التبويبات الأساسية

لعلّ أكثر ما يستولي على الإنتباه في العقوبات الأميركية التي فُرِضَت على الوزيرَيْن السابقَيْن علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، هو حجم المعطيات والمعلومات الكثيرة والدّقيقة، التي قدّمتها الخزانة الأميركية، لتفسير سبب معاقبتهما، وهو ما أظهر أن عمل المسؤولين اللّبنانيّين أكثر من مُراقَب، الى درجة ربما تُمكِّن من القول إن غرف نومهم مكشوفة للمجتمع الدولي.

معاقبة خليل، الذي هو واحد من الخليلَيْن المُشكِّلَيْن للحكومات اللّبنانية، والذراع اليُمنى لرئيس مجلس النواب نبيه بري، هي إدانة في مكان ما، لطُرُق تشكيل الحكومات، وللتشبّث بوزارات، وإشارة الى أن المجتمع الدولي لا تُطربه شعارات الدولة المدنية الرنّانة، التي يفقد كلّ من يُطلقها أهليّة تطبيقها. فضلاً عن أن إدانة الصّحن الأساسي لـ "حزب الله" عبر "المرده" و"أمل"، بعد أقلّ من شهر على إدانة المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان أحد عناصره ("الحزب") في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، يعني الكثير الكثير.

متورّطان
شدّد مصدر مُطَّلِع على أن "البدء بالعقوبات من خليل وفنيانوس تحديداً، والتفسير المقدَّم من قِبَل الخزانة الأميركية حول ذلك، يؤكّد المتابعة الأميركية الدقيقة لكلّ ما يجري في لبنان. فالسلسلة اللّبنانية المتورّطة مع "حزب الله" هي أكبر بكثير، ولكن هذين الوزيرَيْن تورّطا مع "الحزب" بأدوار ذات أبعاد ثلاثية، هي سياسية ومالية وأمنية، وبتسهيلات مكّنته من الإلتفاف على العقوبات الأميركية، وأمّنت مصادر دخل له. فيما شخصيات لبنانية أخرى، لم تشملها العقوبات الآن، هي متورّطة مع "الحزب" سياسياً فقط، ولكن ستشملها العقوبات في مراحل لاحقة، لأن هذا المسار بدأ أمس وسيُستكمل مستقبلاً".

وأكد في حديث الى وكالة "أخبار اليوم" أن "الخطوة الأميركية تُظهِر أن كلّ مساعي الإلتفاف على العقوبات الأميركية منذ صدورها وحتى اليوم، مكشوفة وموثّقة بدقّة لدى الإدارة الأميركية، التي تتابع كلّ الملفات اللّبنانية بتفاصيلها المملّة".

وقال:"تلك العقوبات تؤكّد أيضاً أن الحَراك السياسي في لبنان، ولا سيّما تشكيل الحكومات بهيمنة لـ "حزب الله" عليها، هو أمر غير مقبول، وهذا يظهر من خلال السلوك الخليجي الذي لا يزال بعيداً من لبنان حتى الساعة، بنسبة كبيرة. فاستنساخ حكومة تصريف الأعمال على مشارف تشكيل الحكومة الجديدة، بوجوه أجمل، لن يمرّ، ولن يُسوَّق له دولياً، ولا سيّما لدى واشنطن التي هي الطرف الدولي الأقوى من حيث الحضور في ملفات لبنان والشرق الأوسط".

فترة سماح
ورأى المصدر أن "رسالة واشنطن لـ "المُمانعين" من خلال العقوبات هي أنه ما دمتُم تعهّدتُم أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتسهيل مهمَّة الرئيس المكلَّف مصطفى أديب، إفعلوا ذلك بصدق، ولا تتذاكوا بالإلتفاف على مطلب تشكيل حكومة إصلاحية مستقلّة جديّة، لأن لا شيء تقومون به لخديعة العالم تنجحون في إبقائه سرياً، ولأن سطوتكم على الحكومة تعني استحالة تطبيق سلّة الإصلاحات المطروحة دولياً وفرنسياً على لبنان".

وأضاف:"كلّ ما نعيشه الآن هو مرحلة فترة سماح بانتظار الإنتخابات الرئاسية الأميركية. وادّعاء السلطة بأن انفجار مرفأ بيروت فكّ العزلة عنها، ظهر بالملموس أنه غير صحيح، والدّليل على ذلك هو استمرار سياسة العقوبات الأميركية، وهي تنسحب على التعاطي الدولي مع اللّبنانيّين المُعاقَبين انطلاقاً من أن النّظام المالي العالمي يرتبط بالدولار، وبإدارته من جانب الولايات المتّحدة الأميركية".

تراجُع

واعتبر المصدر أن "مرحلة المكابرة "المُمانِعَة" في لبنان مستمرّة، بموازاة تقلُّص نفوذ وتراجُع "حزب الله"، محلياً وإقليمياً، في انتظار استقرار الإدارة الأميركية من جديد بعد الإنتخابات. فلا شيء سيتغيّر، سواء فاز الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أو المرشّح الديموقراطي جو بايدن، خصوصاً على مستوى العقوبات".

وشرح:"قانون "قيصر"، أو حتى قانون "ماغنيتسكي"، صدرا بأصابع الحزبَيْن الجمهوري والديموقراطي في الولايات المتحدة. وإذا كانت بعض مُنطلقات التفاهُم مع إيران ستتبدّل مع بايدن، إلا أن لا شيء سيتغيّر على مستوى "قيصر" و"ماغنيتسكي"، وهو ما يعني أن أي دعم لأنشطة ضدّ مصلحة الشعب اللّبناني، تدخل في إطار الفساد وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ستطالها العقوبات، وستعرّض من يقوم بها للعقوبة أيضاً".

وختم:"القرار الأميركي بعَدَم السّماح لإيران بالتواجُد الفاعل على السواحل الشرقية للبحر المتوسط لن يتغيّر بين ترامب وبايدن، ووسائل تحقيقه هو ضبط النفوذ الإيراني، وعَدَم تمديده الى لبنان، وسيكون من نتائجه الحتمية تراجُع دور "حزب الله".

صورة editor3

editor3