مر تنظيم بوكو حرام في صيف عام 2014، بعملية تحول رئيسي، شملت توسع مداه الأيديولوجي والإقليمي، من خلال سعيها إلى احتلال أراضٍ جديدة؛ حيث توغلت في الكاميرون وتشاد والنيجر، مع مهاجمة القواعد العسكرية والقرى الموجودة في تلك المناطق، ما خلف عشرات القتلى والمخطوفين؛ إذ أصبح التنظيم صعب المراس بصورة متزايدة بالنسبة لقوات الأمن، التي تفتقر إلى التنسيق فيما بينها.
مر تنظيم بوكو حرام في صيف عام 2014، بعملية تحول رئيسي، شملت توسع مداه الأيديولوجي والإقليمي، من خلال سعيها إلى احتلال أراضٍ جديدة؛ حيث توغلت في الكاميرون وتشاد والنيجر، مع مهاجمة القواعد العسكرية والقرى الموجودة في تلك المناطق، ما خلف عشرات القتلى والمخطوفين؛ إذ أصبح التنظيم صعب المراس بصورة متزايدة بالنسبة لقوات الأمن، التي تفتقر إلى التنسيق فيما بينها.
«بوكو حرام» ومواجهة الكاميرون
اعتمد تنظيم «بوكو حرام» خلال هجماته على فكر استخباراتي منظم، وهو ما عبر عنه الجنرال «جاكوب كودجي»، قائد القوات الكاميرونية المواجهة للتنظيم، بأن التخطيط لعمليات بوكو حرام يتم من خلال أشخاص كفوئين في الجانب الاستخباري، معتقدًا بأنهم يستقبلون خبراء ومخططين هامين لتنفيذ عملياتهم الإرهابية([3])، لذا كان لا بد أن تمتلك الكاميرون ودول المواجهة قدرات استخباراتية قوية من أجل تحقيق النصر في حربهم.
وهو ما لم يتحقق بصورة كاملة، حيث عملت الحكومة الكاميرونية على الاستجابة العسكرية للأحداث، ولكن هذا كان ناجحًا بصورة جزئية، ويرجع ذلك إلى مشاكل في البناء الهيكلي للتنظيمات الأمنية والاستخباراتية في البلاد، إضافة إلى العديد من المشاكل السياسية والاقتصادية التي سمحت بظهور هذا الخطر دون معالجته.([4])
رغم ذلك، فقد حاول جهاز المخابرات في الكاميرون التحرك لمواجهة خطر «بوكو حرام» منذ بدء نشاطه في نيجيريا؛ حيث عمل على مراقبة المساجد والخطب، وذلك بهدف منع أعضاء التنظيم من السيطرة عليها وتمرير أفكارهم([5])، كخطوة استباقية تمنع وجوده فكريًّا داخل الكاميرون، مما يمهد لوجوده فعليًّا على أرض الواقع، كما فرضت المخابرات الكاميرونية، قيودًا على ارتداء النقاب، وقيودًا على سيارات الأجرة والدراجات النارية.
فإن هذا النشاط لم يكن كافيًّا بسبب ضعف قوة المخابرات الكاميرونية، وعدم قدرتها على توقع تحركات «بوكو حرام»، ما ساهم في نجاح التنظيم في عبور الحدود «النيجيرية- الكاميرونية»، والسيطرة على منطقة عسكرية قريبة من الحدود في مارس 2014.
