التبويبات الأساسية

تعتبر الطائفة السريانية أقدم الطوائف المسيحية، وكانوا يُسَمُّون بالآراميين، نسبة إلى آرام الإبن الخامس لسام بن نوح الجد الأعلى لجميع الشعوب السامية، ومصطلح السريان أطلقه المؤرخون اليونانيون على الآراميين، بعد أن تركوا عبادة الأوثان، واعتنقوا الديانة المسيحية في القرن الأول والثاني للميلاد. وضمن الملف الخاص بمدينة زحلة كان لنا زيارة لمطرانية السريان ولقاء سيادة المطران بولس سفر الذي بدوره حدثنا عن الطائفة السريانية وتاريخ وجودها والدور المهم التي لعبته في تاريخ زحلة عبر العصور.

وتابع السريان هم سليلة حضارة سوريا والشام وبلاد ما بين النهرين, وهم أحفاد الآراميين والآشوريين والكلدانيين - البابليين...، وتشير المعلومات أن تاريخ لبنان هو سرياني حيث تعود جذوره إلى الأرامية وخاصة في سهوله وجباله. عرف لبنان عبر التاريخ صراعات مذهبية ذات خلفية سياسية خاصة في العهد البيزنطي، مما قسم سكانه المسيحيين إلى طوائف وكنائس نشأت نتيجة سوء فهم حول بعض القضايا اللاهوتيه ونتيجة تدخلات السياسة والمصالح تصارعت هذه المذاهب فيما بينها. وأحدثت هذه الإنشقاقات المذهبية تغيراً في الديموغرافيا بسبب نزوح شعوب ذات مذهب معين وحل محلها شعوب ذات مذاهب أخرى. وتَكرّس هذا الواقع بعد الحملات الأوروبية التي سُمّيت بالصليبية. السريان الأرثوذكس في لبنان كانوا إحدى ضحايا هذه الإنشقاقات والصراعات حيث هجر منهم من هجر وآخرون غيروا مذاهبهم وطائفتهم السريانية ودخلوا في طوائف أخرى ذات أكثرية محلية تجنباً للهجرة.
كان السريان الأرثوذكس في راشيا آخر من هاجر كنيسته وتحول إلى الكثلكة «سنة 1825» نتيجة للضغوطات الاقتصادية والسياسية التي مورست عليهم يذكر التاريخ وجود أبرشيات سريانية أرثوذكسية منتشرة في مختلف المناطق اللبنانية مثل دير السريان في كفركلا الذي كان مركزاً لأبرشية سريانية عامرة حتى سنة 1790 تقريباً. وكذلك أبرشية حردين التي شارك مطرانها السرياني الأرثوذكسي في أحد المجامع المارونية الذي عقدها البطريرك اسطفان الدويهي الأهدني «1670-1704» ويذكر على وجه الخصوص البطريرك نوح اللبناني ذو الأصول المارونية الذي انتقل إلى الطائفة السريانية منذ صباه والذي أصبح بطريركاً «1493-1509» وهو من قرية بقوفا.
يُذكر أيضاً عن تواجد السريان في بشري على مثال المقدم السرياني الأرثوذكسي عبد المنعم ابن ألدين سنة 1460م، حيث بنى كنيسة مار برصوم بجوار داره في بشري.

«من كتاب أصدق مكان من تاريخ لبنان». ألفيكونت فيليب دي طرازي بيروت ١٩٤٨.
تسلسل الكهنة سقط سهواً الأب نعمان أوسي، خدم كنيسة السيدة العذراء من سنة
١٩٧٧- ١٩٨٧.
الأب جورج ملكي من سنة ١٩٩٤- ١٩٩٨.

إن النزاعات بين الطوائف المسيحية وكذلك الإسلامية إضافة إلى بعد مركز البطريركية السرياني الأرثوذكسي الذي إستقر في ماردين منذ القرن الثالث عشر وحتى القرن العشرين، أضعف الوجود السرياني في لبنان وكاد أن يختفي في القرن التاسع عشر مع الإضطهادات والفرمانات التي كانت تصدر من السلطنة العثمانية ضد المسيحيين عامة. لا ننسى دور الإرساليات الأجنبية التي أثرت على الكنيسة السريانية الأرثوذكسية والتي انضم بسببها قسم كبير من أبنائها إلى الكثلكة عبر التاريخ. تفتخر الكنسية السريانية الأرثوذكسية بأنها كانت وما زالت كنيسة مشرقية وطنية لم تتلق أي مساعدة أو حماية أو إمتياز من أية دولة أجنبية.
آخر مطران سرياني أرثوذكسي في لبنان كان يسمى مطران حمص وحماه وحردين، استمر حتى الربع الأول من القرن التاسع عشر.

