غداة عطلة الفصح، توقفت الصحف الصادرة اليوم عند انعقاد مؤتمر "سيدر" الدولي في باريس وما أفضى اليه من نتائج تمثلت في تجميع ما يفوق الـ11 مليار دولار من القروض الميسرة للبنان ونحو 850 مليون دولار هبات، رزمة فاقت التوقعات بارقامها، ففي الشكل نجح "سيدر" في تأمين حشد دولي داعم للبنان وتحقيق نتائج مالية سخيّة، وفي الشكل أظهرت فرنسا ومعها الأسرتان العربية والدولية تمسكاً صلباً باستقرار لبنان وبحمايته ومساعدته على تحمل عبء النزوح وتداعياته المُثقلة على كاهل الاقتصاد الوطني، وهو ما سيكون محور أعمال مؤتمر بروكسل في 25 الجاري، لكن في المضمون ثمة مخاوف جدية من تحقيق الاصلاحات المطلوبة ومن زيادة أعباء الدين العام.
وأشارت "المستقبل" إلى أن "الترجمات العملية لـ"سيدر" قد بدأت للتوّ كما عبّر رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري انطلاقاً من تأكيده العزم على مواكبة نتائج المؤتمر بإجراءات وتدابير متواصلة على الطريق نحو تحديث الاقتصاد ومكافحة الفساد".
ولفتت "المستقبل" إلى أن المؤتمر الذي شكّل مظلة أمان عربية وأوروبية وأميركية حافظة للاستقرار اللبناني، وصفه الرئيس الفرنسي ماكرون بأنه "انطلاقة جديدة للبنان"، وهي انطلاقة شدد عليها أيضاً الرئيس الحريري حين أكد أنّ "سيدر" لا ينتهي اليوم "بل هي عملية بدأت للتو لتحديث اقتصادنا وإعادة تأهيل بنيتنا التحتية وإطلاق إمكانات القطاع الخاص ليحقق النمو المستدام وخلق فرص العمل للبنانيين.. هدفنا واضح ورؤيتنا أيضاً".
وعلمت"المستقبل" أنّ الرئيس الحريري سيعقد عند الثانية عشرة من ظهر الغد مؤتمراً صحافياً في السراي الحكومي يتحدث فيه عن نتائج المؤتمر.
"سيدر"..الديون الجديدة
من جهتها، اعتبرت "الجمهورية" أن "ما يزيد الأجواءَ الداخلية تلوُّثاً أيضاً وأيضاً، المحاولة المكشوفة من قبَل بعض أهل السلطة، لإيقاع اللبنانيين بالوهم بأنّ بلدهم يهرول مسرعاً نحو الانفراج والازدهار الاقتصادي والمالي، بفِعل المليارات التي حصَل عليها من "سيدر"، فيما هذه المليارات – إنْ وصلت أصلاً – ما هي إلّا أرقام تضاف إلى جبل الديون التي ترهق الخزينة اللبنانية، ويَشعر بثِقلها كلُّ مواطن لبناني، تستحضر معها سؤالاً يتردّد على كلّ لسان، كيف ستُصرَف؟ وأين؟، وكيف سيتمّ سدادُها؟ ومن أين؟
وبَرز في هذا السياق، لـ"الجمهورية" موقف لرئيس مجلس النواب نبيه بري حيث عبّر عن ارتياحه لِما وصَفه هذا الاحتضان الدولي للبنان، وهو أمر يبيّن الأهمّية التي يمثلها للبنان بالنسبة إلى العالم.وأمّا في ما خصّ القروض، فليس المهم أن نقول إنّ لبنان حصل على كذا وكذا من المبالغ والأرقام على مشاريع البنى التحتية، وهذا أمر جيّد، لكن في خلاصة الأمر تبقى العبرة في التنفيذ وفي حسن التنفيذ. مع الإشارة إلى جهوزية مجلس النواب للقيام بما يتوجّب عليه في هذا المجال.
وأشارت "الجمهورية" إلى أنه عندما قيل للرئيس بري: ألا يتطلّب ذلك حسنَ التطبيق، وإطلاقَ حالة طوارئ ضد الفساد المعشّش في إدارات الدولة، وبالتالي الأمر يتطلب إدارة نظيفة؟، قال: بالتأكيد.
في السياق، رأى بعض المواكبين للمؤتمر لـ"الجمهورية" أنّ من نتائج المؤتمر الفاقعة، أنّ المسؤولين يحاولون استغلالَ المؤتمر في حملاتهم الانتخابية، وباتوا يطلِقون الوعود باسمِ "سيدر"، وكأنّ الأموال التي يمكن اقتراضُها هي من أجل تأمين أصواتٍ تفضيلية.
ورأت "الجمهورية" أنه إلى جانب الاستغلال الانتخابي، هناك نقطة أخرى مظلمة تتعلق بالتضخيم المفتعل لتصوير نجاحات وهمية تمّ تحقيقها في المؤتمر. وبات السؤال المطروح ما هي المفاجأة السارّة التي تستدعي هذه الاحتفالات. وهل بات الحصول على قروضٍ ميسّرة ومربوطة بألف شرط وشرط مدعاةَ مفاخرةٍ يمكن تصنيفُه في خانة الإنجازات؟ ومتى أصبح الاقتراض إنجازاً يستحق الاحتفال؟ وكيف سيتم تنفيذ المشاريع، وهل تمّت دراسة جدواها الاقتصادية وتأثيرها على الاقتصاد.
