كما يمتحن الذهب بالنار، هكذا امتُحن الأخوان أنطوان وعادل سيف، في حقل التجارب اللبنانية الأليمة مع بداية الثمانينات حين قررا وهما في بداية العشرينات من العمر خوض تجربة الأفران والمخابز عام 1984 وأسّسا فرنا صغيرا أطلقا عليه اسم "المولان دور" في بلدة عجلتون.
وفعلا كان "المولان دور" إسماً على مُسمّى، فالذهب الحقيقي لا تزيده النار الا قوة وصلابة وهذه كانت ولا تزال حال مؤسستهم التي تغلّبت على نيران الحرب آنذاك على كل الأراضي اللبنانية، رافضين إقفال أبوابهم في عجلتون ولو ليوم واحد طيلة تلك الفترة الصعبة على رغم صعوبة التنقل على الطرقات بسبب القصف.
إدارة حكيمة، جودة عالية جداً للمنتجات، وفريق عمل حريص دائماً على خدمة الزبائن بطريقة ممتازة، كلها عوامل جعلت النجاح حليف هذه المؤسسة ولكن خلطة النجاح هذه لم تكن لتكتمل لولا إدراك الأخوين أن ما يقومان به أكبر من عملية تجارية، بل هي مهمة سامية تقوم على تأمين لقمة عيش المواطن خصوصا في تلك الأوقات العصيبة التي عايشها اللبنانيون وانطلاقا من هنا ومن دون تردّد قبلا التحدي.
في المقابل وبلغّة التجارة، المواطن هو المستهلك ولا طريق للتطور الا عبر كسب ثقته، فكانت عناصر المصداقية والشفافية والخدمة الصالحة حاضرة دائما في ذهن أصحاب هذا المشروع. ومن هنا كان التصميم على اعتماد كل المقاييس والمعايير والسياسات التي تؤدي الى تحقيق الهدف.
وفي السياق، لم تلبث أصوات المدافع أن خفتت عام 1990، حتى أدار الأخوان محرّكاتهم، لوضع حلمهم الأكبر "المولان دور" على سكة التنفيذ، لتكر بعدها سبحة فروع "المولان دور" على معظم الأراضي اللبنانية، خصوصا أنهم الى جانب نجاحهم بكسب ثقة المستهلكين تمكّنوا من جذب الكثير من المستمثرين، وكنتيجة طبيعية لهذه الثقة بدأت تنهال على الإدارة طلبات إستثمار "إسمه التجاري"، فكان أول فرع من هذا النوع في المنصورية عام 2005 ومن ثم تلاه فروع كثيرة حتى أصبح هناك أكثر من عشرين نقطة بيع تتوزع على فروع كبرى ووسطى وصغرى من بيروت الى الشمال.
المفارقة في عمل الأخوين أنهما لم يضعا نصب أعينهما المستهلكين والمستثمرين فقط بل ركزّوا في عملهم أيضا على موظفيهم. هذا النهج لم يقتصر على البدايات الصعبة فقط. فكما رفضوا الاستسلام لمآسي الحرب في الثمانينات، عادوا وجدّدوا التزامهم هذا تزامنا مع الأزمة الإقتصادية غير المسبوقة التي عصفت بلبنان في السنوات الأخيرة، مصرّين على تأمين فرص عمل جديدة. في وقت أقفلت فيه مئات الشركات في لبنان أبوابها وتخلت عن عدد كبير من موظفيها.
اهتمام القييمين على "المولان دور" بالموظفين لم يقف عند هذا الحد، إذ وبفضل خبرة الأربعين عاماً، أيقنوا أهمية تدريب كل الخبازين والمتخصصين في عالم الطهي والحلويات على أنواعها الذين يعملون معهم وغالبيتهم من اللبنانيين، وعملوا على ثقلهم بمهارات وتدريبات دورية مع إختصاصيين عالميين ومحليين بهدف مواكبة التطور والحفاظ على الجودة العالية.
كما أن "المولان دور" حائز منذ سنوات على شهادة جودة الإدارة 9001 وشهادة 22000 Iso لسلامة الغذاء عام 2013 وقبلهما على جائزة الجودة الدولية في مدريد عام 2000، وعلى جائرة أخرى للجودة العالمية من باريس عام 2002 ولاحقاً في العام 2016 على شهادة 22000 food safety system certificate fssc ، بالاضافة الى حصد عدد كبير من الجوائز.
ولا يمكن لمن تسلّح بكل هذه المقومات للنجاح، الا أن يصل الى العالمية، حيث حجز الأخوان سيف لـ "المولان دور" موقعا ثابتا صلبا لا تزعزعه العواصف بين أجود وأشهر المؤسسات في عالم الأفران حاصدا وعن استحقاق لقب الرقم الصعب.
الى ذلك، أي نصيحة من الاخوين سيف للشباب اللبناني؟ يقول الأخوان سيف: "اصمدوا في بلدكم واعملوا دائما بجهد وضمير وصدق وشفافية، ثابروا على عملكم باخلاص وتفاني ومنذ البداية حدّدوا الأهداف واعتمدوا كل المعايير والسياسات التي توصلكم الى ما تصبون اليه فطريق النجاح طويل ولكنه ليس بالمستحيل.
هذه المسيرة المشرّفة لبلاد الأرز وسكانه، دفعت مؤسسة "أرض المبدعين" لاختيار "المولان دور"وتكريمها هذا العام. وفي هذا الإطار، أوضح مؤسس "أرض المبدعين" كمال بكاسيني أن "المولان دور" فخر للبنانيين فقد أعطت هذه المؤسسة صورة رائعة عن لبنان ومسيرة الأخوين سيف عبرة لكل من يطمح لبناء مؤسسة ناجحة تساهم في توفير فرص عمل لمئات اللبنانيين". وقال: "إنها الأولى من دون منازع بشهادة الجميع وتستحق التكريم عن جدارة".