أصدرت المحكمة الدولية في جريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري أحكامها، إذ دانت المتهم الرئيس في القضية سليم عياش، بينما اعتبرت المتهمين الثلاثة الآخرين حسن مرعي وحسين عنيسي وأسد صبرا غير مذنبين. وحدّد يوم 21 سبتمبر (أيلول) المقبل موعداً لإصدار العقوبة بعد صدور الحكم.
وورد في قرار المحكمة أنّ "سليم جميل عياش مذنب بصفته شريكاً في مؤامرة هدفها ارتكاب عمل إرهابي باستعمال أداة متفجرة وقتل رفيق الحريري عمداً من خلال مواد متفجرة، وقتل 21 شخصاً ومحاولة قتل 226 شخصاً آخرين"، معتبرة أن "حسن مرعي وحسين عنيسي وأسد صبرا غير مذنبين في ما يتعلق بجميع التهم المسندة إليهم في قرار الاتهام".
وأوضحت في حيثيات الحكم أن "الأدلة تثبت أن عياش وافق بحلول يوم الاعتداء على ارتكاب الجرائم التي اتهم بها، وبالتالي كان عضواً في المؤامرة، وتصرف عن سابق علم وبنية قتل الحريري باستخدام مواد متفجرة، وهو بذلك مذنب وشريك في المؤامرة".
نظام المحكمة
وفي هذا السياق، يقول المحامي المشارك في النظام الخاص للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان رامز ضاهر إنه "علينا التوضيح أن المحكمة لديها نظام خاص وضع من مجموعة حقوقيين وعرض على المجلس الأمن للتصويت"، موضحاً "أنه ومن نظام هذه المحكمة حتى لو هناك إثبات أن دولاً أو منظمات أو أحزاباً شاركت في الاغتيال فلا يمكن تسميتها، لذلك الحكم اليوم تضمّن تسمية أشخاص وقال إنهم تابعون لمنظمة دون تسميتها، لأن مجلس الأمن حين أقرّها، أصرت روسيا والصين على عدم تسمية المنظمات والدول".
ولفت ضاهر بالنسبة إلى الأشخاص، أن "ثمة من أدينوا كسليم عياش ومصطفى بدر الدين، إضافة إلى أشخاص تمّت تبرئتهم". وتابع "في النهاية عياش وبدر الدين تابعان لحزب معروف".
وأوضح المحامي المشارك في النظام الخاص للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، "خلال السرد قيل إن سوريا كانت مستفيدة من استشهاده، وهي أجبرته على التجديد للرئيس إميل لحود وبالتالي لديها مصالح لإبعاد الحريري"، مشيراً إلى أن "سوريا كدولة لديها مصلحة بإبعاده عن الجو السياسي، ولها مصلحة في اغتياله، ولكن لن تتم تسميتها لأنه لا يحق لها التسمية بحسب النظام".
قرار صادم
في المقابل، يشير المحامي في القانون الدولي أمين بشير إلى تقصير المحكمة عن إبراز الحقيقة كاملة بعد 15 سنة من الانتظار، لذلك "أدعو أهالي الضحايا إلى تحضير الاستئناف، فالقرار صادم من حيث تقصيره في توفير العدل الذي ننشده منها، ولم يحصل الأهالي عليه اليوم".
واعتبر أن "الجرائم التي يحقق بها القضاء أو أية محكمة يجب أن تكون قد وقعت فعلاً، وأن الأدلة والإثباتات والشهود حقيقية، ويستطيع أي طرف التثبت من صحتها لعلانيتها، مع إعطاء حق الدفاع للمتهمين ووكلائهم القانونيين بموجب القانون".
وأوضح بشير أن "التوظيف السياسي هو في الاستفادة من هذه القضية في السياسة، وليس في خلق جريمة لم تكن موجودة أصلاً"، متابعاً أن "عمل المحكمة الخاصة بلبنان جاء علمياً بحتاً بعد إبراز ما توصلت إليه من أدلة دامغة، وتغاضت عن الأدلة غير الموثقة أو التي تحمل أكثر من فرضية".
وأضاف أن "الحكم بحيثياته ذكر ارتباط المتهم عياش ارتباطاً وثيقاً بحزب الله كما باقي المتهمين، ولكن لم يستطع أن يجرّم من لم تُستكمل الأدلة بحقه أو من توفي كالمتهم بدر الدين، علماً أنها ذكرت مدى ارتباط الأخير بحزب الله".
