لم تعتبر المصارف مودعيها وعملائها يوماً شركاء لها، أو زبائن يتمتّعون بحقوق اغتنت من أموالهم وعلى ظهورهم على مدار سنوات. فهي تراهم مجرّد أرقام. تنتهك حساباتهم المصرفية بشكل يومي. تقتطع أكثر من 50 في المئة من أموالهم. تقضم كسور الأرقام وتدوّرها لصالحها. تفرض الرسوم العشوائية والعمولات، وتمارس شتى أنواع الإحتيال والتحايل. ولا تتردّد لحظة عن فرض "خوّة" عليهم.
كثيرة هي المصارف التي تفرض "الخوّة" على المودعين، وإن كان مصرف فرست ناشيونال بنك تراجع عن فرضها -كما ادّعى- إلا أن باقي المصارف لا تزال تعمل بها. كما أن المصرف المذكور يلتقي مع زملائه المصارف في فرض عمولات أخرى، إن لم يكن على السحب فعلى الحسابات، إن بالليرة أو الدولار أو حتى على الـfresh money.
عندما راسلت رابطة المودعين مصرف فرست ناشيونال بنك، فيما خص العمولات التي يفرضها على كافة السحوبات المصرفية، بناء على ما نشرته "المدن" بتاريخ 18 كانون الثاني وبعد تناول الموضوع في تقرير على قناة إل. بي. سي، أتى رد المصرف سريعاً بأنه ألغى العمولة.
ما حصل لا يقتصر على FNB، فالممارسات الوقحة تقوم بها كافة المصارف، كل على طريقتها. لكن الثابت أن الغالبية الساحقة من المصارف تفرض رسوماً وعمولات غير محقة على الحسابات الدولارية المحجور عليها، وعلى حسابات فريش ماني، وعلى كل ما يربط العميل بهم. يقتطعون كل ما تطاله يدهم الطويلة أصلاً.
عمولات ورسوم
كافة المصارف تتقاضى عمولات على الحسابات المصرفية، ورسوم غير معروفة التوصيف. لكن بعضها يفرض عمولات على عمليات السحوبات كافة عبر الصرافات الآلية ATM ومنها SGBL، الذي يفرض على الحسابات بالليرة عمولة 1500 ليرة على كل عملية سحب و3000 ليرة. أما السحوبات الدولارية الفريش، فكافة المصارف تتقاضى عليها عمولات تتراوح بين 6 و14 بالألف، إضافة إلى عمولات ورسوم متعدّدة، منها ما هو محدّد التوصيف ومنها عشوائي، على غرار SGBL الذي يقتطع من كل حوالة بالدولار دولارين بشكل عشوائي، إضافة إلى 6 دولارات من كل 1000 دولار، أما Blom Bank فيقتطع 7 دولارات من كل 500 دولار، أي 14 بالألف، كعمولة من حوالات الدولار. إضافة إلى 2 دولار شهرياً تحت مسمى عمولة الحساب، ورسم طوابع بقيمة 20 سنتاً، ومنها من يرفع قيمة الطابع إلى 66 سنتاً.. ومن المضحك تقاضي رسم طوابع ببضعة سنتات لحساب مصارف جنت أرباحاً بالمليارات، واحتجزت ودائع أيضاً بالمليارات.
وتبقى العمولات الأكثر وقاحة تلك التي تفرضها المصارف على الحسابات الدولارية المحتجزة لديها، والتي يتم "شحذها" للعملاء وفق سعر صرف يقل بنحو 60 في المئة عن السعر الحقيقي للدولار، أي 3900 ليرة. فبعض المصارف تتقاضى عمولة 70 ألف ليرة عن كل عملية سحب بقيمة 1000 دولار (أي 3900000 ليرة). وهناك مصارف تقتطع نسبة 1 في المئة عن كل عملية سحب بالدولار وفق سعر صرف 3900 ليرة، كالبنك اللبناني للتجارة BLC وBank of Beirut، وغيرهم من المصارف من يقتطع 5 دولارات (وفق سعر صرف 1500 ليرة) على كل عملية سحب.
إجراءات وقحة
مصارف عديدة تفرض عمولة بنسبة تتراوح بين 5 و15 في المئة على أقساط القروض الدولارية المسدّدة بالليرة، أي أنها ترفع قيمة السداد من سعر صرف 1515 ليرة إلى نحو 1650 او 1700 ليرة، ومن بينها بنك Byblos، الذي يفرض زيادة على الأقساط الدولارية المسدّدة بالليرة بنسبة 5 في المئة.
وتبقى أكثر غرائب المصارف تقاضي بعضها، ومنها Blom Bank، عمولات على تحاويل الدولار من الخارج من دون التصريح عنها. وهو ما حصل مع أحد العملاء الذي أكد لـ"المدن" أن حوالة بقيمة 500 دولار تصله شهرياً من سويسرا عبر بلوم بنك، يُحسم منها 22 دولاراً إضافة إلى 7 دولارات مصاريف كشف حساب، ودولارين عمولة و20 سنتاً بدل طوابع. ويؤكد العميل أن المصرف لم يعترف له باقتطاع 22 دولاراً، ولم يوضح مصير هذا المبلغ شهرياً. علماً أنه تواصل مع المصرف في سويسرا، وتم التأكيد له بأن الحوالة تتم بقيمة 500 دولار شهرياً غير منقوصة.
