التبويبات الأساسية

دخلت البلاد منذ اتصال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون برئيس المجلس النيابي نبيه بري مطلع الشهر الجاري وما تلاه من لقاء ثلاثي جمعهما برئيس الحكومة سعد الحريري في قصر بعبدا قبل نحو أسبوع، مرحلة جديدة عنوانها الرئيسي اعادة احياء التسوية التي أوصلت العماد عون الى سدة الرئاسة وأعادت الحريري الى السراي الحكومي. وبالرغم من كل الضجيج المحيط بنا ودخول اسرائيل على الخط من بوابة الجدار الفاصل على الحدود الجنوبية والبلوك رقم 9 في المياه الاقليمية اللبنانية، وما قد يتركه ذلك من تداعيات على أكثر من ملف، الا ان قرارا كبيرا اتخذ في الداخل على رسم سقف منخفض للحملات الانتخابية بما لا يهدد الاستقرار اللبناني بعد أن أظهرت الأحداث الأخيرة التي تلت تسريب الفيديو الشهير لوزير الخارجية جبران باسيل مدى هشاشة "الوحدة الوطنية" وحجم الاحتقان المذهبي والطائفي الذي لا يزال كامنا في النفوس منذ الحرب الأهلية.

ويرسم مصدر سياسي واسع الاطلاع خطا يفصل ما بين مرحلة ما قبل الانتخابات المرتقبة في السادس من ايار المقبل وتلك التي ستلي الاستحقاق النيابي ، لافتا الى ان الممنوعات والمحظورات التي تظلل الفترة الراهنة بتوافق كل الفرقاء، ستسقط تلقائيا بعد الانتخابات، لتكون البلاد بذلك أمام خيارات واحتمالات شتى يُرجح ان تعكس رغبة كل فريق بالانتقام من الفريق الآخر وباستثمار نتائج الانتخابات لصالحه بعيدا عن مبدأ "التسوية الملزمة".

ولعل حراك ومواقف الوزير باسيل الأخيرة أبرز مؤشر على ما ينتظر اللبنانيين ما بعد السابع من أيار، باعتبار ان رئيس التيار "الوطني الحر" والذي فتح معركته على الرئيس بري وحركة "أمل" لم يتردد باطلاق سهامه في الآونة الأخيرة باتجاه حليفه الاستراتيجي حزب الله كما باتجاه رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" النائب وليد جنبلاط وفريقه السياسي، ليرسم بذلك ملامح الاصطفافات والتحالفات السياسية التي ستسيّر اللعبة اللبنانية ما بعد الانتخابات.

ويبدو واضحا ان "الوطني الحر" قرر اتخاذ تيار "المستقبل" حليفا أول له، بعدما كان طوال السنوات الماضية عدوه اللدود الذي بنى على أساس هجومه المتواصل عليه سياساته في المرحلة التي تلت العام 2005. ويكفي أن الفريقين كانا سباقين في اعلان تحالفهما الانتخابي الذي يعملان على ان يغطي كل المناطق اللبنانية، لتبيان حجم التفاهمات التي توصلا اليها وسيعملان على البناء عليها ما بعد الاستحقاق النيابي. وبحسب مصادر معنية بالملف فان الوزير باسيل قد لا يتردد في الأشهر القليلة المقبلة باعلان تحالفه مع "المستقبل" أولوية على تحالفه مع حزب الله كرد على اعلان الأخير أن تلاحمه مع حركة "امل" أولوية مطلقة بالنسبة له، وهو ما قاله وأقرنه بالأفعال خلال الأزمة الأخيرة التي شهدتها البلاد، حين دفعت تصريحات مسربة لباسيل مسيئة لبري المئات من مناصري "أمل" الى الشوارع، ما أدى لاعلان حزب الله تضامنه ودعمه المطلق لرئيس المجلس.

وبالرغم من محاولة قيادة "الوطني الحر" وجمهوره التأكيد العلني على استيعاب موقف الحزب هذا والتشديد على أنّه لن يؤثر على التفاهم المستمر بين الطرفين منذ العام 2006، الا أن ما حصل نهاية الشهر الماضي ترك، وبحسب مصادر في التيار العوني، ندوبا في العلاقة مع الحزب الأرجح سيصعب جدا تخطيها.

واذا كان التحالف مع "المستقبل" وعدم اعلان الطلاق مع حزب الله، كما عدم اتضاح مسار العلاقة مع "القوات" وترسيخ العداوة مع "الكتائب" وتيار "المردة" وحركة "أمل"، سيجعل من التيار "الوطني الحر" بعد الانتخابات جزءا من اصطفاف غير واضح المعالم بعد، فان مسؤولين غربيين كثفوا حراكهم مؤخرا لتبيان ما ستفرزه هذه الانتخابات بعدما وصلتهم سلسلة احصاءات تفيد بسيطرة ما كان يعرف بتحالف 8 آذار بزعامة حزب الله على المجلس النيابي، ما استدعى استنفارهم لمحاولة التصدي لسيناريو مماثل. فبحسب مصادر مواكبة للحراك الأميركي في لبنان والذي بدأ بزيارة مساعد وزير الخزانة الأميركية مارشال بيلينغسلي واستكمل بزيارة مساعد وزير الخارجية دايفيد ساترفيلد، على ان يتوج بوصول وزير الخارجية ريكس تيلرسون الى بيروت منتصف الشهر الجاري، فان واشنطن تخشى كثيرا بسط حزب الله نفوذه تماما على لبنان من بوابة "الشرعية اللبنانية" بعدما تمادى ببسطه من كل البوابات الأخرى. وتشير المصادر الى ان الخطة الأميركية للتصدي لذلك لم تتبلور بعد خاصة بعدما أدركت الولايات المتحدة أن الضغوط المالية والعقوبات المتواصلة على الحزب لم تعد تجدي نفعا، وبات المطلوب التحرك في ميادين أخرى.

ولا يبدو ان حصول الانتخابات النيابية في موعدها، أمر مفروغ منه، كما تُصور معظم القوى السياسية وتشير المعطيات على الارض خاصة بعد فتح باب الترشيحات وانطلاق عملية صرف الأموال جذبا للأصوات التفضيلية. اذ تعتبر مصادر سياسية ان تأجيل الاستحقاق مرة جديدة مصلحة لكل الأحزاب دون استثناء، سواء "المستقبل" الذي تؤكد كل الاحصاءات أنّه الخاسر الأكبر من القانون الجديد كما "التقدمي الاشتراكي" وحتى "الوطني الحر" الذي أدت الأزمات الداخلية فيها الى تصدعه. كذلك الثنائي الشيعي الذي لا يخشى النتائج، لكنّه يفضل أن ينتخب المجلس الجديد الرئيس المقبل للجمهورية، وذلك لن يكون ممكنا في حال حصول الاستحقاق النيابي في موعده في شهر أيار المقبل.

بالمحصلة، فان الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة بموضوع الانتخابات النيابية، خاصة وأن "عنصر المفاجأة" و"الحدث الكبير" الذي يؤكد المسؤولون انّه وحده قادر على الاطاحة بالاستحقاق النيابي يُطل اليوم من بوابة اسرائيل.
(الديار)

صورة editor11

editor11