وقال المحامي في القانون الدولي "لا بد من الإشارة إلى أن المحكمة لا تتعاطى السياسة بالرغم من ذكرها أن هناك مصلحة سياسية لسوريا باغتيال الحريري كما حزب الله، لكن ليس لديها صلاحية الاتهام السياسي، كما أنه لا صلاحية بموجب نصوص تكوينها أن تقوم باتهام أحزاب أو دول"، مشدداً أن "ترجمة هذا الحكم يكون لمجلس الأمن الذي أسس هذه المحكمة، وأوكل مهمة التحقيق وكشف الفاعلين، ليبني على هذا الشيء قراره السياسي".
وأكد أن "ثبوت الأدلة على عياش تثبت ارتباطه الوثيق بحزب الله كما ذكرت المحكمة، وبالتالي ننتظر من مجلس الأمن ترجمة هذا الحكم في السياسة، واعتبار حزب الله منظمة إرهابية لارتكابه هذه الجريمة الكبرى، وبالتالي تجريم وتحريم التعامل معه من أي دولة داخلة ضمن منظومة الأمم المتحدة".
أما ترجمة الحكم داخلياً، فيرى بشير أن "أنها ستكون بالمطالبة بحل الحزب في لبنان، علماً أنه لم يعترف يوماً بلبنانيته، وهو الحزب الوحيد الذي ليس لديه علم من وزارة الداخلية، أي أن تكوينه مخالف للقوانين اللبنانية".
ويضيف بشير "خرج هذا الحزب من الشراكة الوطنية التي من أهم شروطها وأُسس تكوينها ميثاق العيش المشترك، بارتكابه أفعالاً جرمية بحق مواطنين لبنانيين أزهقت أرواحهم في سبيل قضاياه وعقيدته الدينية المرتبطة بدولة أجنبية".
تسليم المتورطين
من جهته، يعتبر المحامي والبروفيسور في القانون الدولي شبلي ملاط أن هناك "خطأً جسيماً في الحكم بحسب معيار القانون الجزائي اللبناني والدولي، وهو فصل الدافع عن الجريمة لأهميته في تكوينها"، مشيراً إلى "أننا ننتظر تسليم الحزب المتهم الذي دانته المحكمة، إذ أثبتت انتمائه له، وإذا استمر في الرفض فعلى أجهزة الدولة اللبنانية توقيفه".
ويقول "اليوم الدافع موجود لدى رئيس النظام السوري بشار الأسد والأمين العام لحزب الله حسن نصرالله كما جاء في القرار، لماذا لم يتم التحقيق شخصياً معهما قبل النطق بعدم وجود مسؤولية جزائية لهما طوال هذا الوقت؟"
لا تعليق
في المقلب السياسي، علّق النائب عن الحزب التقدمي الاشتراكي بلال عبدالله حول رأيه بتصريحات الرئيس سعد الحريري عقب الحكم قائلاً "لا تعليق على الحكم الصادر من المحكمة الدولية"، في إشارة واضحة إلى عدم القناعة المطلقة بحيثيات القرار، وإمكان وجود قطبة مخفية أدت إلى تخفيف الإدانة عن الحزب.
وعلى عكس "توجس" النائب عبدالله، لفت زميله في الكتلة النيابية النائب المستقيل مروان حمادة، أن "المحكمة الدولية أصدرت قرارات رصينة واتهامات سياسية أيضاً، ونحن مرتاحون لقرارات المحكمة الدولية في شأن اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري"، معتبراً أن "إدانة سليم عياش إشارة للجهة التي ينتمي إليها، وعلى حزب الله التعاطي مع القضاء الدولي بطريقة جديدة".
النظام السوري متهم
من جهة ثانية، أكد الناشط السياسي والمحامي نبيل الحلبي أن "النظام السوري قام بتصفية جميع الوسطاء بين منفذي جرائم الاغتيال المتسلسلة وبين قيادتهم، حتى لا تتمكن أي محكمة محايدة من إيجاد الرابط المادي بين القتلة ورأس الهرم"، متهماً الأجهزة الأمنية الموالية للنظام السوري آنذاك بالعبث بمسرح الجريمة، وإزالة الأدلة المادية الأولية من موقع التفجير.
ورد بعنف على الاتهامات المتعلقة بكلفة المحكمة الباهظة على لبنان والتي قاربت 700 مليون دولار، "لو لم يكن هناك تحقيق دولي، ولم تكن هناك محكمة دولية، لكان اعتقل شباب أبرياء وألصقت بهم كل تلك الجرائم الإرهابية، وتمّ إعدامهم بعد اعتقالهم وإرغامهم على الاعتراف تحت التعذيب".