وجه الوزير السابق فيصل عمر كرامي كلمة الى اللبنانيين، من دارته في طرابلس، لمناسبة الذكرى السنوية الثلاثين لاستشهاد الرئيس رشيد كرامي في الاول من حزيران في العام 1987، فقال: "قبل ثلاثين عاما اغتيل رشيد كرامي إبان ممارسته لمسؤولياته وهو في سدة رئاسة مجلس الوزراء. ويجدر التذكير بأن هذا الأغتيال تم على متن طوافة عسكرية للجيش اللبناني، وتبين لاحقا أن المنفذين تمكنوا من اختراق بعض ضباط وعناصر الجيش لتدبير هذه الجريمة البشعة. كما يجدر التذكير أن ملف هذه الجريمة فُتح أمام القضاء اللبناني وجرت تحقيقات ومحاكمات أوصلت أعلى هيئة قضائية في لبنان، وهي المجلس العدلي، الى إدانة المرتكبين الذين تم تهريب معظمهم الى خارج لبنان، وحكم على الرأس المدبر سمير جعجع بالإعدام مع تخفيف الحكم الى الأشغال الشاقة المؤبدة. ولا بد من تذكير أخير، في هذا السياق، بأن رشيد كرامي لم يكن زعيم ميليشيا، ولم يتورط في الحرب الأهلية، ولم يقتل على جبهات التقاتل بين اللبنانيين بل، على العكس تماما، كان رشيد كرامي لحظة اغتياله عنوان الحوار والسلم الأهلي واللاعنف والتوافق بين اللبنانيين لوضع حد للحرب العبثية المجنونة التي دمرت الوطن ولا تزال مفاعيلها وآثارها ورموزها تمعن في تدمير ما بقي من هذا الوطن حتى يومنا هذا".
أضاف: "لا أسرد هذه الوقائع التاريخية المؤكدة للأجيال الجديدة التي لم تعرف من هو رشيد كرامي، وانما أسردها حصرا لمن يعرفون، ولمن عاصروا رشيد كرامي، وللطبقة السياسية التي ارتكبت هرطقة غير مسبوقة في تاريخ الأوطان والدول، حين أخرجت قاتل رئيس حكومة من السجن بعفو خاص صادر عن المجلس النيابي عام 2005 ، وهو العفو الذي أقل ما يقال فيه أنه مهين لمؤسسة الجيش اللبناني، ومهين لسلطة القضاء اللبناني، ويعادل اغتيالا ثانيا لرشيد كرامي وما يمثل من قيم ومبادئ".
وتابع: "دعوني أستبق الرد الذي يطالعنا به جعجع كل عام، وتؤيده في ذلك جوقة سياسية لا تقيم وزنا للحقيقة والعدالة، حين يدعون براءة جعجع من الجريمة، وبأن المحاكمة كانت سياسية وكيدية، وبأن ما يسمونها "الأجهزة" هي التي لفقت التهم والمحاكمات. أستبق هذا الدفاع الواهن والمبتذل، وأقول أن البريء لا يرضى بغير البراءة، وان العفو غير القانوني لا يعني البراءة، وأننا لم نكن يوما مع الظلم والظالمين وإذا كان جعجع واثقا من براءته فليتفضل ويطلب إعادة المحاكمة. لكن هذا لن يحصل، لأن التهمة ثابتة، وقد برعت الطبقة السياسية في إضافة إهانة رابعة عبر العفو السياسي الذي سيبقى الى الأبد لطخة عار في تاريخ السلطة التشريعية في لبنان".
وقال: "بكل هذه الموضوعية، وبعيدا عن الشعارات، وبعيدا عن التوظيف السياسي او الطائفي، أقول لكم اننا وحين قلنا "لم نسامح ولن ننسى"، فالأمر لم يكن لأننا عائلة رشيد كرامي، او مدينة رشيد كرامي، او حتى طائفة رشيد كرامي. ولكن نحن لم نسامح ولن ننسى، لأن لا قيامة لوطن ودولة ومؤسسات على قاعدة الجريمة، ولأن رشيد كرامي ليس ملك عائلته او مدينته او طائفته. انه رجل الدولة الذي أمضى زهاء 35 سنة في سدة المسؤولية، رئيسا لعشر حكومات ونائبا في البرلمان وزعيما شعبيا مهما تبدلت مواقعه في السلطة او المعارضة، فكان أنقى وأرفع تجسيد للمسؤولية الوطنية. ولن يستقيم أمر هذه الدولة سوى على قاعدة العدالة، فنحن طلاب عدالة ولسنا طلاب انتقام".
