عقدت سفارة الصين ندوة افتراضية مساء أمس إحتفالا بالذكرى الـ50 لإقامة علاقات الديبلوماسية بين الصين ولبنان. حضر الندوة إلى السفير تشيان مينجيان، مدير الشؤون السياسية والقنصلية في وزارة الخارجية والمغتربين السفير غادي الخوري، المدير العام في وزارة الثقافة علي الصمد، والسفير اللبناني السابق لدى الصين فريد سماحة، رئيس الرابطة اللبنانية الصينية للصداقة والتعاون الدكتور مسعود ضاهر، والعميد الركن المتقاعد قاسم جمول، رئيس دائرة الخدمات الصناعية في الجنوب حسن ناصر الدين، مديرة معهد "كونفوشيوس" في جامعة القديس يوسف الدكتورة نسرين عبد النور لطوف، والحائز على جائزة المساهمة الخاصة للكتب الصينية محمد الخطيب. وألقى رئيس مجلس إدارة "فرنسبنك" عدنان القصار كلمته عبر الفيديو.
مينجيان
وكانت للسفير مينجيان كلمة قال فيها: "تصادف اليوم الذكرى الـ50 لإقامة العلاقات الديبلوماسية بين جمهورية الصين الشعبية والجمهورية اللبنانية. يطيب لي نيابة عن الحكومة الصينية أن أتقدم بأحر التهاني بهذه المناسبة. إن كلا من الصين ولبنان دولة ذات تاريخ طويل وحضارة عريقة. كانت طريق الحرير القديمة تربطنا قبل أكثر من 2000 عام، وشهد البلدان اندماجا حضاريا وازدهارا اقتصاديا وتجاريا وتقاربا شعبيا، وتتجدد صداقة بينهما مع مرور الوقت. في 9 نوفمبر عام 1971، أقيمت علاقات ديبلوماسية بين البلدين على مستوى السفراء رسميا. ومنذ ذلك الحين، تقدمت العلاقات بخطوات سلسة وأحرزت تقدما ملحوظا في مجالات مختلفة".
أضاف: "على مدى الخمسين عاما الماضية، ظل البلدان يتبادلان الدعم ويواصلان ترسيخ الثقة السياسية. ظل الجانب الصيني يدعم جهود الجانب اللبناني في الحفاظ على سيادته واستقلاله وسلامة أراضيه، ويدعم الشعب اللبناني في اختيار طريق التنمية بإرادة مستقلة، ويشكر الجانب اللبناني على ما قدمه من الدعم القوي في ما يتعلق بالمصالح الجوهرية والهموم الكبرى للجانب الصيني. حافظ البلدان على التنسيق الإيجابي في الشؤون الدولية والإقليمية وتوصلا إلى التوافقات عديدة، حيث أصبحنا قدوة يحتذى بها للتعامل الخالص والتعاون المتبادل المنفعة بين الدول المختلفة".
وتابع: "على مدى الخمسين عاما الماضية، تعمق التعاون العملي بين الصين ولبنان باستمرار. ظلت الصين من أكبر الشركاء التجاريين للبنان لسنوات عدة متتالية. انضم لبنان إلى مبادرة "الحزام والطريق" في عام 2017 والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية في عام 2021. ومنذ فترة طويلة، استمر الجانب الصيني في تقديم مساعدة دون أي شروط سياسية إلى الجانب اللبناني عبر القنوات الثنائية والمتعددة الأطراف، وبخاصة بعد تفشي جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت، قدم الجانب الصيني إلى الجانب اللبناني المستلزمات الطبيبة والمساعدات الإنسانية في اللحظة الأولى، على أمل مساعدة لبنان على الخروج من الأزمة فى يوم مبكر. على مدى الخمسين عاما الماضية، حققت التبادلات الثقافية بين الصين ولبنان نتائج مثمرة. حيث تنتشر أعمال الأدباء اللبنانيين مثل جبران خليل جبران ومي زيادة على نطاق واسع في الصين وأثرت على أجيال عدة من الصينيين. وقامت فرقة كركلا وفرقة المجد البعلبكية وغيرها من الفرق اللبنانية المشهورة بزيارة الصين وأداء عروض لبنانية كلاسيكية، ما أعجب المشاهدين الصينيين على نطاق واسع. وشهد تعليم اللغة الصينية في لبنان تطورا متزنا، مما وفر منصة مهمة للشعب اللبناني لاستكشاف الثقافة الصينية والاطلاع على الأوضاع الأساسية للصين".
