لا شك أن وفاة النجم الأرجنتيني مارادونا كانت أتعس خبر يتلقاه محبو كرة القدم هذه السنة بالرغم من المشكلات العديدة التي طالت اللعبة الجماهيرية الأولى.
وحتى اللحظة لا تزال حالة كبيرة من الصدمة تعيشها جماهير نجم برشلونة ونابولي السابق، وذلك بعد تعرض الأخير لسكتة قلبية تسببت في مفارقته الحياة.
وُلد دييغو مارادونا في 30 تشرين الأول 1960 في لانوس، إحدى ضواحي بوينس آيرس الفقيرة. بدأ مسيرته مع نادي أرجنتينوس جونيورز قبل عيد ميلاده السادس عشر، واستهل بعدها مشواره مع منتخب بلاده عام 1977.
قال في سن السابعة عشرة: «لدي حلمان، الأول أن أشارك في كأس العالم والآخر أن أحرزها». مرّ مارادونا الذي اختير رياضي القرن في الأرجنتين، في علاقاته مع بطولات كأس العالم بشتى المراحل بحلوها ومرّها على مدى 16 عاماً.
شارك في مونديال إسبانيا 82 للمرة الأولى وكانت فرصة له للتعويض عما فاته في كأس العالم السابقة. ولأن الأرجنتين كانت حاملة اللقب، سُلطت الأنظار عليها ونال مارادونا قسطاً من الأضواء، خصوصاً أنه كان وقّع عقداً للانتقال إلى برشلونة الإسباني. وعلى الرغم من تسجيله هدفين، فإن حادثة طرده في المباراة ضد البرازيل في الدور الثاني بقيت عالقة في الأذهان.
بلغ الذروة عام 86 في مونديال مكسيكو عندما قاد منتخب بلاده إلى اللقب الثاني بعد 1978.
ويمكن إطلاق اسم مونديال مارادونا على كأس العالم 86؛ لأن النجم الأرجنتيني طبع البطولة بطابعه الخاص.
وكانت المباراة ضد إنجلترا مشهودة لأنها اتخذت طابعاً سياسياً من جراء حرب الفولكلاندز بين الدولتين، وقد سبقتها حرب كلامية بين المعسكرين. انتهى الشوط الأول بالتعادل السلبي، وفي مطلع الشوط الثاني سجل مارادونا هدفاً بيده في مرمى الحارس بيتر شيلتون فاحتج الإنجليز طويلاً، لكن الحكم التونسي علي بن ناصر لم يكترث وأصر على احتساب الهدف. واعترف مارادونا بعد المباراة بأنه استعمل يده للتسجيل، معتبراً أنها «يد الله»، بحسب قوله.
وبعد أربع دقائق سجل مارادونا أجمل هدف في تاريخ كؤوس العالم؛ إذ قام بمراوغة ستة لاعبين إنجليز، بمن فيهم الحارس قبل أن يودع الكرة في شباكهم.
وبمجهود مارادونا، تمكنت الأرجنتين من الفوز بكأس العالم بنتيجة 3-2 على ألمانيا الغربية.
وفي مونديال إيطاليا 90، ذرف مارادونا دمعة شهيرة بعد خسارة النهائي أمام ألمانيا الغربية. آنذاك قاد منتخب بلاده تقريباً بمفرده، قبل أن يسقط فريقه بركلة جزاء متأخرة لأندرياس بريمه. ودّع مارادونا المونديال من الباب الضيق بسبب حادثة المخدرات التي كان بطلها في مونديال الولايات المتحدة 94.
تعملق في المباراة الأولى ضد اليونان وقاد الأرجنتين إلى فوز كبير (4 - صفر) وسجل هدفاً رائعاً وخاض الدقائق التسعين بأكملها. حافظ على مستواه في المباراة الثانية ضد نيجيريا، لكنها كانت الأخيرة له بعد ثبوت تناوله منشطات من خمس مواد ممنوعة، فسحبه الاتحاد الأرجنتيني من صفوف المنتخب قبل أن يوقفه الاتحاد الدولي 15 شهراً.
على صعيد الأندية، انتقل إلى نادي القلب بوكا جونيورز في 1981 محرزاً معه لقبه المحلي الوحيد. ترك بصفقة قياسية إلى برشلونة في 1982، ومعه اكتفى بلقب الكأس المحلية في 1983، غاب لفترة طويلة بعد اعتداء لاعب أتلتيك بلباو اندوني غويكوتشيا عليه وكسر كاحله؛ ما مهد لانتقاله إلى الدوري الإيطالي.
كان العلامة الفارقة في تاريخ نادي نابولي الجنوبي (1984 - 1991). عرف معه مجداً محلياً وقاده إلى إحراز لقب الدوري في 1987 و1990، والتتويج بلقب كأس الاتحاد الأوروبي 1989. لكن مارادونا عاش حياة صاخبة خارج الملاعب. أكد مراراً أن اصعب منافسة خاضها منذ احترافه هي التوقف عن تعاطي المخدرات، علماً بأنه أنفق الكثير من المال للتخلص من هذه الآفة. سافر إلى جنيف وتورونتو وإسبانيا وكوريا الجنوبية ليجد الدواء الشافي في مصحاتها، قبل أن يتعرض لنكسات طبية متلاحقة في السنوات الأخيرة.
