التبويبات الأساسية

شهد مسرح "قصر البيكاديللي" في شارع الحمراء ببيروت مرحلة ذهبية لم ولن يسبقه أي صرح ثقافي لبناني عليه. اليوم وبعد 17 سنة قررت وزارة الثقافة إعادة ترميمه، بميزانية ستصل نحو 5 مليون دولار أميركي، وبدعم من جهات أجنبية، على أن يتم إعادة إفتتاحه بعد سنتين ونصف على أبعد تقدير. أهم المسرحيات والحفلات العالمية والأعمال الفنيّة من غناء وتمثيل ورقص عُرضت عليه قبل أن يُسدل الستار عليه في العام 2000 إثر حريق غامق شبّ داخله وأتى على معظم محتوياته النفيسة.

إفتتح مسرح "البيكاديللي" أبوابه عام 1966، حين قدّمت فرقة أوبريت نمساوية تابعة لأوبرا فيينا أولى العروض عليه، وفق ما تقول رندة عيتاني إبنة هاشم عيتاني، أحد مؤسسي المسرح المذكور.

بدأ المسرح كشركة مساهمة لبنانية برأسمال قدره مليونان وخمسمائة ألف ليرة، أسسها الأخوين هاشم وخالد عيتاني، وصمم المسرح المهندس الفرنسي روجيه كاشار الذي صمم مطار "أورليه" في باريس ومعه المهندس اللبناني وليام صيدناوي.

وتؤكد رندة عيتاني أن المسرح بني بشكل فخم جداً في أفضل مركز تجاري في شارع الحمراء، يزيّن مداخله الرخام وواجهته الألمنيوم، وهو مجهّز بكامله بآلات التبريد والتدفئة المركزية، وكان يشمل محلات تجارية ومكاتب كبيرة إلى جانب صالة سينما تتسع لـ800 مقعد، حلبة للتزلّج على الجليد، بولنغ وسائر أنواع التسلية، حديقة أطفال، أما في الطبقات الأرضية صالة شاي وسناك بار مفروشة بأفخر مقاعد الجلد والخشب وتحيط بها شمعدانات من النحاس. أما في الطبقة السابعة مطعم يشرف على المدينة كلها، في الطبقتين الثالثة والرابعة تحت الأرض كاراج مساحته أربعة آلاف وخمس مئة متر مربّع، وعدد وافر من المصاعد الكهربائية، منها مصاعد مخصّصة لنقل البضائع".

الرحابنة وداليدا.. وأسماء لامعة مرت من هنا

تاريخ ثقافي عريق، لا يمكن حصر أعماله الضخمة التي قُدمت عليه. البداية الكبيرة بعد الفرقة النمساوية كانت مع الأخوين الرحباني الذين قدموا "هالة والملك" عليه في العام 1967. وبعد هذه المسرحية كرت سبحة تقديم أعمالهم على هذا الصرح الضخم، وهي على التوالي : الشخص (1969) - يعيش يعيش (1970)- صح النوم (1971) - ناس من ورق (1972) - المحطة (1973) - لولو (1974) -ميس الريم (1975)، وخلال الحرب الأهلية آخر مسرحية لهما هي بترا (1978).

لكن الحدث الأبرز الذي شهده هذا المسرح كان في العام 1972 حين قدمت النجمة العالمية داليدا أول حفلة لها في الشرق وفي لبنان تحديداً. وتذكر صحيفة النهار في إحدى أعدادها أن داليدا خرجت مسرورة جداً من نجاح حفلتها في البيكاديللي، وصاحت بصوت عال على بابه "بيروت..أحبك" وسط تصفيق حاد من الجماهير حولها.

ومن الأعمال التي شهدها المسرح كانت "صيف 840 " لمنصور الرحباني كلك قدم زياد الرحباني "بخصوص الكرامة والشعب العنيد" و"لولا فسحة الأمل".

والمسرحيات كان لها حصة طبعاً إلى جانب صالة السينما التي عرضت أهم وأقوى الأفلام العربية، ومن نجوم مصر الذين قدموا مسرحياتهم عليه عادل الإمام الذي قدم "واد سيد الشغال" و"الزعيم"، كذلك شيريهان عرضت "في شارع محمد علي"، سمير غانم والنجم حسين فهمي ويسرا قدموا مسرحياتهم فيه.

"ومشيت بطريقي" كانت آخر طرقات ملحم بركات في العمل المسرحي على هذا المسرح، وفرقة عبد الحليم كركلا أبدعت بلوحاتها الراقصة، وصوت ماجدة الرومي صدح في أرجائه من خلال عدد من الحفلات، وميراي ماتيو وشارل ازنافور والممثل الراحل إبراهيم مرعشلي، والكثير من الأسماء لا مجال لذكرها كلها.

نشاط هذا المسرح لم يتوقف بتاتاً خلال الحرب اللبنانية على العكس تماماً، لكنه إنتهى في العام 2000 بعد حريق غير متعمّد، فانطفأت أضواؤه وإحترقت ستائره وودع الحياة الصاخبة، إلى أن قررت وزارة الثقافة اليوم إعادة الحياة إليه.

(ربيع دمج - الجديد)

صورة editor11

editor11