عودة السريان إلى لبنان:
في بداية القرن التاسع عشر حصلت تحولات سياسية أدت إلى حروب وصراعات في منطقة الشرق الأوسط كافة. مما اضطر بعض شعوب هذه المناطق النزوح إلى مناطق أكثر أماناً، فهاجر قسم من السريان من ماردين، دياربكر وقرأها وبعض قرى حمص وحماه إلى لبنان لا ننسى وجود عوامل أخرى لإستقرار السريان في لبنان منها إستقرار بعض الحجاج السريان في لبنان بعد عودتهم من القدس لشعورهم بالأمان وسط لبنان المسيحي كذلك التبادلات التجارية بين لبنان وسوريا الداخلية أيضاً جاءت كثير من العائلات السريانية لتستقر في لبنان خاصة مع عدم وجود حدود بين الولايات أثناء الحكم العثماني، مما يسهل الإنتقال والهجرة. هذا إضافة إلى السبب الرئيسي الذي هو المجازر التي حدثت في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين على المسيحيين إجمالاً وعلى السريان خاصة. وإجتمعت هذه العوامل لتوجد طائفة سريانية من جديد في لبنان منذ أواسط القرن التاسع عشر حيث يذكر كتاب «تاريخ زحلة والعالم» لمؤلفته ليزا رياشي عن أول وجود سرياني في زحلة كان سنة 1860 كما أن اول احصاء لمدينة زحلة في عهد المتصرفية سنة 1881 يذكر أن عدد السريان في زحلة كان مائتي شخص كنسياً في هذه الفترة، لم يكن للسريان في زحلة كنيسة خاصة بهم فكانوا يمارسون شعائرهم في كنيسة مار نقولا للروم الأرثوذكس حتى سنة 1903 عندما أرسل البطريرك عبد المسيح الثاني «1895-1905» الراهب ابراهيم البشيري الذي بدأ يهتم بإدارة الرعية حيث استأجر منزلاً في حي الميدان من آل بحمدوني وحوله إلى مركز عبادة إلى حين شراء أرض من آل الحداد سنة 1911 لبناء كنيسة على اسم القديس مار جرجس، ووضع حجر أساسها البطريرك عبدالله الصدي «1906- 1915» المولود في زحلة - حوش الزراعنة والذي ساهم بجزء من ثمن شراء أرض الكنيسة وذلك سنة 1914 وتم تدشينها سنة 1925 على يد البطريرك الياس الثالث شاكر . فكانت أول كنيسة للسريان الأرثوذكس بعد عودتهم مجدداً إلى لبنان. وأثناء زيارة البطريرك شاكر لتقديس الكنيسة حث الشعب على بناء مدرسة تم فتحها سنة 1927 على اسم القديس مار جرجس وتم الحصول على رخصة رسمية لها سنة 1934 وهي لا تزال مستمرة حتى يومنا الحالي وهي من المدارس القليلة التي تملكها وتديرها طائفة مسيحية في مدينة زحلة، أما باقي المدارس فهي تابعة لرهبانيات والجدير بالذكر أن عدد طلابها في المرحلة الإبتدائية فقط قد تجاوز الـ 400 تلميذ انذاك «قبل الحرب» وكانت نسبة النجاح فيها عالية ولكن ظروف الحرب التي أثرت سلباً عليها وهناك محاولات حثيثة للإرتقاء بها إلى أرقى المستويات أما المراحل اللاحقة لتوافد السريان إلى زحلة فكانت السنوات التالية: سنة 1895، 1917، 1925، 1942، 1958 ومن ثم في الستينات والسبعينات من القرن العشرين.
الجدير بالذكر أن كنائس زحلة كانت في السابق جزءاً من أبرشية لبنان، ثم أعيد تقسيم الأبرشيات فأصبحت جزءاً من أبرشية بيروت وزحلة وفي 29 آذار 1999 وبقرار من المجمع المقدس، تم إستحداث أبرشية مستقلة سميت بإسم أبرشية زحلة والبقاع للسريان الأرثودوكس.

