هي واحدة من البلدات اللبنانيّة العظيمة التي دخلت التاريخ من بابه العريض بعدما منحها موقعها الإستراتيجي مميّزات إستثنائية جعلتها تكون واحدة من أهمّ وأكبر البلدات الصناعيّة والتجاريّة خلال العهد الفينيقي. هي الصرفند التي حطت فيها قدميّ يسوع المسيح.. هي الصرفند التي تردّد إليها النبي إيليّا... هي الشواطئ النظيفة.. هي الآثار الغنيّة.. هي الحضارة القيّمة، هي بإختصار مصدر فخر أبنائها الذين لا يوفّروا فرصة للنهوض ببلدتهم وجعلها تضاهي أهم المدن السياحية الساحلية في المنطقة.
عن أبرز معالم البلدة التاريخيّة وعن النهضة الإنمائية والتنموية يحدثنا رئيس بلدية الصرفند الأستاذ علي حيدر خليفة الذي سخّر كلّ وقته وطاقته لخدمة بلدته وأهلها من دون تذمرّ أو تلكؤ. وفيما يلي أبرز ما دار في الحوار:
1- في البداية كيف تقيمون الإنجازات التي حققتموها للبلدة؟
أنا أرفض الحديث عن إنجازات، فالبلديّة لديها واجبات ومسوؤليّات تُحاسَب عليها أمام أهل البلدة، كما أن أعضاء المجلس البلدي هم من إختار طوعاً القيام بهذه المهمّة وبالتالي لا يمكن إعتبار التقدم الذي تحقق بمثابة إنجاز إنّما نضعه في خانة المسؤولياّت الملقاة على عاتقنا كمجلسٍ منتخب من قبل أهل الصرفند.
2- ما الذي دفعكم إذن إلى الإنخراط في الشأن العام؟
أنا أعتبر بأن العمل في المجال العام هو عمل تطوّعي بحت، وأنا إنخرطت في هذا المجال منذ صغري، حيث كانت البداية مع الكشاف ولاحقاً في عالم الرياضة ثم العمل الإجتماعي، والناشط في هذا المجال يصبح حكماً تحت المجهر عند حصول أي إنتخابات، هذا بالإضافة إلى عامل السياسة الذي لعب دوراً على هذا الصعيد إلى جانب تشجيع أهالي البلدة. من هنا، تشكلّت لدي قناعة ذاتيّة بقدرتي على توّلي هذه المهمّة بكلّ صعوباتها ومتاعبها.
3- ما هي المشاريع التي تصدّرت إهتماماتكم كمجلسٍ بلدي؟
عند إستلامنا لمهامنا البلديّة عملنا على وضع لائحة إحتياجات مع التأكيد طبعاً على أهميّة الأعمال التي قامت بها المجالس البلديّة السابقة والتي أدّت دورها على أكمل وجه في هذا الخصوص، فنحن أتينا في وقتٍ كانت فيه معظم مشاريع البنى التحتية قد أنجزت كشبكات الصرف الصحي، خطوط المياه وغيرها، فيما نحن قمنا بإعادة هيكلة المشاريع بحيث وضعنا خطة لتأمين الحاجات الأساسيّة التي هي في طبيعة الحال أولوّيات مطلقة بالنسبة لأهل البلدة.
ففي موضوع الكهرباء، كانت الصرفند تتغذّى من معمل الجية عبر محطة التحويل في المصيلح الأمر الذي جعلنا نعاني من مشلكة أساسية ألا وهي انقطاع التيار الكهربائي الذي يضاف إلى التقنين الموجود أساساً، فبادرنا إلى حلّ هذه المعضلة بمساندة دولة الرئيس نبيه برّي بحيث تمكّنا من تأمين تغذية البلدة من محطة الزهراني الأقرب إلينا وبذلك إستطعنا حلّ جزء كبير من المشلكة.
في موضوع المياه، قمنا بإستكمال مدّ شبكة خطوط المياه في البلدة، لكن المشكلة تكمن في عدم وجود إكتفاءٍ كلّي، بمعنى ان 60% من الناس قد استوفوا احتياجاتهم المطلوبة، فيما الـ 40% المتبقيّين لم يتمكنوا من إستيفاء حاجتهم بطريقة مستقرّة، وهنا أتكلّم عن 12 ألف نسمة تقريباً. نحن هنا كمجلسٍ بلدي قمنا بالدور المطلوب منّا على هذا الصعيد، بحيث عمدنا إلى حفر آبار إرتوازيّة واليوم يمكن القول بأن 90% من إحتياجات السكان باتت مؤمنّة، وبذلك نكون أيضاً حققنا حاجة أساسيّة جدّاً خصوصاً لبلدة سياحيّة كالصرفند.
