تحت عنوان "هؤلاء هم "صانعو القيصر" الأقوياء في روسيا" كتب محمد عابد في موقع "عربي21": "خطف فلاديمير بوتين، منذ توليه حكم روسيا، مطلع القرن الجاري، أضواء وسائل الإعلام المحلية والعالمية، بالنظر إلى طبيعة شخصيته وقراراته، وكذلك طبيعة المرحلة التي كانت تعيشها البلاد، تاركا العديد من الشخصيات القوية وذات النفوذ والتأثير "في الظل".
وأضاف المقال أنه "وعلى مدار سنوات، صنّف الرئيس الروسي بأنه "الرجل الأقوى في العالم"، بقدرة عالية على الموازنة بين مختلف عناصر القوة الداخلية والخارجية".
وبحسب تقارير متعددة فإن طبقة "الأوليغارشية" في روسيا هي التي صنعت قوة "القيصر"، عبر تمهيد الطريق أمامه نحو السلطة، ودعمه خلال سنوات حكمه من خلف الأضواء، بعد أن ساهمت في استقرار حكم سلفه "بوريس يلتسن".
وبالتزامن مع تمرير تعديلات دستورية عبر استفتاء شعبي، اختتم قبل أيام، تتيح له البقاء في السلطة حتى عام 2036، تستعرض "عربي21" قصة بوتين و"الأوليغارشية"، وتلقي الضوء على أبرز الأسماء التي لعبت أدوارا مختلفة من وراء الستار في صياغة مشهد الحكم في أكبر دولة في العالم.
الأوليغارشية الروسية
بدأ ظهور الأوليغارشية التي ينظر لها كضامن لقوة بوتين في روسيا فور انهيار الاتحاد السوفييتي، مطلع التسعينيات، وكانت النواة الأولى لها مجموعة من الأثرياء وذوي النفوذ، ظهروا جراء الانسحاب المفاجئ للقطاع العام من مجالات واسعة، وانهيار القواعد التي تحد من تأثير المال على السياسة.
وسرعان ما أصبحت تطلق على تلك الطبقة أوصاف من قبيل "النخبة الحاكمة" و"الدولة العميقة"، التي باتت تتمتع بما كان يحظى به قادة الحزب الشيوعي من سلطة ونفوذ، ولكن من وراء الستار.
وتشكل قوة الأوليغارشية الروسية في الحكم أحد نقاط الاختلاف بين روسيا والغرب، حيث تتهم الدول الغربية بوتين بقيادة "ديمقراطية مزيفة"، تساهم بتركيز الثروات في أيدي قلة، وتحاصر الفضاء السياسي والإعلامي، وتساهم في دفع موسكو نحو خيارات خارجية خطيرة، وتجعل مستقبل البلاد غامضا، فيما يرد بوتين بالقول إن الليبرالية الغربية "عفا عليها الزمن".
المصرفيون السبعة
شكلت الانتخابات الرئاسية الروسية عام 1996 نقطة فاصلة في تطور سطوة الأوليغارشية، فقد دعا العالم والمفكر السياسي الروسي، سيرغي كورغينيان، قبيل إجرائها، ثلاث عشرة شخصية ثرية وذات نفوذ قوي إلى الاجتماع والتوقيع على خطة لإخراج البلاد من أزماتها السياسية والاقتصادية الحادة، ضمّنها في "رسالة الثلاثة عشر" أو "الخروج من الطريق المسدود"، ونشرتها آنذاك صحيفة "نيزافيسيمايا".
وارتكزت الخطة، بحسب تقرير نشرته صحيفة "كوميرسانت" عام 2006، على إلغاء انتخابات 1996، التي كانت جميع المعطيات تشير إلى أن مرشح الحزب الشيوعي، غينادي زوغانوف، سيفوز بها، مطيحا بالرئيس "بوريس يلتسن"، المستقل، الذي كان يمثل وجه روسيا "الحديثة"، ولكن "المضطربة".
لم تنجح خطة "كورغينيان"، لكن سبعة من "الأقوياء الثلاثة عشر" اجتمعوا بالفعل، وساهموا بتعزيز حظوظ يلتسن بالبقاء في السلطة، وسط حديث عن استخدامهم "تقنيات معقدة للتأثير على الجمهور"، ورسخوا بذلك قوتهم وتأثيرهم في السلطة، ما سيجعلهم يمثلون المجموعة الرئيسية التي ستتمخض عنها الأوليغارشية الروسية التي صنعت قوة بوتين.
وبعد الانتخابات، ظهر في العرف السياسي الروسي مصطلح "المصرفيون السبعة"، وهم: بوريس بيريزوفسكي، ميخائيل خودوركوفسكي، ميخائيل فريدمان، بيتر آفن، فلاديمير غوسينسكي، فلاديمير بوتانين، ألكساندر سمولينسكي.
وتجمع أغلب التقارير على تلك الأسماء، فيما تستبدل أخرى بعضهم بآخرين، وقد كان هؤلاء من بين الأكثر ثراء ونفوذا وتأثيرا، وامتلكوا شركات وأعمالا في قطاعات مختلفة، لكن القطاع البنكي كان عاملا مشتركا بينهم.
الثلاثة الكبار
كما كانت انتخابات الرئاسة الروسية عام 1996 بداية لظهور "المصرفيين السبعة"، فإن انتخابات عام 2000 كانت نهاية لمرحلتهم، وبداية لظهور الطبقة التي لا تزال تمثل قوة فلاديمير بوتين حتى اليوم، والتي تتشكل نواتها الصلبة من ثلاثة رجال أقوياء.
فقد استمر "السبعة" في حكم البلاد من خلف الستار، بحسب عدة تقارير، حتى عام 2000، عندما جاء الرئيس القوي، الذي اصطدم ببعضهم وأخرجهم من المشهد، وأبرزهم "بيريزوفسكي"، الذي تحول إلى معاداة بوتين انطلاقا من منفاه في لندن، بحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز"، في تموز/ يوليو 2019، ما أتاح لثلاثة من بين المصرفيين السبعة التفرد بالسلطة، وهم "فريدمان" و"آفن" و"بوتانين".
منذ ذلك الحين، أدخل الثلاثة، مع بوتين، أسماء أخرى إلى دائرة "الدولة العميقة"، أبرزهم الأخوان "روتنبرغ"، أركادي وبوريس، و"غينادي تيمتشينكو"، وثلاثتهم أصدقاء قدماء للرئيس، وكذلك "فيكتور فيكسلبرغ"، شريك "فريدمان" في قطاع النفط، و"أوليغ ديريباسكا"، بارون قطاع المعادن وصهر عائلة "يلتسن".