يودّع اللبنانيون والمسيحيون اليوم بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للموارنة السابق مار نصر الله بطرس صفير، الذي توفيّ عن عمر يناهز التاسعة والتسعين عامًا، وقد سُجي في نعش صُنع من خشب الزيتون والأرز.
الصحف العالمية من جهتها أفردت صفحات للحديث عن البطريرك الراحل، وفي مقدّمتها صحيفتَا "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" الأميركيتان، إضافةً الى صحيفة "لو موند" الفرنسيّة.
فقد عنونَت "واشنطن بوست" مقالها قائلةً إنّه القائد الروحي، وقد شغل منصبه الديني خلال أسوأ أيام الحرب الأهلية في لبنان خلال الأعوام الممتدة من 1975 و1990. كما أنّه توفي قبل أيام من أن يناهز عمره الـ99 عامًا. وأشارت الصحيفة الى الحداد العام والرسمي في لبنان، وتنكيس العلم، معتبرةً أنّ صفير كان شخصية صريحة ويعدّ من أبرز القادة المسيحيين في لبنان والشرق الأوسط الذي تقطنه غالبية مسلمة، كما أنّه لعب دوراً رئيسيًا في تشكيل سياسات لبنان بعد الحرب الأهلية، كما أنّ لبنان هو الدولة العربية الوحيدة التي لها يرأسها مسيحي ويضمّ أكبر نسبة من المسيحيين في المنطقة.
وعن أبرز المحطات الوطنية في تاريخ صفير، أفادت الصحيفة أنّه كان في مقدّمة حركة معارضة طالبت بانسحاب القوات السورية من لبنان في التسعينيات، كما أنّه توسّط لتحصل المصالحة التاريخية في الجبل عام 2001، ولهذا نعاه رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط قائلاً "وداعًا لبطريرك الاستقلال والمصالحة والحب والسلام"، فجنبلاط هو الذي صاغ المصالحة مع صفير.
كما تحدّثت الصحيفة عن بداياته، مشيرةً الى أنّه ولدَ في قرية ريفون ودرس الفلسفة واللاهوت في جامعة القديس يوسف في بيروت، وفي نيسان 1986 أصبح البطريرك الـ76 في الكنيسة المارونية. وأضافت أنّه قام بجولة في الولايات المتحدة وكندا عام 2001، من أجل المساعدة بخروج القوات السورية من لبنان، وبعد الانسحاب السوري، بدأ الكثيرون في لبنان بالإشارة إلى الكاردينال صفير باعتباره "بطريرك الاستقلال الثاني"، علمًا أنّ لبنان حصل على استقلاله من الانتداب الفرنسي في عام 1943.
"صوت المسيحيين"
من جانبها، شدّدت صحيفة "نيويورك تايمز" على أنّ صفير كان صوتًا للمسيحيين اللبنانيين، ونقلت الصحيفة عن موقع الفاتيكان أنّ البابا فرانسيس نعاه قائلاً "كان صفير مدافعًا قويًا عن سيادة واستقلال لبنان وكان صانعًا حازمًا للقاء والسلام والمصالحة، وسيظل شخصية عظيمة في تاريخ بلاده".
ولفتت الصحيفة الى أنّ صفير كان ناقدًا صريحًا لكلّ ما اعتبره ظلمًا سياسيًا واجتماعيًا في الشرق الأوسط. وعند صياغة اتفاق الطائف عام 1989 ونصّ على تقاسم السلطة، أيّده صفير وقال في ذلك الوقت: "سيكون خطأ فادحًا أن نعتقد أنه يمكننا العيش بمفردنا وندير فيها شؤوننا كما نشاء". ولطالما ردّد أنّ كل دولة تحتاج الى السيادة والإستقلال والقرار الحر.
أراد السلام في لبنان
أمّا صحيفة "لو موند" الفرنسية فقد نعته، معتبرةً أنّه "صانع النضال ضد الوجود السوري في لبنان"، وأشارت الصحيفة الى أنّ صفير كان حازمًا ومرشدًا روحيًا للموارنة والمجتمع المسيحي، وعلى الرغم من أنّ هذا المنصب الديني المرتبط بروما، لا يكون سياسيًا، إلا أنّ الظروف في لبنان أدّت إلى أن يكون صفير بمثابة "مرجع" للمجتمع الماروني، لا سيما مع وجود نظام طائفي في لبنان، فإنّ سياسيين وديبلوماسيين ورؤساء يستشيرونه ويأخذون برأيه.
وختمت الصحيفة بالإشارة الى أنّ صفير قدّم عام 1989 دعمًا حاسمًا لاعتماد اتفاق الطائف الذي مهّد الطريق لإنهاء الحرب في لبنان. وقالت الباحثة فيونا مكلوم: "مع أنّ الموارنة لم يكونوا جميعهم يريدون هذا الاتفاق "الذي يعمل على إضعاف المسيحيين والهيمنة السورية، إلا أنّ صفير كان يرغب في رؤية عودة السلام إلى لبنان، الأمر الذي سبق تحفظاته على الدور السوري فيه".
المصدر: واشنطن بوست - نيويورك تايمز - لو موند - ترجمة لبنان 24