وسألت "الجمهورية":"هل ستتمكّن الحكومة من تنفيذ الشروط الموضوعة للحصول على القروض؟ وما تأثيرات هذه الشروط على أوضاع اللبنانيين؟ ومِن هذه الشروط أنّ "الحكومة اللبنانية التزَمت في خفض العجز في الموازنة بنسبة 5 % من إجمالي الناتج المحلي في السنوات الخمس المقبلة بواسطة مجموعة من الإجراءات المتعلقة بالواردات". وليس مستبعَداً هنا أن تعمد السلطة إلى سلسلة جديدة من الضرائب والرسوم الموجعة على المواطنين لتدفيعهم الثمن.
"سيدر" والبازار الانتخابي
ولفتت "اللواء" إلى أن هذا المؤتمر دخل في "البازار الانتخابي"، بغرض توظيف المبالغ المالية الكبيرة التي حصدها لبنان في هذا المؤتمر، كل في اتجاه ما يخدم مصالحه الانتخابية، سواء بالنسبة للنواحي الإيجابية منه، على صعيد النهوض الاقتصادي أو بالنسبة لمحاذير زيادة الدين العام التي سترتبها القروض المالية ولو بفوائد متدنية، فيما لو ذهبت هذه القروض في جيوب المنتفعين، على غرار ما حصل في تجارب سابقة.
"سيدر" والاستعمار بحلة جديدة
بدورها، أشارت "الأخبار" إلى أنه ما عدا قلّة قليلة جداً من السياسيين والخبراء، ظلّت "الخفّة" هي الطاغية على معظم التعليقات وردود الأفعال، التي تناولت مؤتمر "باريس 4" ومساره ونتائجه وشروطه (المعلنة والمضمرة)، وبرنامج الحكومة الاستثماري الطويل الأجل (2018 ـــ 2025)، ورؤيتها للأزمة في لبنان ومصادرها وسبل التصدّي لها. وكما هو متوقع ومعهود، شاع خطاب احتفائي بـ"نجاح" لبنان في زيادة مديونيته العامّة في السنوات القليلة المقبلة الى مستويات قياسية جديدة، بذريعة الحاجة لتمويل مشاريع ملحّة في البنية التحتية (تكلّف أكثر من 17 مليار دولار).
ورأت "الأخبار" أنه لم يكد مؤتمر باريس 4 الذي تغنّى بنجاحه الباهر رئيس الحكومة سعد الحريري ينتهي، حتى بدأت تخرج إلى العلن الانطباعات السيئة حيال المسار التنفيذي للبرنامج الاستثماري بعد الانتخابات النيابية، ولا سيما أن الدول والمؤسسات والصناديق المانحة ربطت وعودها المالية بآلية رقابة "تضمن" الإصلاحات المنشودة، وفي طليعتها الخصخصة في العديد من القطاعات الخدماتية الحيوية. وفيما أشاد رئيس الجمهورية ميشال عون بنتائج المؤتمر".
"سيدر" ومناخ ساخن إضافي
ولفتت "النهار" إلى أن مقررات "سيدر" أسبغت مناخاً ساخناً اضافياً على المناخ الانتخابي كما أثبتت وقائع اليومين اللذين أعقبا المؤتمر.
ورأت اوساط معنية مطلعة عبر "النهار" ان انعكاسات المؤتمر يمكن ان تتلخص بوجهين متعارضين لا بد ان تكون لهما آثار على المجريات الانتخابية:
· فمن الوجهة الايجابية أولاً، حصد لبنان عبر الحكومة وخطتها قبولاً دولياً سلساً للخطة اللبنانية وكذلك للمتطلبات المالية للمشاريع التي تلحظها فاق توقعات الحكومة نفسها ولو ضمن قروض ميسرة. وهذا التطور ان دلّ على شيء وفق الاوساط نفسها فعلى الحرص الدولي التصاعدي على استقرار لبنان اقتصادياً ومالياً والحؤول دون تعرضه لأي انهيارات. كما أن مقررات المؤتمر وفرت دعماً قويا لرئيس الوزراء سعد الحريري شخصياً الذي لم يتوان الرئيس الاميركي دونالد ترامب كما الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عن الاشادة به في السياسات والخطط التي وضعت من اجل توفير الدعم الدولي للمؤتمر ولخطة الحكومة. كما ان من الجوانب الايجابية التي برزت بسرعة ان ثمة مشاريع كثيرة في البنى التحتية تعود الى المناطق اللبنانية المختلفة بدأت تدخل في الخطب الانتخابية بما يعمم مفهوم الاولوية المعطاة للتنمية في مقررات المؤتمر.
· اما في الجانب السلبي، فتعترف الاوساط نفسها بان أثارة ملف الديون والمديونية القياسية العالية التي يعانيها لبنان واعتبار الاموال المقررة في "سيدر" زيادة تلقائية للديون بالارقام المقررة للقروض الميسرة قد احدثت لغطا خاطئا واسعا لان الامر ليس على هذا النحو لكن المناخ السلبي الذي يسود البلاد لجهة الفساد والمديونية لا يساعد على تبديد الانطباعات المتشائمة. وهذا الامر سيؤثر مباشرة على المجريات العامة للاستحقاق الانتخابي.