أضاف: "أنشىء معهد كونفوشيوس في جامعة القديس يوسف في عام 2006 باعتباره الأول من نوعه في العالم العربي، وأنشىء قسم اللغة الصينية في الجامعة اللبنانية في عام 2015. وفي عام 2020، وقعت الصين ولبنان اتفاقية تبادل إنشاء مراكز ثقافية، ودخل مشروع المعهد الوطني اللبناني العالي للموسيقى الجديد الممول من الحكومة الصينية حيز التنفيذ بشكل رسمي. نتطلع إلى إنجاز هذين المشروعين الأيقونيين في يوم مبكر لتسجيل صفحة جديدة للتبادلات الثقافية بين البلدين".
ورأى أن "العالم يمر اليوم في تغيرات لن يشهدها منذ مئة عام، والوضع الدولي الراهن معقد ومتقلب. وتواجه كل من الصين ولبنان مهاما وتحديات التاريخية. إن تكريس الصداقة التقليدية بين الصين ولبنان وإجراء التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف بمعايير أعلى لا يتفق مع المصالح المشتركة للبلدين وشعبين فحسب، بل يصب أيضًا في الازدهار والاستقرار في المنطقة. ستصون الصين دوما السلام العالمي، وستساهم دوما في التنمية العالمية، وستدافع دوما عن النظام الدولي".
وختم: "سيواصل الجانب الصيني كالمعتاد دعم لبنان في صيانة سيادته واستقلاله وسلامة أراضيه، وتعزيز الدعم المتبادل والتعاون مع الجانب اللبناني في الشؤون الدولية والإقليمية، والعمل المشترك مع الجانب اللبناني على صيانة العدالة الدولية والتعددية والتجارة الحرة، وتشجيع التباحث حول سبل تعزيز التعاون العملي على أساس المنفعة المتبادلة في إطار تشارك الجانبين في بناء "الحزام والطريق". كما سيواصل الجانب الصيني تقديم ما في وسعه من المساعدات إلى الجانب اللبناني، والمشاركة الفعالة في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان ودعم الشعب اللبناني للعمل سويا بروح الفريق الواحد، والتضامن في تجاوز الصعوبات العابرة، وتقديم مساهمات أكبر في إقامة المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك".
القصار
وكانت كلمة للقصار قال فيها: "يسعدني أن أكون معكم في هذا الاجتماع محتفلين معا بمرور 50 عاما على العلاقة الديبلوماسية بين الصين ولبنان. أستطيع أن أغمض عيني وأعود إلى تاريخ تشرين الثاني 1971 - هو تاريخ توج عقودا من العمل الشاق منذ مطلع الخمسينيات، حين بدأنا العمل مع الصين، ونجحنا في إقامة علاقات تجارية استثنائية بين بلدينا عام 1955، أي ما قبل تأسيس العلاقات الديبلوماسية. تلك العلاقات التجارية القوية هي التي مكنت لبنان من أن يكون في طليعة الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين. إن لبنان بلد صامد ونقطة قوته التجارة وعقد الشراكات. كان منذ آلاف السنين زمن الفينيقيين، قادرا على النهوض من الغزوات والحروب على يد تجار البحر الذين ربطوا طريق الحرير الصيني بالخط البحري بالرومان".
أضاف: "وقفة تأمل بعيدة في أوائل السبعينات حين كان لبنان، المركز الإقليمي للأعمال والمصارف والنقل والسفر والديبلوماسية والحرية السياسية والفن والثقافة والتعليم، والسياحة والصحة. سننهض بلبنان مرة أخرى، وسنفعل ذلك مع شركائنا وأصدقائنا وأولهم الصين.سيتغير العالم للأفضل. نحن سعداء إذ نرى الصين تقود معركة الكفاح ضد تغير المناخ والفساد. وبذلك تلعب جمهورية الصين الشعبية دورا فاعلا ليس لمصلحتها فحسب بل للجميع، انطلاقا من مبدأ المنفعة المتبادلة".
وختم: "سنلتقي مرة أخرى، ونحتفل، وليس عبر الإنترنت، فقد علمتني التجربة أن لا شيء أسمى من العلاقات الإنسانية والصداقات الحقيقية لا الافتراضية. أخيرا، أستودعكم مع تمنيات بالسلام والوحدة والصحة للجميع".
