التبويبات الأساسية

لا تختصر الجولات الانتخابية العامرة، ولا الصور الزاهية والشعارات الطنانة، ولا الوعود العجائبية، ولا حتى أيضاً المواقف النارية والحروب الكلامية المشهد الانتخابي بشقه المتعلق بالترويج والدعاية. ثمة مفارقات تضجّ بها وسائل التواصل الاجتماعي والسوشيل ميديا تستحق التوقف عندها، وهي – وإن كانت بعضاً من التقليد السياسي اللبناني العريق – إلا أنها تعكس دلالات تتصل بالعقل الجمعي لأجزاء كبيرة من الناخبين، والذهنية السياسية لأهل السلطة.. وما بينهما.

لا أحد ينتظر "المعجزات" من المجلس العتيد الخارج من رحم الصوت التفضيلي لقانون أعوج، لكن الوعود العالية السقف توحي للحظة بصدق مطلقيها، لا أن خلف القناع سماسرة وشهود زور، خصوصاً لبعض من قضى في البرلمان عقدين أو ثلاثة ممثلاً عن الأمة (أو عليها)؛ هذا سيشيد الدولة القوية، وذاك سيقضي على الفساد، وهناك من سيبني ويعمر ويوظّف ويقطع دابر الفقر والعوز والمرض وزحمة السير، وآخر "سيشيل الزير من البير"..

للانتخابات سحرها، وللمرشحين عدة الشغل الخاصة، فلأجل رضا الجماهير وصوتها التفضيلي يهون التعب، وتسهل المشقات، وتفتح الخزائن، وتكرّ الوعود؛ يصبح البخيل سخياً، والمتعالي ناشط اجتماعياً، والعقائدي منفتحاً، والغارق بالنهب والسمسرات محاضراً بالعفة والنزاهة والأخلاق.. هذا يخبر منقوشة دلالة على تحسسه شقاء العمال، وذاك يحادث الأطفال عن الدولة التي يحلم بها.. لكل مقام مقال ولكل مكان موقف ووعد..

من المفارقات الانتخابية أيضاً؛

أكثر من نصف الحكومة مرشح ويسخر موقعه العام في حملته الانتخابية، لكن معظم هؤلاء يشتكي من استغلال المواقع الرسمية من قبل خصومه!!

تكاد البرامج الانتخابية أن تكون متطابقة لناحية الوعود وتسويق الأحلام، لكن للمفارقة أن مطلقيها هم في صلب السلطة من سنين!!

تزخر البرامج الانتخابية، وإطلالات المرشحين وأحاديثهم بكلام فضفاض عن الفساد والسرقات والسمسرات ولكن من دون ذكر اسم فاسد واحد، شخصاً أو جهة أو حزباً أو تياراً!!

ببركة القانون الغريب، ظهرت تحالفات هجينة لم تستطع كل التفسيرات تبريرها، من هم حلفاء في دائرة تراهم خصوم في أخرى، ومن هم خصوم في دائرة تبسّموا لأخذ صورة اللائحة البهية في دائرة أخرى.. ومن كانوا رموزاً للفساد في عيون جهات سياسية في 2009 يخوضون مع بعضهم متحالفين الاستحقاق بلائحة واحدة في 2018!!

كثير من دول العالم الأكثر تحضراً وديموقراطية ومدنية، والشاسعة المساحات والمليونية الأعداد، تُجرى الانتخابات في يوم عمل عادي، من دون أن تتأثر حركة الاقتصاد أو التجارة أو الخدمات بشيء، فالانتخاب واجب يتم انجازه في سياق عجلة الانتاج العادية ولا يستحق أكثر من ساعة أو ساعتين (مع تأمين الشق المتعلق بالانتخاب مكان الإقامة وما شابهه)، أما في لبنان، فكرمى لعيون الناخبين، وتحسساً من السلطة لتعبهم وحرصاً على راحتهم تمنحهم 4 أيام تعطيل!!

وطالما الشيء بالشيء يذكر، وفي مقام المقارنة بين ما عندنا وما عند الغرب، نقلت وسائل الإعلام العالمية مفارقة لافتة خلال مؤتمر "سيدر" بباريس، تمثلت بأن معظم أعضاء الوفود من الدول المانحة حضرت المؤتمر بتذاكر ورحلات اقتصادية، فيما أعضاء الوفد اللبناني، أو جزء منهم، وصلوا بطائرات خاصة، وكأنهم حضروا ليمنحوا لا ليطلبوا الدعم والمساعدة.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

ساعات وكل لبناني تعبَ من الوعود، وسئمَ من الفساد والتراجع وضيق الأفق وغياب الأمل وقلّة الفرص سيكون أمام ضميره، إما أن يمدد لمن يشتكي منهم أو يرجمهم بصوته للتغيير.. ولا عذر لأحد بالقول "لا أملك صوتاً".. أَيقن أن لك صوتاً ويمكن أن تجعله مسموعاً.. وبقوة.

احمد الزعبي- لبنان 24

صورة editor11

editor11