تعاون حذر
تقدم قوات «بوكو حرام» داخل الأراضي الكاميرونية، دفع المخابرات في الكاميرون إلى محاولة التعاون مع محيطها الإقليمي والدولي؛ بهدف وقف سيطرة التنظيم على مزيد من الأراضي حول بحيرة تشاد، إلا أن هذا التعاون لم يكن كافيًّا وفعالًا بصورة كبيرة؛ حيث تسببت حالة عدم الثقة وغياب التعاون الاستخباراتي بين نيجيريا والكاميرون والدول المجاورة، إلى عدم وجود آلية واضحة لنشر القوات المحاربة للتنظيم الإرهابي، مما عرقل جهود تشكيل قوة إقليمية تستطيع مكافحة المتشددين الإسلاميين.([6])
تدخل استخباراتي أممي
شهدت العلاقة بين تنظيمي «بوكو حرام»، و«داعش»، تطورًا ملحوظًا، حيث بدأت من تعاون منخفض إلى مرحلة متطورة، أسفرت عن تغيير اسم التنظيم إلى «دولة غرب أفريقيا الإسلامية»، إذ اتبعت بوكو حرام خطوات داعش، معتمدة على نفس التكتيكات والأساليب الخاصة بها، وهو ما ظهر بوضوح عندما أعلن الدواعش تأسيس الخلافة في يونيو 2014، فتبعه «بوكو حرام» في إعلان الخلافة الخاصة به في أغسطس 2014.([7])
وبتحليل هذا الإعلان زمنيًّا، نجد بأنه جاء مواكبًا لمبادرة تتضمن التنسيق الاستخباراتي والمعلوماتي واللوجيستيكي بين مجموعة دول حوض تشاد، بما فيها الكاميرون، وذلك خلال اجتماع لرؤساء تلك الدول في فرنسا، انعقد في 17 مايو 2014، وهدف هذا الاجتماع إلى محاربة «بوكو حرام»، مع وضع خطة زمنية مستقبلية تضمنت انتشار قوة عسكرية يبلغ تعدادها 8700 عسكري، وهذا التحرك دفع التنظيم للبحث عن وسائل تكتيكية للتعامل مع القوة العسكرية الإقليمية.([8])
وتحالف داعش مع بوكو حرام، زاد من مخاوف المجتمع الدولي؛ لذا أجرت الكاميرون تعاونًا استخباراتيًّا مع الولايات المتحدة الأمريكية، أعلن باراك أوباما، الرئيس الأمريكي آنذاك، في أكتوبر من عام 2015، بموجبه عن إرسال قوة قوامها 300 فرد، للقيام بعمليات استخباراتية ومراقباتية داخل الأراضي الكاميرونية، مع تجهيز تلك القوة بالأسلحة والأدوات والمعدات اللازمة للقيام بذلك.([9])
وشهدت الكاميرون استمرارًا للتعاون الاستخباراتي مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أرسلت أمريكا في نفس العام، 90 عسكريًّا استخباراتيًّا إلى الكاميرون في بلدة «جاروا»، كما أرسلت في مايو 2018، طائرتان متخصصتان في أعمال الاستطلاع والمراقبة والعمليات الاستخباراتية.
وكان الاتحاد الأفريقي قد اتخذ قرارًا في يناير 2015، بشأن تشكيل قوة عسكرية إقليمية؛ لمواجهة تنظيم بوكو حرام الإرهابي والقضاء عليه، وتم تأسيس القوة بشكل فعلي في 6 مارس من نفس العام، واتخذت من تشاد مقرًا لها، وبلغ قوامها 10 آلاف جندي مقاتل، «وتلعب القوات الأمنية الكاميرونية دورًا هامًا في هذه القوة، حيث تكثف من عملياتها ضد التنظيم خصوصًا مع تكرار عملياته الإرهابية ضد المدنيين بالقرب من الحدود مع نيجيريا»([10]).
كما تم التنسيق الاستخباراتي بين تشاد والكاميرون، حيث حصلت تشاد، التي تشهد أراضيها عمليات لتنظيم بوكو حرام، على موافقة من الحكومة في الكاميرون في يناير من عام 2015، للتحرك عسكريًّا داخل أراضيها، ونشر قوات عسكرية، على أمل أن تدفع تلك العمليات المشتركة «بوكو حرام» إلى إتباع مواقف دفاعية.([11])
الاستخبارات الكاميرونية
مساعدات خارجية
يتضح أن الاستخبارات الكاميرونية لم تستطع التعامل بصورة فعالة مع خطر «بوكو حرام»، ويرجع ذلك إلى ضعف الجهاز الأمني، وغياب التنسيق مع استخبارات دول الجوار، ما دفعهم إلى طلب العون من استخبارات الدول والمنظمات الأجنبية.