أما اليوم فتتبع الأبرشية أربعة كنائس وهي بحسب التسلسل الزمني.
١- كنيسة مار جرجس شيدت سنة ١٩٢٥.
٢- كنيسة دير مار أفرام شيد سنة ١٩٣٤ حيث كان إكليريكية لتخريج الكهنة والرهبان واليوم هو ديرٌ لراهبات الأبرشية.
٣- كنيسة السيدة العذراء شيدت سنة ١٩٨٠.
٤- كنيسة مار بولس ضمن بيت مار بولس لراحة المسنين دشنت سنة ٢٠١٨.

بقي أن نذكر أنّ هناك جمعيات ومؤسسات هامة وفاعلة في الأبرشية وناشطة في مدينة زحلة مثل الكشاف السرياني اللبناني الذي تأسس سنة ١٩٤٣ وفرقته الموسيقية المعروفة في زحلة والتي تشارك وتبرز بأهم الأنشطة الثقافية والإجتماعية في زحلة. وكذلك الجمعية الخيرية السريانية التي يعود تأسيسها إلى ثلاثينيات القرن العشرين وما زالت فاعلة في الحقل الخيري والإجتماعي إلى جانب جمعيات وأخويات نسائية ودينية.

كان الراهب ابراهيم البشيري أول كاهن مستقر في زحلة لرعاية المؤمنين منذ سنة 1903 حتى سنة 1933 وكان دوره هاماً في جمع شمل السريان بعد تشتتهم.
1934-1935: الأب الخوري ميخائيل برجاع.
1935-1937: الراهب يشوع صموئيل «مطران أميركا لاحقاً».
1937-1946: الأب عبدالنور شاشا
1947-1950: الراهب يعقوب أسمر العين وردي (المطران بعدئذ)
1951 -1978: الخوري روفائيل توما ابراهيم
1980-1978: المطران المتقاعد يعقوب أسمر
1994-1980: الأب جليل ماعيلو لكنيسة مار جرجس
2009-1997: الأب يعقوب يوحانون لكنيسة مار جرجس وحالياً الأب جاك حنا
1987-2009: الأب حنا شرياط لكنيسة السيدة وحالياً الأب جورج بحي

أما المطارنة: فقد رعى أولاً المطران أفرام برصوم «البطريرك لاحقاً» كنائس زحلة كجزء من أبرشية سوريا ولبنان، ثم المطران يوحنا كندور، ثم المطران يعقوب توما «البطريرك يعقوب الثالث لاحقاً» كجزء من أبرشية دمشق وبيروت، ثم المطران بهنام ججاوي، ثم المطران أفرام برصوم حيث كانت زحلة جزءاً من أبرشية لبنان.

وعند إستحداث أبرشية زحلة والبقاع، عين قداسة البطريرك مار إغناطيوس زكا الأول عيواص المطران صليبا توما الذي توفي سنة 2004، فعين قداسته المطران مار يوستينوس بولس سفر وهو المطران الحالي للأبرشية.
والجدير بالذكر أنه كان للمثلث الرحمات البطريرك يعقوب الثالث دور هام في تثبيت الوضع السرياني في لبنان، وفي زحلة خاصة حيث أوجد شبكة علاقات ممتازة خاصة مع رؤساء الجمهورية اللبنانية المتعاقبين الذين كان يحضهم على إعطاء الحقوق المشروعة للسريان في لبنان، كان قد أوجد عرفاً بأن يحضر رئيس الجمهورية اللبنانية قداس عيد الفصح الذي يحتفل به قداسة البطريرك يعقوب. ولكن الحرب اللبنانية الطويلة أثرت سلباً على كل الواقع المسيحي عامة والسرياني خاصة. لأنها ضيقت بشكل كبير على التواصل بين البطريركية والرؤساء والسياسيين، مما أثر سلباً على الواقع السرياني في لبنان و زحلة خاصة.

ومن الجدير بالذكر أيضاً، أنه منذ أن تسلم نيافة المطران بولس سفر زمام الإدارة في الأبرشية، بدأت تصدر مجلة فصلية تعنى بالمواضيع الروحية والاجتماعية وتنشر تباعاً بعضاً من تاريخ الأبرشية منذ قدوم السريان إلى زحلة،إلى جانب أخبار الأنشطة التي تقام في الأبرشية ومؤسساتها، كما تعنى الأبرشية بنشر كتيبات خاصة بالصلوات والليتورجية.

صورة editor3

editor3