كتبت إيفون أنور صعيبي في "نداء الوطن": لا أحد يعلم!"... كلمات ثلاث كانت كافية من وجهة نظر حاكم مصرف لبنان لنقل "توقعاته" لمستقبل الليرة وسعر صرفها لتبدو "الأسعار" وكأنها بيد الله وحده. عندما تفوّه الحاكم بهذه الكلمات تناسى تطميناته المتكررة بشأن القدرة النقدية حتى فترة قريبة - بعيدة، أي حتى ما قبل إنتفاضة تشرين الاول، عندما عبّر في مؤتمره الصحافيّ الشهير أنّ "الكاش" الموجود لدى مصرف لبنان، والذي نستطيع أن نستعمله فوراً يلامس حدود الـ30 مليار دولار فلا داعي للخوف".
لا بدّ من التذكير بأن المصرف المركزي دأب في السنوات الأخيرة على خلق كميات كبيرة من النقد لتسليف المصارف أموالاً بالعملة اللبنانية بفائدة زهيدة، مقابل إيداع دولارات جديدة لديه لزيادة موجوداته بالعملات الأجنبية. وحسب الميزانية الموجزة التي يصدرها مصرف لبنان بلغت ديونه للقطاع المالي نهاية شهر أيلول الماضي أكثر من 22 ألف مليار ليرة، أي حوالى 15 مليار دولار. وهكذا، فإن مصرف لبنان كان يستسهل خلق النقد وإقراضه بفوائد زهيدة للمصارف أو الدولة، بما ينذر بزيادات كبيرة ومتوالية قادمة في أسعار الاستهلاك.
أما الآن فاختلف الوضع، حيث لجأ "المركزي" إلى خلق النقد الذي يجيزه له القانون، محمّلا أعباء هذه الخطوة إلى المجتمع اللبناني، لأن خلق النقد سينعكس انخفاضاً في القيمة الشرائية للعملة الوطنية وارتفاعاً جنونياً بالتالي في الأسعار.
طباعة العملة... جريمة
عن الموضوع يرى الاقتصادي إيلي يشوعي في اتصال مع "نداء الوطن" أنّ طباعة العملة يجب أن تراعي أُسساً واضحة، موضحاً أنّ البنك المركزي له الحق بطباعة العملة في ثلاث حالات: الحالة الأولى عندما تزداد احتياطاته من الذهب والعملات الأجنبية وهو ما لا ينطبق على الوضع اليوم بل العكس تماماً، فعالميّاً تتجنب المصارف المركزية طباعة عملاتها المحلّية لما تحمله هذه العملية من انعكاس على القدرة الشرائية للمواطنين. الحالة الثانية عندما ترتفع نسب الديون للمصارف التجارية، أما الحالة الثالثة والأهم فهي لتغطية ديون وعجز الخزينة العامة. من هذا المنطلق، من المؤكّد أنّ الطبعة الاخيرة بـ 13 تريليون ليرة أي 9 أطنان على شكل 50 ألفاً و100 ألف ليرة ليست سوى طباعة تضخّميّة، بما أنّ المركزي لم يسجّل أي زيادة في احتياطاته بل انه يسجّل تراجعاً يومياً. لذا فإنّ هذا المال سيُخصّص لتغطية ديون المصارف وديون الخزينة". ويضيف: "الأساس من عمليّة الطبع كان إنقاذ الدولة من الافلاس لكنّ حل أزمة السيولة في الخزينة جاء على حساب الليرة، وعلى حساب كل من يتقاضى راتبه بالعملة المحلية إن كان في القطاع العام أو الخاص".
من وجهة نظر يشوعي، فإنّ "المركزيّ لم يقم بواجبه منذ العام 1993 فهو لم يعمل على صياغة سياسة نقدية، ولم يجهد لتأمين السيولة اللازمة للقطاعات الانتاجية بكلفة تشجّع الاستثمارات، كما أنه لم يسيطر على التضخّم وفشل بالتالي من المحافظة على نسب نمو مرتفعة بل إنه اكتفى بتثبيت سعر الصرف ورفع معدلات الفوائد".
أما في ما خصّ مستقبل سعر الصرف فيقول يشوعي: "حكماً سيصل السعر الى 3000 ليرة وهذه مسألة علميّة ليست قضية تنجيم أو ضرب المندل بما أن مصرف لبنان لا يملك القدرة على تغطية قيمة الليرة. إذ ستكون هناك كتلة نقدية ضخمة بالعملة اللبنانية في مقابل إحتياطات في العملات الأجنبية تقلّ يوماً بعد يوم، وهذا ما سيؤدي بلا شكّ الى تراجع سعر صرف الليرة اللبنانية تجاه الدولار في الأسواق المحلية".
ليست طباعة العملة حلّاً لتخطّي الازمة الراهنة. فهي وإن قضت حاجة الدولة في تسديد مستحقاتها وجزء من ديونها، إلا أنه وعلى المديين المتوسط والبعيد سيتحمّل أعباءها التضخمية القطاع الانتاجي والاقتصاد ككل .
المصدر: نداء الوطن