فرض خوّات
تعمد المصارف إلى سلب العملاء المزيد من أموالهم عن طريق السرقة أو فرض "خوّة"، فتُخضع المودعين لعمولات غير قانونية، في عملية ابتزاز موصوفة، خصوصاً بعد احتجاز ودائعهم وفرض سقوف على سحوباتهم، ومنعهم من فتح حسابات جديدة في مصارف أخرى أو نقل حساباتهم من مصرف لآخر. وتقول زينة جابر، وهي محامية في رابطة المودعين، في حديث إلى "المدن"، إن أي عمولة تم فرضها من قبل المصارف بعد الأزمة أي منذ الأشهر الأخيرة من العام 2019 هي عمولات غير قانونية. وهي أشبه بـ"خوّة". فالأموال التي تفرضها المصارف على زبائنها غير مبرّرة، خصوصاً أن الزبون لا يملك حرية الرفض. فلا خيارات أمام العملاء لرفض سداد تلك العمولات. وهم مُرغمون على سداد العمولات والخوّات كما أُرغموا على خسارة أكثر من نصف قيمة ودائعهم المحجور عليها.
وإذ تطالب جابر المصارف بالتوقف عن تلك الممارسات، تؤكد أن رابطة المودعين ستتابع مخالفات المصارف عبر الأطر القانونية، وتلفت إلى أن المصارف تحتال على المودعين عن طريق إدراج بنود فضفاضة وغير قانونية في العقود. من هنا "على كل عميل اللجوء إلى أصحاب الاختصاص وإلى المحامين ورابطة المودعين، لاتخاذ الإجراءات والخطوات اللازمة بحق المصارف، عند كل مواجهة وكل تعد على حقوق العميل"، تقول جابر. ولا تستغرب فرض العمولات، فهي موجودة بكل المصارف الخارجية، لكن بنسب مئوية مقبولة وتختلف عن تلك المفروضة في لبنان، خصوصاً أن المصارف اللبنانية تحتجز أموال العملاء وتفرض عليهم عمولات بكل وقاحة.
ممارسات خطرة
والأسوأ من كل ذلك، أن المصارف ألزمت العملاء بفتح حسابات فرعية من حساباتهم الأصلية، لاستقبال أموال فريش من الخارج. وفرضت عليهم رسوماً وعمولات جديدة على كل حساب على حدة.
المصارف تمارس أبشع أنواع التحايل على المودعين، ومنها من يسعى لإقناع المودع واستغلال حاجته بسداد 30 في المئة من قيمة وديعته نقداً، وفي حساب خارج لبنان، بهدف التخفيف من التزاماتهم المالية، وربما تمهيداً لتطبيق شروط مصرف لبنان لتجنب وضع اليد أو حل المصارف أو إفلاسها، يقول المحامي كريم ضاهر في حديث إلى "المدن". وإذا كان فرض العمولات إجراء وقح جداً، فتلك الممارسات خطرة خصوصاً أن غالبية المصارف تتاجر بالشيكات وتغري العملاء بسداد نسب مئوية "كاش" من حساباتهم، مقابل شطب باقي الرصيد. فالمصارف تمارس شتى أنواع الضغط على الزبائن لسحب أموالهم سريعاً وإقفال حساباتهم.
ويوضح ضاهر بأن تلك الممارسات مخالفة قطعاً لمبدأ المساواة في تطبيق الإجراءات المتبعة حالياً، والقاضية بتعليق التحويلات إلى الخارج. كما أنها تفضح محاولة احتيال من خلال تخفيف الإلتزامات عن طريق سرقة المودعين.
ويعزو ضاهر المشكلة الأساسية إلى مرحلة ازدهار المصارف، التي كانت عبارة عن وهم، اعتاد خلالها اللبنانيون على توقيع أي عقد أو مستند يعرضه عليهم المصرف. أما اليوم فالمصارف تستغل المستندات الموقعة لديها، موضحاً أن الناس كانت توقع مُرغمة لدى المصارف على حقها استنسابياً برفع أو خفض الفوائد والعمولات كما تراه مناسباً، "ويكمن الخطر في فرض عمولات غير مدرجة في تلك المستندات. فذلك غير مسموح وغير قانوني".
الفوائد والعمولات أصبحت اليوم، وفق ضاهر، نوعاً من المراباة. فهي تتخطى المستويات الطبيعية، ويبدو أن المصارف على ثقة بأن العملاء لن ينتفضوا على الخوّة التي يفرضونها عليهم. فالمودعون بنظر المصارف مهما اعترضوا أو رفضوا، سيعودون إلى القبول. والسبب أنهم قبلوا بما هو أسوأ من الممارسات تلك.