في موضوع الصرف الصحي، كان لدينا مشكلة بالنسبة إلى المنازل التي تقع غرب شارع صيدا - صور الرئيسي، حيث منسوب المياه أدنى من خط ّ الصرف الصحي الذي يمرّ في الصرفند، اليوم هذه المشكلة هي قيد المعالجة عن طريق مجلس الإنماء والإعمار ومشروع الحلّ بات في مرحلة التلزيم، ونحن نعتبر هذه الخطوة إستراتيجية، على إعتبار أن المشروع هو من أهمّ المشاريع الحيوية في منطقة يحتلّ شاطئها المرتبة الثانية من حيث النظافة.
أمّا فيما يتعلٌق بموضوع النفايات، فقد كنّا سبّاقين في إيجاد الحلول اللازمة لحلّ هذه المأساة، ذلك أن البلديّة السابقة كانت قد تعاونت مع الجمعيّات الأهليّة في مشروع الفرز من المصدر، غير أن هذا النوع من المشاريع يتطلب أكثر من معيار للنجاح، إذ هو يحتاج إلى تثقيف مجتمع بأكمله وتأهيله لهذه العمليّة، والبداية يجب أن تكون من العائلة والمنزل. البلديّة من ناحيتها، إهتمّت في معالجة هذا الموضع وقد أنشئ مركز فرزٍ لهذه الغاية، إنّما المشلكة تكمن في الإستمرارية والتوعية. فنحن أيضاً لدينا مشكلة على مستوى مكبّ النفايات الذي نعتمده، فهو لا يستوفي المعايير الصحّية ولا البيئيّة، لكن للأسف لا نملك خيارات أخرى، مع الإشارة إلى أن إتحاد بلديّات المنطقة تمكّن بالتنسيق مع وزيرة التنمية الإدارية الدكتورة عناية عز الدين وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وبعض المنظمات الدولية من تأمين تمويل مركز للفرز والمعالجة بقيمة 4.5 مليون يورو ومن المقرّر أن يتمّ تشييده في خراج بلدة المروانية في وقت قريب.
4- ماذا عن أهل الصرفند؟
في الحقيقة حاز موضوع التنمية البشرية في الصرفند على جزء كبير من إهتماماتنا كبلديّة، بحيث أن نصف أهدافنا تصبّ في هذه الناحية، فنحن لم نكتف بإلقاء الضوء على العديد من المشاكل الإجتماعية فحسب، بل عملنا أيضاً على معالجتها، فنحن على سبيل المثال من أوائل البلديّات التي تحارب آفة المخدرات ولدينا آلية منظمة لهذه الغاية بالتنسيق مع بعض الجمعيات المعنيّة التي نتعاون معها لمكافحة هذه الظاهرة التي تغزو مجتمعاتنا، وهذا الموضوع ليس بالأمر السهل أبداّ، على إعتبار ان مشكلة التعاطي ليست مشكلة مجتمع محلي أو مجتمع مدني والحلّ يكون في البحث عن المسببّات وتوفير البدائل، نحن نبذل قصارى جهدنا للتصدي لهذا الموضوع.
على خطٍّ موازٍ، أطلقت البلديّة مشروع بناء المواهب الذي حقق نجاحاً لافتاً بعد تسجيل أكثر من 300 شاب وصبية بينهم مواهب إستثنائية جدّاً، فنحن نسعى إلى إكتشاف المواهب ونساعدها على الإحتراف والتميز.
كذلك أنجز المجلس البلدي قاعة رياضية مقفلة والتي تعتبر من أهمّ الملاعب المقفلة في لبنان، وكان ذلك بمسعى من دولة الرئيس بري الذي وقف بجانبنا ككلّ إستحقاق. اليوم نحن نعمل على إنشاء مستشفى حكومي عن طريق مجلس الإنماء والإعمار وبتمويلٍ من البنك الإسلامي على أمل ان يفتتح أبوابه خلال سنة ونصف من اليوم، وهناك أيضاً سوق خضار مركزي قيد الإنشاء ما يؤمن أيضاً أكثر من 300 فرصة عمل للشباب. هذا بالإضافة إلى مشاريع مشتركة كثيرة نقوم بها مع الأندية والجمعيّات ذات الطابعٍ البيئي والثقافي والتراثي، فنحن نعمل على تنشيط السياحة الدينية التي نملك مقوّماتها في الصرفند بما يؤثر إيجاباً على الدورة الإقتصادية. كذلك نعمل حالياً على موضوع الأشغال الحرفية مع إحدى المنظمات الإيطالية التي تموّل مشروعاً لإنشاء معهد للحرف اليدوية. بإختصار يمكن القول أن كلّ المشاريع باتت على السكة الصحيحة وكلّها تصبّ في خدمة التنمية.