وتابع: "في ذكراك الثلاثين أيها الرشيد المظلوم، اجدد لك عهد عمر كرامي في حمل الأمانة مهما كانت ثقيلة، واننا باقون، وحتى الرمق الأخير، على العهد والنهج، الأمس واليوم، والى آخر الأيام. لم نكن يوما ولن نكون مع نظرية ركوب التيار، او ركوب الموجة، وستظل القيم والمبادئ التي عاش ومات من أجلها رشيد كرامي، المنارة والبوصلة لنا في كل ما يستجد في وطننا وفي عالمنا العربي. واني اصارحكم اليوم بأن لبنان الذي أثبت بأن قوته ليست في ضعفه، بل ان قوته هي في قوته، وهو الوطن العربي الوحيد الذي حرر ارضه من الرجس الصهيوني دون شرط او خنوع، وهو ايضا الوطن العربي الوحيد الذي أوقف الغطرسة الصهيونية وأفشل الحرب التي شنها العدو وأقام موازين قوى جديدة تفقد اسرائيل وظيفتها العسكرية في المنطقة. أصارحكم بأن هذا اللبنان هو لبنان رشيد كرامي.
ورأى أن "لبنان الصفقات المشبوهة، ولبنان الخارج عن الدستور والقانون، ولبنان الذي فرز المواطنين الى فرق مذهبية، ولبنان المرتهن ماليا لمديونية عامة أفقرت الشعب وقضت على الطبقة الوسطى، فأن هذا اللبنان هو لبنان الذي يستمر في اغتيال رشيد كرامي".
وأكد أن "موقعنا واضح، نحن مع الدستور والقانون والدولة والمؤسسات وحقوق الشعب. إذا كانت تلك تهمة، فأهلا بها تهمة نفخر بها، وقد سبق لمعلمي وقائدي عمر كرامي ان قال بأن الكرامة أغلى من المال، وأغلى من المناصب، وختم حياته مضيفا بأن الكرامة أغلى من الحياة. وكذلك مواقفنا تجاه ما يجري من جنون ودمار وموت في العالم العربي، فهو كان دائما واضحا وصار اليوم أكثر وضوحا".
وقال: "اني لطالما رددت، ما ردده رشيد وعمر كرامي، بأن القضية المركزية للعرب هي القضية الفلسطينية، وتحديدا تحرير الأرض واستعادة الحقوق ومواجهة الشيطان الصهيوني. واليوم، أقول أن القضية الفلسطينية لم تعد قضية العرب المركزية وحسب، بل هي قضية العرب المصيرية والوجودية، فلا عدو لنا تحت هذه السماء سوى الكيان الصهيوني، ولا أمل لنا باستعادة الاستقرار في كل بقاع العرب سوى عبر توحيد الصف والكلمة والوجدان والطاقات والأموال من أجل فلسطين".
وختم: "اني لا أؤمن بوجود صراع طائفي او مذهبي بين العرب، فهو صراع مفتعل، وفي اساسه هو صراع مصالح بين دول كبرى نجحت للأسف في توظيف دمائنا وأموالنا وأوطاننا في خدمة مشاريعها، وفي أولوية هذه المشاريع ضمان امن اسرائيل وتحويلها الى دولة عظمى تقود الشرق الأوسط. وعليه، ان موقعي في هذا الصراع واضح ايضا، وهو موقع رشيد كرامي وموقع عمر كرامي، وأعرف ان قدر الذين اختاروا هذا الموقع هو قدر القابضين على الجمر، ولكن حسبي مرضاة الله عز وجل، والتصالح مع ضميري ووجداني وكرامتي ورؤيتي لمصلحة وطني وأمتي، فأن هذا بحد ذاته انتصار للحق، ومن ينتصر للحق لن يخذله الحق ابدا. يا رشيد كرامي يا شهيد لبنان والأمة ستبقى وصيتك ووصية عمر كرامي تنير طريقي: ديني قبل دنياي، وعروبتي عقيدتي ، وفلسطين قضيتي، ولبنان وطني، وطرابلس عزتي وسندي وملاذي. ونحن راسخون في هذه الأرض، ثابتون على المبادئ، لا نبدل تبديلا".