملة تلتزم بها الحكومة بالتعاون مع المرجعيات الدولية والهيئات الأممية. يقول الصائغ:" ولا يتحججن أحدٌ بأن الحكومة هي حكومة تصريف أعمال إذ إن هناك لجنة وزارية مختصة بهذا الموضوع، ويأمل من دولة رئيس الحكومة من موقعه المؤتمن على حسن استمرار انتظام المرفق العام دعوتها للاجتماع لتناقش كيفية مواكبة المبادرة الروسية بالتعاون مع الأمم المتحدة في لبنان".

أما كلّ هذه الخطوات الاحادية الجانب، من أي طرف أتت، أكانت على قاعدة انشاء مراكز لتسجيل الاسماء أم سواها من إجراءات خارج إطار خطة تضعها وتنفذها الحكومة مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، فهي حتماً مسيئة للملف، بل إنها قد تكون حجر عرقلة وتطريق في تعاون لبنان مع المجتمع الدولي ومنها روسيا".

وعن الدعوات المحلية التي يخرج بها البعض بين الحين والآخر والتي تنصّ على ضرورة التواصل مع النظام السوري في ملف النازحين السوريين، يكتفي الصائغ بالتذكير بأن الأمم المتحدة معنية بالتواصل مع كلّ الأطراف والروس الآن دخلوا على الخطّ، وواضح أن تبني قضية عودة اللاجئين تنطلق من حقيقة أنّ ثمة من يعرقل في سوريا، ويعارض ويتضرر!"

المطلوب بحسب الصائغ إذا مواكبة المبادرة الروسية ورفعها إلى مستوى مجلس الأمن لطلب جدولة عودة النازحين على أن يتخذ قرار تحت الفصل السابع يوقف تنفيذ القرارات التي تمنع عودة هؤلاء إلى مناطقهم".

صورة editor11

editor11