التبويبات الأساسية

.. تعاني الأمَّة العربية اليوم نكبتها الكبرى لسوء أنظمتها، وسقوط قادتها، وتهافت زعاماتها، وتخدير شعوبها. وما ذكرى "الثورة المصرية" الناصرية في 23 يوليو – تموز من كل عام، إلاَّ للتذكُّر والتفكُّر، "أن قائداً عربياً مُلْهَماً أخذ بناصيتها، رافعاً منها الأذان لعروبة الأمَّة، ودعوتها إلى الوحدة القوميَّة من المحيط إلى الخليج. ثمَّ ما لبث هذا القائد أن رفع الصوت عالياً، داعياً الأمم المغلوبة في قارات العالم، إلى الثورة على الإستعمار، من أجل الحريَّة والعدالة وحقوق الإنسان. إنَّه الضابط في جيش مصر، جمال عبد الناصر، الداعيةُ الكبيرُ إلى حقوق الإنسان في العصر الحديث. لقد إنتصب كالمارد، صارخاً من أعالي أهرامات مصر، في آذان دول الإستكبار، أنِ ارفَعوا أيديكم عن الشعوب المستضعفة، واتركوا للإنسان أنَّى كان، حريته، ليعيش العدالة بسلام وأمان، كما أراد له الله.
... وفي لبنان، الذي قام مع الزمان، ليكون محراباً للحريَّات، وموطناً للثقافات، في وطن عربي متصحّر، مازلنا نقرأ عن قادة كبار، جعلوا من لبنان الصغير وطناً كبيراً. إنَّهم شهداء الإستقلال التأسيسي، زمن الإستعمار التركي المتداعي، ثم إنَّهم رجال الإستقلال المعاصر، كاللواء فؤاد شهاب، والمعلم كمال جنبلاط والمصلح الإمام موسى الصدر، والعميد العفيف ريمون إده، والشهيد الكبير رفيق الحريري.

... إنَّ الأمَّة العربية تعيش اليوم أسوء عصورها، مفتقدة أمثال أولئك الرجال الأبرار الأحرار. والمؤسف المخجل، أنَّ التبعية للصهيونية العالمية في أميركا وأوروبا، إستولدت تبعية عربية مخزية، أخرجت بعض الأنظمة العربية عن أصولها، وجعلتها تهرول نحو عدوها الغاصب "إسرائيل"، معترفةً به، بعد سبعين عاماً من الحروب والهزائم. وفيما تذهب أميركا وإسرائيل لتهويد "بيت المقدس" وكل فلسطين، يذهب العرب "العربان" إلى التذابح والتقاتل والتغازي، وكأنَّهم قد إرتَّدوا إلى الجاهلية الأولى، وخلا تاريخهم من دينٍ حنيف، ومن حضارةٍ عالميةٍ ربطت الشرق بالغرب.
... ولبنان بدوره، لم يعد اليوم وطنَ الأرز والأرجوان، وَمَرْبَعَ العلوم ومَرْتَعَ الأمان. هذه الأرض كانت ملاذ الفكر ومدرسة الشرق، مُذْ قامت في بيروت "مدرسة الحقوق" في عهد الرومان. لقد كان هذا الوطن الجميل يلقب "بسويسرا الشرق" فجعله اللصوص اليوم "مغارة علي بابا"، وصار حُمَاتُهُ زبانيتَه وبُغاتَه وزُناتَه، فأمعنوا فيه نهباً وتقطيع أوصال، وتركوه للشياطين العابثة، فيما عناية الله والمؤمنين هي خير وأبقى!..
... الآن، في ذكرى "الثورة المصرية" 23 يوليو – تموز، هل نعيد قراءة التاريخ العربي، لنستعيد الوعي، ونعود إلى حركة الحياة من جديد، أمَّةً عربيةً واعدة؟؟ ثمَّ نعود ونعمل جاهدين، ليبقى لبنانُ وطناً واحداً لكل أبنائه، ليبقى هو في هذا الشرق العربي واحةً خضراءَ، للحريَّة والديموقراطية وحقوق الإنسان!...

الدكتور حسين يتيم

صورة editor11

editor11