5- كيف تنظرون إلى مبدأ اللامركزية الإدارية وهل هو ضرورة لعملكم البلدي؟
اللارمزيّة الإداريّة هي أساس العمل البلدي، نحن بالتأكيد نطالب بها ونتأمل من فخامة الرئيس ميشال عون أن يبادر الى تطبيق هذا القانون على إعتبار انه يشكّل أحد الأهداف الذي وعد بتحقيقه. فمن دون اللامركزية يكون العمل البلدي فاشلاً خاصة وأن عملية اختيار المجالس البلدية تكون في العادة عملية حزبية عائلية غالباً لا تصيب الهدف، غير أنّ تطبيق اللامركزية يزيل الكثير من العوائق لا سيّما الروتين الإداري القاتل، بحيث يجد رئيس البلدية نفسه صاحب صلاحيات وصاحب سلطة يستطيع من خلالها القيام بإنجازات حقيقية.
6- ما هي أبرز العوائق التي تعرقل عملكم البلدي؟
طبعاً، العائق الأوّل بالنسبة لنا يبقى العائق المالي، فالتعويضات التي تتقاضاها البلدية من الصندوق البلدي المستقل تبقى محدودة جداً حتى لا تكفي لدفع رواتب الموظفين، لذلك نحن نتمنى معالجة مشكلة التمويل، وبالمناسبة توجد العديد من المصادر التي تدر أموالاً على البلديّات ولا نعلم لماذا لا نستفيد منها، فعلى سبيل المثال يتيح القانون لكلّ بلديّة أن تتقاضى 10% من قيمة فاتورة الكهرباء، وأنا تقدمت بطلب إلى شركة الكهرباء ووزارة الوصاية سألت فيه عن هذا الموضوع غير أنني لم ألق جواباً، كذلك يحق للبلديّة أن تستوفي 25% من قيمة ضبط مخالفة السير، وغيرها وغيرها من المصادر التي يمكن إدخالها إلى ميزانية البلديّة وعلى وزارة الداخلية أن تتحقق من هذه المواضيع.
وما يزيد الطين بلّة طريقة توزيع الموازنات على الوزارات بالإضافة إلى الجباية، فهذه مواضيع أساسيّة وضروريّة لإنماء البلديات. فالقوانين المعمول بها حالياً والتي تتعلٌق بموضوع الجباية والإعفاءات هي فعليّاً قوانين بالية بحيث تُبقي رئيس البلدّية مقيّد الحركة بفعل العلاقات العائلية والحزبية التي تفعل فعلها في القرى والبلدات الصغيرة نسبياً. من هنا نطالب بضرورة تعديل القوانين حتى ترتفع نسبة الجباية، ولا ننسى أن المسألة هي أيضاً مسألة ثقافة، فالناس بطبعها لديها نفور من السلطة وتتهرب من دفع مستحقاتها، لذلك نحتاج هنا أيضاً إلى القيام بحملات توعية لهذه الغاية.
7- كيف تستعدون لموسم الصيف القادم؟
نحن لغاية اليوم لم نعط المشاريع الصيفيّة حقها كما يجب لأننا كّنا بصدد التفتيش عن الأولويّات، علماً أن أول نشاط صيفي قمنا به كان صنع أكبر سمكة حرة وقد سجل هذا الإنجاز في كتاب «غينس» للأرقام القياسية، وفي الحقيقة لم يكن الهدف تسجيل هذا النشاط في كتاب «غينس»، بقدر ما كان يهدف الى الإضاءة على قطاع صيد الأسماك الذي تعتاش منه أكثر من 500 عائلة هنا وهو قطاع حيوي جدّاً بالنسبة الى المنطقة. السنة نخطط لإحياء مهرجانٍ ثقافي فني، يتخلله يوماً للشعر الحديث وآخر للشعر الزجلي، بالإضافة إلى يوم فني تحييه فرقة فولكورية، ومسرحيّات وغيرها من النشاطات.
8- كلمة ختامية لأهل الصرفند...
أهل الصرفند يعلمون أنّه بعد مرور سنة على تسلمنا مهامنا قمنا بدعوتهم إلى جمعيّة عموميّة إذا صح القول حتى يحاسبوننا على أدائنا، وهذه السنة سنعيد تكرار هذه الخطوة حتى نبقى أهلاً لثقتهم. وفي النهاية أقول لأهلنا لكم حقوق وعليكم واجبات، وإستمرارية البلدية تتوقف على التعاون فيما بيننا وأيضاً على الدعم المادي، لذلك فإن دفع المستحقات المتوجبة عليكم أمرٌ ضروريّ حتى نستمرّ في تحقيق الإنماء المطلوب للصرفند.