وكانت لمارادونا مواجهة دائماً مع الصحافيين والإعلاميين إلى حد أنه شبه حاله عندما كان يواجه ضغطاً من هؤلاء بالحال التي كانت عليها الليدي ديانا أميرة ويلز التي قضت في حادث، ورأى أن "الصحافيين تخطوا حدودهم معي ومعها".
وكان سقوط مارادونا في وحول المخدرات إيذاناً بإعلان نهاية مسيرة الولد الذهبي على الصعيد الدولي ليخرج بالتالي من الباب الضيق. بعد نابولي، انتقل إلى إشبيلية الإسباني لموسم وبعده نيولز أولد بويز المحلي، ثم ختم مسيرته في بوكا جونيورز.
في العقدين الأخيرين، تحول إلى التدريب. لكن مشواره لم يكن ناجحاً، مع منتخب الأرجنتين (2008 - 2010) أو في الإمارات العربية المتحدة والمكسيك.
بعد مشكلاته مع المخدرات خضع لإعادة تأهيل. وبعد تركه الكوكايين، وقع في فخ الكحول، السيغار والبدانة لينتهي الأمر به في المستشفى عام 2007.
كان مدافعاً شرساً عن الزعيم الكوبي الراحل فيدل كاسترو، وظهر وشم الأخير بشكل واضح على كتفه، كما كان من أنصار الزعيم الفنزويلي هوغو تشافيس. تزوج صديقته كلاوديا فيلافان عام 1984 ولهما ابنتان: دالما وجانينيا، قبل طلاقهما عام 2004. لديه ولد اسمه دييغو جونيور ولد في نابولي عام 1986، وقد اعترف بأبوته فقط في 2004.
وعاش مارادونا مسيرة حافلة داخل وخارج الملعب، وامتلك قدرة كبيرة على لفت الأنظار بشخصيته القوية والمميزة وتصريحاته النارية.
ومن أهم وأشهر التصريحات التي أدلى بها أسطورة الأرجنتين طوال مسيرته:
"إذا كان بيليه هو بيتهوفن، فأنا رون وود وكيث ريتشاردز وبونو في لاعب واحد، لأنني كنت الجانب العاطفي من كرة القدم"
"بغض النظر عما يحدث، ومن هو المسؤول، القميص رقم 10 سيظل دائمًا ملكي"
"الوصول إلى منطقة الجزاء وعدم التسديد على المرمى يشبه الرقص مع أختك".
"كرة القدم لا تزعجني، ولكن ما يحيط بها، هناك بعض المسؤولين عن الأندية يعملون بجد من أجل التقاط الصور أكثر من مصلحة النادي".
"هل لاحظت كيف يبدو شكل كريستيانو رونالدو ومدى حيويته؟ يسجل هدفًا ويبيع لك الشامبو"
"كرة القدم هي أجمل رياضة صحية في العالم، لا ينبغي أن تدفع اللعبة أخطائي، هي ليست مسؤولة عن أي شيء".
"في البداية المخدرات تجعلك مبتهجًا، مثل الفوز بالبطولة، لذلك تسأل نفسك، من يهتم بالغد؟ لقد فزت ببطولة اليوم"
"الفقر صعب جدًا، كنت أعرفه جيدًا، تري الكثير من الأشياء وكل ما يمكنك فعله أن تحلم فقط، سيكون من الرائع لو كان هناك المزيد من العدالة بين الذين لديهم القليل وأولئك الذين لديهم الكثير".
"أنا محظوظ ولكن فقط لأن ذلك كان بمشيئة الله، جعلني ألعب بشكل جيد، وأعطاني القدرة منذ ولادتي، لهذا السبب أقوم بوضع الصليب في كل مرة أدخل فيها أرض الملعب".
"ميسي يسجل هدفًا ويحتفل بشكل طبيعي، لكن رونالدو يفعل ذلك وكأنه في إعلان للشامبو".
"لقد رأيت اللاعب الذي سيرث مكاني في كرة القدم الأرجنتينية، واسمه ميسي، ميسي عبقري".
"لا يوجد هناك نقاش حول أفضل لاعب كرة قدم شهده العالم، أنا أم بيليه؟ الجميع سيقول أنا، وعلى بيليه العودة للمتحف".
"في حال مت أتمنى أن أعود إلى الحياة وأصبح لاعب كرة قدم مثل مارادونا".
"أنا لاعب كرة قدم منح الناس السعادة وهذه يكفي".
"أمي تعتقد أنني الأفضل، وأنا تربيت على هذا الأساس".
"أكره كل شيء مصدّراً من أميركا".
"مشاهدة ميسي يلعب أفضل من مشاهدة الجنس".
وعن مونديال 1994 قال: "قطعوا ساقي ولم يسمحوا لي بالدفاع عن نفسي، لم أتعاط المخدرات ولا أعرف ما حدث، أقسم أنني لم أتعاطى المنشطات لكني أرى أنهم لا يهتمون".
وقال عن الهدف الذي سجله بيده أمام انجلترا: "هذا الهدف تم تسجيله قليلًا برأس مارادونا وبالقليل من يد الرب".