في إطار جولتنا المتنقلة على المناطق والبلدات اللبنانيّة، نتوّقف هذه المرّة، أو بالأحرى تستوقفنا بلدةٌ هي في الحقيقة مدينة صغيرة في قلب لبنان. فهذه البلدة تكتسب أهميّة إستثنائية بفعل بعدها التاريخي والحضارات الكثيرة التي نشأت فيها، وأيضاً بفعل موقعها الجغرافي الإستراتيجي المطلّ على البحر والذي جعل من شحيم عاصمة إقليم الخروب ومركزاً تربوياً، ثقافياً، إقتصادياً وتجارياً حيويّاً للمنطقة وأهلها. وفي هذه البلدة كلّ شيء يبدو إستثنائياً، حتى رئيس البلدية السفير السابق زيدان الصغير الذي يُسخّر كافة علاقاته الديبلوماسية وخبرته الطويلة في العمل العام لخدمة البلدة وإنمائها على كافة المستويات من خلال سلسلة مشاريع رائدة تستحقّ كلّ الدعم والتقدير. فالريّس لا يهدأ ولا يتعب، يتحدّى الوقت من أجل وضع حجر الزاوية لكلّ المشاريع المخطط لها لأنّ التأسيس كما يقول هو الأصعب، خصوصاً في دولة مركزيّة صلبة تستنزف كلّ الوقت لإنجاز أبسط المعاملات الإداريّة الروتينيّة.
مع رئيس بلديّة شحيم، السفير السابق زيدان الصغير، كان لنا هذا اللقاء الحواري الذي تطرّق إلى مجمل النشاطات التي يقوم بها المجلس بالإضافة إلى أبرز التحديّات التي تواجه سير عمله.
نعمل من إجل إبراز منطقتنا على الخارطة السياحية اللبنانية
- لمحة عامة عن شحيم؟
بلدة شحيم تقع في جبل لبنان الجنوبي وتحديداً في إقليم الخروب كما تبعد عن العاصمة بيروت بحوالي 40 كلم، عدد سكّانها يقارب الـ 40 الفاً ومع إضافة السوريين والأجانب يتخطّى العدد الـ 50 ألفاً. بالنسبة إلى التسمية فهي سريانية تاريخية ومصادر عديدة تشير إلى أن المعنى هو «الجحيم للأعداء» وقد حرّفت لتصبح شحيم بمعنى مقبرة الأعداء. أمّا أهل البلدة فيمتازون بالتحصيل العلمي الرفيع في جميع الإختصاصات حتى ان نسبة الأميّة هي 0% فرأسمالنا هو علمنا وعملنا.
- من العمل الديبلوماسي إلى العمل البلدي، أيّ نقلة هذه؟
بالفعل إنّها قصّة غريبة بعض الشيء، بالنسبة لي الموضوع لم يكن في الحسبان بحيث كنت أخطط للإنصراف إلى الإهتمام ببعض الأمور الخاصة بعد التقاعد من منصب سفير، إلّا أن بعض الفئات إتصلت بي متمنّيةً عليّ خوض هذه التجربة على إعتبار ان المجلس البلدي بحاجة إلى شخصيّة ديناميكيّة يكون لها علاقات طيّبة مع الناس وخبرة معيّنة تمكّنها من خدمة البلدة. في البداية ترددت قليلاً لأنّ العمل الديبلوماسي يختلف كثيراً عن العمل البلدي ولكن أمام اصرار الأهل ورغبةً مني بتقديم المساعدات والخدمات إلى أهل شحيم قبلت خوض التجربة، على ان تكون بمثابة مرحلة تأسيسية والحمد لله تمكنّا من التأسيس لمشاريع تنموية كثيرة.
- ما هي أبرز هذه المشاريع؟
هنالك العديد من المشاريع التي نفتخر بها، في البداية أتحدث عن مشروع بناء القصر البلدي الذي تمكنّا من توفير الإمكانات اللازمة من أجل تنفيذه رغم ان تكلفته مرتفعة علماً بأنه سيجهز بالتكنولوجيا الحديثة، وكذلك نجحنا في معالجة أزمة النفايات، مع الإشارة إلى ان شحيم تنتج يوميّاً ما يزيد عن 20 طناً وهذه كميّة كبيرة إنما مع ذلك تخلصنا من هذه الأزمة بطريقة علميّة وليس عشوائيّة، ولم يعد هناك أي أثر لهذه المشكلة في حين ان القرى المجاورة كانت قد عانت من جبال نفايات.