الصمد
وتحدث الصمد فقال: "أود بداية أن أعرب عن سروري بالمشاركة في هذه الندوة المخصصة للاحتفال بالذكرى الخمسين لإقامة العلاقات الديبلوماسية بين الجمهورية اللبنانية وجمهورية الصين الشعبية. اسمحوا لي أن أوجه تحية لسعادة السفير مينجيان الذي أتاح لي هذه الفرصة".
أضاف: لم أشك على الدوام بالروابط الروحية والمادية بين الشعبين اللبناني والصيني، لأن الواجب اقتضى أن يفعل الشعبان الأشياء وحدهما، كل شعب على حدة. فالشعب اللبناني اختار أن ينطلق نحو العالم ناشرا للحرف وباحثا عن الآخر المختلف وسعيا وراء الفرص.
من ناحيته، شق الشعب الصيني العظيم منذ آلاف الأعوام طريق الحرير التي وصلت الشرق بالغرب والتي قدَّمت للإنسانية أجمل وأغلى ما لدى الصين من علوم وتكنولوجيا وابتكارات وتيارات فكرية وثقافية وروحية. إن الصين عمرها من عمر الزمن، الصين حكيمة وبصيرة منذ ولادتها وارتفاع سورها كطواف حولها وحول العالم. سور الصين، ابن الصين ما يزال يستنطق الانفتاح بدعوة الآخرين إلى علوه. سور لا يزال وسيبقى كتجربة لا كبناء فقط، ينفتح من رفعوه على الحياة وعلى الثقافات سواء بسواء. هكذا بقي سور الصين يحمي من لا يزال يشرع القوانين الجديدة حيث تقوم الثقافة على كل أنواع الحداثة دون أن ترزل التقاليد. لأن التقاليد لا تزال نموذجا يحتذى بالاستمرار والتجدد لا بالتقديس".
وتابع: "صحيح أن المسافة شاسعة بين لبنان والصين، غير أن الصين قطعت وعدا بتقصير المسافات. لم تنكث الصين بوعدها، فمنذ إطلاق مبادرة الحزام والطريق قبل ثمانية أعوام، شهدت العلاقات اللبنانية-الصينية زخما كبيرا تعدى حركة التبادل التجاري ليطال المجالات كافة ولا سيما المجال الثقافي. فقد فتحت الصين أبوابها أمام الفنانين والمبدعين اللبنانيين واستضافت عشرات الوفود من رسميين وغير رسميين عاملين في القطاع الثقافي. كذلك فقد استضفنا في لبنان، وفي مناسبات متعددة فرقا فنية صينية حملت أجمل ما لدى الصين من فنون وإبداعات. كما وضعنا برنامجا تنفيذيا في المجال الثقافي وقمنا بتوقيع اتفاقية لإنشاء مراكز ثقافية في كل من لبنان والصين. ولكن تبقى أكبر هدية قدمتها الصين للبنان على الإطلاق هي الهبة المخصصة لإنشاء مبنى حديث ومتطور للمعهد العالي للموسيقى في ضبية وأنا على ثقة بأن هذا الصرح سيكون رمزا رائعا للصداقة اللبنانية - الصينية".
وختم: "إن التعاون الثقافي بين لبنان والصين يندرج من ضمن القيم الحضارية والإنسانية المشتركة لكل من الشعبين اللبناني والصيني، ونحن نتطلع فور تخطي العالم لجائحة كورونا إلى المزيد من التلاقي والتبادل مع الصين في مختلف المناسبات والملتقيات والمساحات. عشتم وعاشت الصداقة اللبنانية - الصينية".
الخوري
وكات كلمة للخوري قال فيها: "يطيب لي ان اشارككم الاحتفال بالذكرى الخمسين لاقامة علاقات ديبلوماسية بين لبنان والصين، وهي مناسبة تكتسب اهمية شخصية لي أيضا كوني بدأت مسيرتي الديبلوماسية في سفارة لبنان في بكين حيث تعرفت عن قرب على ثقافة الصين المتنوعة وتاريخها الغني الذي يعود لأكثر من 3000 عام وعادات وتقاليد شعبها وابداعه ونمو اقتصادها ونظامها السياسي والاداري وأهمية مكانتها الاقليمية والدولية، بالاضافة الى جمال معالمها الطبيعية والعمرانية والتطور التقني فيها ونهضتها المستمرة والنموذجية. في تشرين الثاني من العام 1971، اي منذ 50 عاما، أقامت الجمهورية اللبنانية وجمهورية الصين الشعبية علاقات ديبلوماسية بينهما لوضع اطار مؤسساتي لعلاقتهما والعمل على تطويرها في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها.وقد شهدت العلاقات الثنائية تقدما كبيرا بفضل الجهود المشتركة للسفارتين اللبنانية والصينية وطاقميهما".
