التبويبات الأساسية

كثيرة هي الملاحظات التي يمكن تسجيلها في مهرجان الذكرى الـ 13 لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري في مجمع البيال الذي مهما إجتمع فيه من جماهير زرقاء تبقى قليلة مقارنة بالحشود التي كانت تزحف الى ساحة الشهداء وتفيض الى الشوارع المجاورة، ولعل إنتقال المهرجانات منذ سنوات من الساحات الى القاعات هو أكبر دليل على تراجع شعبية تيار المستقبل، وعلى تفكك قوى 14 آذار.

في الشكل، غابت قيادات الصف الأول في قوى 14 آذار عن الصف الأول في المهرجان، ليبقى إحياء هذه الذكرى فقط "لمن يهمه الأمر".

حمل هذا الغياب دلالات سياسية كبيرة، خصوصا أن من ملأ الفراغ هم خصوم الأمس من قيادات التيار الوطني الحر، فجلس وزير العدل سليم جريصاتي ممثلا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ووزير الدفاع يعقوب الصراف الى جانب الرئيس سعد الحريري، إضافة الى قيادات من التيار تفاسموا المقاعد مع وزراء ونواب، فبدا الحريري غريبا ومستفردا بعيدا عن زملاء الثورة والنضال.

واللافت أن من آثر الحضور من شخصيات في 14 آذار للمشاركة في المهرجان لم يجدوا مقاعد مخصصة لهم، ما دفعهم الى الانسحاب وفي مقدمهم الوزير السابق آلان حكيم ممثلا الرئيس أمين الجميل ورئيس الكتائب النائب سامي الجميل، النائب نديم الجميل، رئيس حركة الاستقلال ميشال معوض، والاعلامية مي شدياق الذين تعرضوا لخطأ بروتوكولي غير مسموح به في مناسبات من هذا النوع، فغادروا قاعة البيال وعبروا عن غضبهم مما حصل على تويتر.

أما في المضمون فبدا واضحا أن الحريري لم يعد لديه أي حليف أساسي وجدي من أقطاب قوى 14 آذار، وذلك بفعل خياراته السياسية الجديدة التي شكلت تناقضا كاملا مع الخطاب الذي ألقاه، وغلب عليه الطابع الشعبوي والعاطفي، إضافة الى عودة الحريري الى لغته التحريضية ضد حزب الله لزوم الانتخابات المقبلة، فضلا عن الإستفاقة على المحكمة الدولية التي أكد زعيم المستقبل أنها "ستُصدر حكمها وستنفذ قراراتها بتوقيف كل المتورطين بجريمة الاغتيال"، ليعود بعد الخطاب الى مصافحة وزير العدل سليم جريصاتي المحارب الأول ضد المحكمة الدولية ووكيل المتهمين بجريمة إغتيال الرئيس الشهيد.

يمكن القول أن خطاب الرئيس الحريري حمل جملة من التناقضات، خصوصا أنه لم ينجح في إستهداف أو إصابة من وضعهم في خانة الخصوم، خصوصا أن هجومه على حزب الله بدا وكأنه محاولة لذر الرماد في العيون للتغطية على التنازلات السياسية التي قدمها طيلة الفترة الماضية، وفيه أيضا عدم إحترام لذاكرة اللبنانيين، حيث أن الحريري هو من أطلق لاءاته الشهيرة في عدم الحوار أو الجلوس أو المشاركة في الحكومة مع حزب الله، وهو من أكد أنه ضد مبدأ النأي بالنفس بما يخص الأزمة السورية، وهو أيضا من رفع الصوت بأن لا شرعية لأي سلاح خارج سلطة الدولة، وهو نفسه من نسف لاءاته وشارك مع حزب الله وتعاون معه، ومن ثم إعتمد مبدأ النأي بالنفس، وغض النظر عن السلاح وعن مشاركة الحزب في سوريا، وربما لم يجف حبر تصريحاته الأخيرة بعد، والتي أكد فيها أن حزب الله لم يستخدم سلاحه في الداخل، وأنه يشكل عامل إستقرار في البلد، مشددا على أنه لن يشكل أي حكومة في المستقبل من دون مشاركته، لذلك فإن الهجوم على حزب الله لم يكن مقنعا، خصوصا أن الحريري يتحالف مع التيار الوطني الحر الذي إحتفل قبل أيام بمرور 12 عاما على وثيقة التفاهم التي صاغها مع حزب الله.

ومن هذه التناقضات، إعلان الحريري التحدي بأنه سيخوص الانتخابات من دون مال، محاولا إستبدال هذا المال باثارة الغرائز والعواطف التي يدرك الحريري وفريقه السياسي أن مفعولها ينتهي مع إنتهاء المهرجان خصوصا في ظل إستدارته السياسية الواضحة، علما أن تيار الحريري كان أول من أدخل ثقافة المال الانتخابي الى الحياة السياسية، وهو لم يتوان عندما كان يمتلك الامكانات المالية عن صرف مئات ملايين الدولارات في إنتخابات عامي 2005 و2009، إلا أن أزمته المالية المعروفة دفعته الى رفع شعارالتحدي الذي إعتبره البعض أنه لزوم ما لا يلزم.

الرئيس الحريري تحدث عن محاربة الفساد، لكنه لم يثبت للبنانيين أن ملفات بواخر الكهرباء والاتصالات والألياف الضوئية وما إصطلح على تسميته "مقاول الجمهورية"، خالية من الفساد، كما أن الحماسة التي أظهرها للذهاب الى الانتخابات وفقا للقانون الانتخابي الجديد أظهر تناقضا في الرؤية والموقف بينه وبين كثير من وزرائه ونوابه الذين ينتقدون هذا القانون ويعتبرونه أسوأ ما يمكن إنتاجه، وكان آخرهم الوزير محمد كبارة الذي إعتبر أن القانون يستهدف السنة ويمهد لالغاء الطائف، ويحاول إغتيال الرئيس الحريري سياسيا.

في الخلاصة، لم يأت مهرجان البيال هذا العام على مستوى الذكرى وصاحبها، وهو أوحى أن قوى 14 آذار تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة، بعدما تحولت الى فرق وشيَع تتصارع فيما بينها، في حين ظهر جليا أن الرئيس الحريري يعيش حالة من الصراع الداخلي بين ما يتمناه وبين الواقع السياسي الذي يعيشه، لذلك فإن خطابه المطوّل في الذكرى الـ 13 لاستشهاد والده، لم يقنع سوى جمهوره الذي ما يزال يحفظ له بعضا من عاطفة".

(غسان ريفي - سفير الشمال)

صورة editor11

editor11