ومن جهة أخرى، تواصلنا مع الجهات الدولية المانحة متستعرضين أوضاع البلدة وإحتياجاتها وكنّا نلقى تجاوباً ونتلقّى المساعدات، فنحن طرحنا مشروعاً طموحاً جدّاً كناية عن بناء مدينة رياضية في شحيم بكلفة تتجاوز الـ 9 ملايين دولار، وهذا المشروع إنطلق بمساعدة بسيطة من قبل وزارة الشباب والرياضة. بعد ذلك، قدمنا هذا الطرح لدولة الرئيس سعد الحريري الذي حمله معه إلى مؤتمر «سيدر» حيث تلقيّنا وعوداً بالمساعدة، ونحن نأمل في تنفيذ هذا المشروع الحيوي الذي يتضمن إنشاء ملاعب متنوّعة مع فندق صغير لإستضافة الفرق الأجنبية. هذا وإستطعنا أيضاً تحصيل مساعدات عينية لمعهد البلدة الفني بقيمة 150 ألف دولار لتجهيز المختبرات، بالإضافة إلى مشاريع بنى تحتية متنوّعة تتعلق بالصرف الصحي وغيرها. في الحقيقة نحن نعمل ما بوسعنا من أجل جعل شحيم تبرز على الخارطة اللبنانية مستفيدين من جميع المعالم السياحية التي تتمتع بها كالقصر الروماني التاريخي، ومعاصر الزيتون القديمة، والمقامات الدينية ومن أبرزها الكنيسة البيزنطية وغيرها من المعالم، وعملنا متواصل مع مع وزارة الثقافة لهذه الغاية. هذه عيّنة عن المشاريع التي نحن بصدد العمل عليها علماً أننا كنا نعاني من ضائفة هائلة بسبب موضوع النفايات.
- هل تعتبرون أن بلدات الإقليم هي من البلدات المحرومة؟
أنا أتذكر الرئيس الشهيد رفيق الحريري حين قال أن مناطق الأطراف ليست وحدها المحرومة إنّما الإقليم هو أيضاً منطقة محرومة. نحن نحتاج إلى الإنماء المتوازن، وفي الحقيقة حاولنا إستغلال الفترة الإنتخابية إلى اقصى حدودٍ ممكنة وطبعاً تلقيّنا العديد من الوعود على أمل أن ينفذ القليل منها لأنها ستكون كافية بالنسبة لنا.
- ما هي أبرز الصعوبات التي تواجه عملكم؟
الصعوبات هي في الحقيقة روتينية ولم أتفاجأ بها، غير أنني اعترف بوجود سباق مع الوقت لوضع كافة المشاريع المخطط لها على السكة الصحيحة كما سأكون حريصاً على نيل تعهّدٍ من رئيس البلدية القادم لإستكمال تنفيذ ما بدأنا به.
- كيف تعاملتم مع النازحين السوريين؟
لا شك بأن هؤلاء باتوا يشكلّون عنصر منافسة بالنسبة إلى التاجر اللبناني، إنّما لحسن الحظ هناك حالة تقبّل لوجودهم والتعامل معهم يتمّ على أساس أنّهم ضيوف. في شحيم يوجد ما يزيد عن 10 آلاف نازحٍ أي ما يقارب 25 % من سكان البلدة وهم طبعاً بمثابة عبءٍ ثقيل علينا لأنهم يستفيدون من الخدمات كافة من دون أي مقابل . لم تسجّل أيّة مشاكل مهمّة، قد تحصل بعض التجاوزات إنما البلدية هي دائماً حاضرة لضبط الوضع.
- هل تؤيدون اللامركزية الإدارية؟
لدي ملاحظلت كبيرة جدّاً على قانون البلديات الحالي والذي يجب تعديله. بالتأكيد يجب تطبيق اللامركزية ويجب منح ثقة مع صلاحيّات واسعة لرئيس البلدية. فنظامنا المركزي يشكل معاناة لنا يكفي أن أقول بأن المراسلات بيني وبين المحافظ وبين التنظيم المدني من أجل بناء القصر البلدي دامت ستة أشهر. هذه مشكلة كبيرة وإهدارٌ للوقت.