أضاف: "على مدى العقود الخمسة المنصرمة، عرفت علاقاتنا السياسية تعاونا وثيقا، فكانت المواقف الصينية السياسية داعمة للقضايا اللبنانية الرئيسية، ووقفت الصين الى جانب لبنان لتحرير ارضه وتكريس سيادته وحفظ سلامة اراضيه. ولا شك ان مشاركتها من ضمن قوات اليونيفيل تؤكد على حرصها على ترسيخ السلم والاستقرار في جنوب لبنان، وعلى تطبيق قرار مجلس الامن الدولي1701 الصادر عام 2006. ولبنان بدوره ساند المواقف التي تحفظ امن الصين ووحدتها واستقرارها، ورفض ما يسيىء الىمصالحها وسمعتها وشعبها الصديق. بالاضافة الى ذلك، ينسحب التعاون الثنائي بين الصين ولبنان الى المجال الاقتصادي أيضا، حيث تنشط العلاقات التجارية بين البلدين، ويتطلع لبنان الى اعطائها زخما إضافيا يساهم في نقل التجارب والخبرات الصينية الناجحة إلى الميدان اللبناني، كما نتطلع إلى زيادة الاستثمارات المتبادلة، مما يسهل حركة الاستيراد والتصدير بالاتجاهين، ويخلق فرص عمل جديدة ولا سيما أن مبادرة الحزام والطريق التي اطلقتها الصين باتت تشكل ترابطا عالميا من شأنه ان يعود بالفائدة على نمو اقتصاد كل الدول المعنية بها وتجارها واسواقها. وموقع لبنان الاستراتيجي على الساحل الشرقي للبحر المتوسط وكونه نقطة تلاق بين طريق الحرير البرية والبحرية من شأنه ان يجعله شريكا جذابا وفعالا ومكسبا مشتركا للجميع".
وقال: "بموازاة ذلك، نرى ان اللغة هي وسيلة لمعرفة الثقافات والشعوب، فمن شأن زيادة تعليم اللغة العربية في الصين واللغة الصينية في لبنان ان يوطد العلاقات الثقافية ليس فقط بين البلدين، انما ايضا بين الصين والدول العربية، وذلك لما يتمتع به ادباء لبنان والناشرون اللبنانيون من دور كبير في مجال الثقافة والنشر، ولما للبنان من دور ثقافي وديمقراطي ريادي في عالمنا العربي. الى جانب مهامي كمدير للشؤون السياسية والقنصلية في وزارة الخارجية والمغتربين،شاءت الظروف أن اقوم بتمثيل الوزارة في لجنة متابعة التدابير والاجراءات الوقائية لفيروس كورونا في رئاسة مجلس الوزراء خلال السنتين المنصرمتين واطلعت شخصياًعلى جهود الصين لمكافحة انتشار جائحة كورونا التي مثلت تهديدا للانسانية جمعاء والمساعدات التي قدمتها للبنان في هذا المضمار،مما ساهم بانحسارها والحد من تداعياتها السلبية.كما اعبر عن امتناني للمساعدات الصينية االتي وصلت الى لبنانوالشعب اللبناني بالتنسيق مع وزارة الخارجية والمغتربين بعد انفجار المرفأ في 4 اب 2020، الذي دمر جزءا كبيرا من عاصمتنا بيروت كما مقر وزارة الخارجية والمغتربين، وقد سارعت الصين الى تقديم هبة كريمة لاعادة اعماره وتجهيزه".
وختم: "اني على يقين بأن مستقبل العلاقات الديبلوماسية اللبنانية الصينية سيكون واعدا، كونها قائمة على الاحترام المتبادل والتفهم والتفاهم والتعاون لما فيه مصلحة البلدين.اختم، بالتعبير عن اعتزازي وتقديري الشديدين لعملي الديبلوماسي في الصين وللخبرة التي اكتسبتها من جراء التفاعل مع الشعب والمسؤولين الصينيين، والتي تعلمت ونموت كثيرا بفضلها، مما جعلني أكن معزة خاصة لهذا البلد الرائع ولهذا الشعب الفريد".