التبويبات الأساسية

ما من تاجر يشحن اللحم الفاسد

كثيرةٌ هي الأقاويل والإشاعات في زمن بات فيه رمي التهم أمراً سهلاً وسهلاً جدّاً، وكثيرة هي الإتهامات في زمن باتت فيه ملفّات الفساد تفتح إنتقائياً وتغلق عشوائياً فيما تبقى الحقيقة الكاملة مجهولة لدى الرأي العام .
لكلّ قضيّة رواية، وكلّ رواية تختلف بين صحيفة وأخرى، بين تقرير وآخر وبين منبرٍ وآخر، فيما الحقيقة قد تكون في مكان آخر مختلف تماماً. سميح الناطور، إسمٌ أثار جدلاً واسعاً في أوساط قطاع تجارة اللحوم بعدما تمّ التداول به على أكثر من منبر إعلامي كمتهم في قضية فساد تطال سلامة الغذاء الوطني. ولأننا في أسرة Private Magazine نحرص على إظهار أوجه الرواية الكاملة بعد أن تهدأ ثورة مواقع التواصل الإجتماعي، توقّفنا للحديث مع السيّد الناطور الذي رفض ربط إسمه بهذه القضيّة مستشهداً بمسيرته المهنية التي قامت على مبادئ رفض الظلم وفنّ إتقان العمل.
في بداية حديثه، يعود الناطور بالذاكرة إلى بداية مسيرته فيقول "حين أتيت إلى سوق اللحم في بيروت للعمل كنت أبلغ 15 عاماً، وأذكر أنني سألت أحد أرباب العمل من اللحامين إذا ما كان بحاجة إلى عمّال، فقبل بتوظيفي في مجال التنظيفات، وقد لفتته طريقة عملي لأنني أظهرت له إتقاني للمصلحة، فأنا أؤمن بأن إتقان العمل هو سرّ ومفتاح النجاح"، ويتابع فيقول: "كنت أعمل لساعات طويلة وطويلة جدّاً لقاء مبلغٍ مالي زهيد كنت أرسل أكثر من نصفه لأبي وأمي اللذين كانا يرزحين تحت فقرٍ مخيف. سبعة أشهر بقيت أعمل على هذا النحو، ثم ذهبت في زيارة إلى حمص للإطمئنان عن صحّة الوالدين، وحين عدت أحضرت لربّ العمل هديّة ثمينة تقدّر قيمتها بأضعاف راتبي، وأذكر أنه في اليوم التالي أتت زبونة إلى المحلّ إشترت لحماً بقيمة ليرة ونصف، وذهبت من دون أن تدفع، فقام ربّ العمل بحسم هذا المبلغ من راتبي، فأحسست بظلمٍ شديد وهذا الظلم كان هو الدافع الذي جعلني أغامر وأنجح."
في هذا السياق، يشير الناطور إلى أن الظلم يفيد الإنسان في أحيانٍ كثيرة بحيث يزيده شجاعةً وعزيمةً، حيث قال :" كلّ الظلم وكلّ الإفتراءات التي تعرضت لها في حياتي لم تزدني إلّا قوّة وإصراراً على مواجهة التحديّات، وهي رغم قساوتها لم تمنعني عن إبداء رأيي وتمسّكي بقناعاتي، إيماناً منّي بأنّ الشجرة المثمرة هي التي ترشق دوماً بالحجارة".
وحول عمله في سوق اللحامين يقول الناطور: " كنّا نعمل في هذه الأسواق بفرحٍ منذ ساعات الفجر الأولى، كنّا نعمل مع الجميع وللجميع"، مضيفاً: " لقد عملت بجهد وجدّ، كافحت، ناضلت، تعبت حتى أصل لما وصلت له اليوم، فقد كنت أقوم بفرم 700 إلى 800 كيلو من اللحم يومياً على يدي، وكنت أحمل العجل بوزن 200 كيلو بمفردي، لكن ورغم التعب كلّه كانت الأيّام خيّرة وكانت الأرزاق كبيرة والإنتاج وفيراً."
ويتابع حديثه قائلاً:"أتت الحرب وقضت على سوق اللحامين، إنّما لم تقضِ على عزيمتنا، فعملنا على إختلاق أسواق جديدة حتى لا يتوقف العمل."
أمّا عن الشركة التي أسّسها فيقول الناطور: "ان الشركة تعنى بشكلٍ أساسي بتجارة اللحوم والمواد الغذائية على صعيد لبنان، فأنا لديّ موهبة استثنائيّة في مجال اللحم وما قدمته لبلدي على صعيد تجارة اللحوم لم يقدمه أحد، بحيث قمت بإنشاء سوق تجاري هام ومنظّم في موقع المدينة الرياضية الحالي، ولكن للأسف أطلقوا عليه رصاصة الرحمة وقتلوه من دون أي تعويض."
ويتابع :" السوق الذي بنيته تمّ جرفه بساعات، ومع ذلك أجريت دراسة جديدة لمشروع جديد يضمّ مسلخاً ومحلاّت تجاريّة متنوّعة. هذا المشروع كان من المفترض أن يؤمن فرص عمل ويخلق حركة تجاريّة بحيث نصّدر من خلاله اللحوم ونزيد الدخل، على ان يكون موقعه في الطيونة في أرضٍ تبلغ مساحتها 11 دونم، إنما للأسف لم تُعر الدولة اي اهتمام لهذا المقترح الذي بقي مجرّد حبر على ورق."
وعن توجيه إتهامات له حول المتاجرة باللحم الفاسد فيقول:" إن كلّ تلك الاتهامات ملّفقة وليست سوى حملة ممنهجة لتشويه صورتي وضرب عملي، لأنه لا يوجد أي تاجر يشحن لحم فاسد. للأسف ظلمت كثيراً وتعرضت للأذى والخيانة ولكن أنا لن أعامل غيري كما تمّ التعامل معي، فإتكالي الدائم هو على الله الذي يحفظ لي حقي."
في نهاية الحديث وردّاً على سؤال حول مقترحاته لتنظيم هذه المهنة، فيرى الناطور بأن تنظيم هذه المهنة يجب أن ينطلق من النقابات التي يجب أن تكون فاعلة ومتحررّة من تأثيرات السلطة السياسية ومن مفاعيل الطائفية التي تتحكم ليس فقط بهذه المهنة انّما بكلّ مفاصل الحياة الاجتماعية والإقتصادية في البلد.

صورة editor2

editor2