وظهر ذلك في مساعدة أمريكا للاستخبارات الكاميرونية بالأفراد والمعدات المخصصة للمراقبة، ومساعدة الاتحاد الأفريقي لدول حوض بحيرة تشاد من خلال توفيره مظلة إنشاء قوة إقليمية، ما يعطي دفعة معنوية للجيش الكاميروني خصوصًا، وجيوش الدول الأخرى في حربهم ضد التنظيم الإرهابي، كما يساعد دول تلك المنطقة على مواجهة التخطيط الاستخباراتي عالي المستوى الذي يتبعه «بوكو حرام».
للمزيد.. «السيسا» .. سلاح مواجهة التهديدات الإرهابية بالقارة الأفريقية
لا يمكن اعتبار هذه الآلية ناجحة بنسبة كبيرة، حيث إن مسؤولون أمريكيون وغربيون شككوا في الحملة العسكرية التي تشنها الكاميرون ونيجيريا ودول الجوار ضد التنظيم، وذلك بسبب فشل تلك الدول في تبادل معلومات استخبارية هامة بين بعضها البعض، إضافة إلى المشاكل الداخلية في الأجهزة الاستخباراتية الخاصة بكل دولة بما يمنع تبادل المعلومات بين أفرعها.([12])
وهذا يفسر وجود أفراد من المخابرات الغربية على الأرض داخل الكاميرون ودول الجوار، وذلك حتى تتم عملية التواصل الاستخباراتي ما بين الدول بصورة أكثر يسر وسهولة، ما يزيد من فعالية العمليات الاستخبارية، ويساهم في تنفيذ ضربات استخباراتية استباقية ضد التنظيم الإرهابي.
المصادر:
[1] - European Parliament, African-led counter-terrorism measure against Boko Haram, March 2015, P.1.
[2] - Cameroon: Confronting Boko Haram, International Crisis Group, 2016, Available on https://bit.ly/2eIWom8.
[3] - Yaroslav Trofimov, Jihad Comes to Africa, Boko Haram, al-Shabaab and other ruthless groups threaten to turn the continent into global jihad’s deadliest front, Wall Street Journal, 2016.
[4] - Cameroon: Confronting Boko Haram, International Crisis Group, op.cit.
[5] - هيئة التحرير، مراقبة خطب الجمعة في مساجد شمال الكاميرون خشية تأثير بوكو حرام، موقع القوات اللبنانية نقلًا عن وكالة الأنباء الفرنسية، https://bit.ly/2CwHOJn.
[6] - Bate Felix, Mistrust between Nigeria, Cameroon stalls fight against Boko Harram, Available on https://reut.rs/2PgcZiV.
[7] - Yahaya Abubakar, Boko Haram And Islamic state of Iraq and Syria: The Nexus, Department of political science, Federal Uni. Duste, Available on https://bit.ly/2ArmMul.
[8] - مصطفى صايج، الجماعات الإرهابية في غرب إفريقيا: الخريطة- التمويل- والتحديات، متاح على https://bit.ly/2q8DnNl.
[9] - Boko Haram crisis: US deploys troops in Cameroon, available on https://bbc.in/2EHVJie.
[10] - أحمد عسكر، عوائق التحالف الإقليمي ضد "بوكو حرام"، دورية السياسة الدولية، متاح على https://bit.ly/2Aq1gGd.
[11] - محمد عبد الكريم، بوكو حرام من الجماعة إلى الولاية أزمة التطرف والفساد في أفريقيا، العربي للنشر والتوزيع، 2017، بتصرف.
[12] - Eric Schmitt and Dionne Searcey, Failure to share data hampers war on book haram in Africa, Available on https://nyti.ms/2CAi6n4.