قال الكاتب البريطاني روبرت فيسك في مقال نشرته صحيفة "إندبندت" إنّه نادرًا ما يفقد الصحافيون كلماتهم، لوصف حالة دمار كهذه، دمار متعمد للجبال في لبنان، وقلع آلاف من شجر الصنوبر، وتخريب المناظر الطبيعية من قبل ثلاثة آلاف من مقالع الحجارة مزقت أرض لبنان، والتلاعب بأرض تاريخية وأثرية، لو كانت هذه الأحداث في أوروبا وأميركا، لقامت الدنيا ولم تقعد، تكسير الجبال هو تشويه لأرض لبنان، والتلاعب بطبيعتها، وتلويث لبحيراتها".
وتحدث فيسك عن المأساة القائمة في لبنان، حيث ملايين الأطنان من رمال وصخور الجبال، يتم إزالتها بواسطة الحفارات والجرافات؛ لتوفير الإسمنت لمشاريع البناء الكبيرة، ومشاريع الوادي في بيروت، والفنادق الساحلية المطلة على البحر المتوسط. ويذكر فيسك أن هذا العمل مليء بالجشع، ويزيد من الفقر، ولا يُلام عليه إلا الحكومة الطائفية، وأنه حتى اليوم، ما زال الصراع على مجلس الوزراء من قبل الأحزاب الطائفية قائمًا، وما كان ليهتموا لوطنهم الذي يُمَزق بيئيًا، وكل ما عليهم تمرير قانون واحد لإيقاف هذا العمل.
"لكم لبنانكم ومعضلاته.. لكم لبنانكم بكل ما فيه من الأغراض والمنازع.. لبنانكم عقدة سياسية تحاول حلها الأيام…"، يستحضر الكاتب مقولات جبران خليل جبران، ويصف خليل لبنان الساسة والمفسدين، وعن لبنانه ولبنان الشرفاء يكتب خليل: "أما لبناني فجبل رهيب وديع جالس بين البحر والسهول جلوس شاعر بين الأبدية والأبدية.. لكم لبنانكم وأبناء لبنانكم فاقتنعوا به وبهم إن استطعتم الاقتناع بالفقاقيع الفارغة…"، يبدو أن جمال البحر والسهول، يختفي شيئًا فشيئًا.
تبدأ رحلة فيسك من ميروبا، والتي تقع على مرتفع بالقرب من بلدة بكفيا، ويصور إلياس سعادة واقفًا على بقية الطين والصخور والطرق المكسرة (طُرق الحكومة)، حيث تنتهي الطرق بشلالات من الحجارة ارتفاعها 500 قدم، منحوتة ومشوهة، بواسطة رافعات عملاقة وقطّاعات الحجر التي حفرت بمخالبها الجبال، فأخفت التلال، والوديان والمجاري المائية. ذكر سعادة للكاتب بتهكم :"لا يوجد بناء في بيروت الجديدة لا يحتوي على حجار ميروبا، يلقبون بلدتنا هُنا بصاحبة "الرمال الذهبية"، فهي تملك أفضل الرمال، التي يمكنك شراؤها لبناء المجمعات السكنية، وتعتبر الأكثر غلاءً، ولكنَّ اقتلاع أكثر من 120 ألف شجرة صنوبر للآن هو أمرٌ جنوني. كان هناك 30 من العيون المائية، واليوم نملك فقط اثنين من العيون الملوثة".
ذكر سعادة وقفاته الطويلة لتأمل منظر الجبال، ويذكر أن اليوم الجبال غير موجودة، ومنظر القمر يحومه الضباب والرياح الرطبة، دليلًا على واقع الدمار الذي حدث. يفسر سعادة للكاتب عن سبب حدوث كل هذا قائلًا: "لم يتعلم المسؤولون حبّ الوطن، فهم لا يرون غير المال، ومع استلامهم خمسة آلاف دولار يوميًا، وغناهم الفاحش، فلا يكترثون لأمر الطبيعة، ولا لأمر الحيوانات، وبسببهم سيتحول وطننا إلى صحراء قاحلة".
يتحدث فيسك عن حكاية إلياس سعادة وأصدقائه التسعة في قريبة جبال كسروان، أنها مليئة بالشجاعة والنضال السياسي، وأنّ كفاحهم عند القصر الرئاسي، والقضاء اللبناني الذي نتج عنه إيقاف 500 شاحنة تحاول تكسير الجبال. ولكن، عندما يخبرنا الكاتب عن كفاحه، علينا الحذر، فبقية القصة مليئة بالبشاعة والتراجيديا. شاهد فيسك عمليات تدمير الجبال أمام عينه، في بلدة ترشيش، وكما أُخبر من أحدهم أن الحكومة لا تعترض، بما أن الرمال والصخور تؤخذ لمشاريعها. لحقَّ الكاتب أحد الحفارات المحملة بالرمل، حتى وجدها تصب الرمال عند أحد شركات البناء الخاصة، والتي تبيع الرمال لشركات البناء الأخرى في بيروت.
(إندبندنت - الإقتصادي)