التبويبات الأساسية

حكومة أو لا حكومة؟ ترجيحات من هنا وترجيحات من هناك والكل ينظِر فمن مهلل لقرب الولادة ومن مبشر باستحالتها مع ما يترافق ذلك من تهديدات وزعزعة أمنية وتحركات شارع أو شوارع ظاهرها مطلبي وباطنها سياسي بامتياز، كل طرف يحاول شد الحبل إلى جهته مع ما ترافق من انتخابات نقابية كان الفوز فيها لجماعة المعارضة التي أصبح لها مئة محبذ ومحبذ، ولا ضير إذا دخلت فيها أحزاب ونواب كانوا إلى ماضٍ قريب منضوين ضمن مجموعات سياسية تركوها مكرهين لأنها لم تلبي أطماعهم السياسية، فهذا يريد أن يسمى وزير والاخر يريد أن يكون الأول إلى ما هنالك من مطالب لتعيين مدير من هنا أو سفير من هناك أو عفو على جرم من هنالك.
وفي هذه العجالة تزداد النصائح الدولية التي اقتربت من أسلوب الأمر واستعمال سياسة الترغيب والترهيب، مع ما يرافقها من حرص معلن على مصلحة لبنان وسيادته ووحدة أراضيه، حتى كدنا نصدق أن "الأجنبي" هو حريص على مصلحة اللبنانيين من اللبنانيين أنفسهم، وقد ذهبت بعض المراجع لتحميل اللبنانيين مسؤولية الكارثة التي حلت بهم، وهم نسوا أو تناسوا أنهم هم المسؤولون عن وجود أكثر من 1،5 مليون نازح سوري وحوالي 500 ألف لاجىء فلسطيني يعيشون على الأرض اللبنانية ويشكلون أكثر من نصف عدد سكان لبنان المقيمين فيه وهؤلاء ساهموا في تفجير الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان، كذلك هم يتنصلون من مسؤوليتهم في تسمية الجهة التي فجرت المرفأ ويبحثون عن مقصر من هنا ومستفيد من هناك من وجود نيترات الأمونياك في مرفأ بيروت، وفجأة اصبحت بيروت خارج نطاق تغطية أقمارهم الصناعية التي تراقب 24 على 24 السماء والأرض والبحر اللبناني.
فما معنى هذا الحرص الزائد وهذا الحب من طرف واحد؟
مع ما يجري اليوم نستذكر المعزوفة الأميركية الأوروبية التي كنا نسمعها طيلة سني الحرب اللبنانية حول تشديد المجتمع الدولي على وحدة وسلامة الأرض اللبنانية مع الحفاظ على سلامة ابنائه وإعلان المراجع الأممية عن الالتزام بقرارات مجلس الأمن رقم 242 والقرار 425 القاضيان بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة وجنوب لبنان وكل قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ومع كل إعلان وتبني كانت إسرائيل تكرر اعتداءاتها على لبنان وجنوبه وبنيته التحتية، وما يحصل اليوم من نداءات أممية لتشكيل حكومة "مهمة" والتي لم تؤدي إلى شيء بل على العكس تماماً، فمع كل نداء تبرز عقد جديدة لم تكن موضع بحث أو كانت لتشكل أزمة في السابق، وهكذا يصار تباعاً إلى رفض الثلث الضامن أوالمعطل وذلك بالرغم من إعلان العهد والتيار الوطني الحر عن عدم تمسكهما به ورفض المثالثة التي لم تكن ظاهرة قبل مبادرة الرئيس بري واخيراً وليس آخراً رفض المرابعة وغيرها وغيرها، والسؤال البديهي الذي يطرح ماذا وراء النداءات والمبادرات؟ هل هي نداءات ومبادرات للحل أو التعطيل وبالتالي جعل تشكيل الحكومة من رابع المستحيلات؟ وهل بات عدم التشكيل هو أمر اليوم وذلك حتى يقضي الله أمراً كان مكتوباً.
فما هي حقيقة المواقف الداخلية؟
من نافل القول أن فخامة الرئيس يريد حكومة تمكنه من استعادة ثقة اللبنانيين وتنفيذ برنامجه الإصلاحي الذي طالما وعد اللبنانيين به، فليس صحيحاً أن فخامته لا يريد حكومة وأنه سيعمل على إبقاء الفراغ حتى نهاية العهد، فهذا الخيار ليس من مصلحة العهد ولا من مصلحة التيار الوطني الحر، وبالتالي فإن وجود حكومة كاملة الصلاحيات تقف إلى جانب الرئيس وتعمل على حل المشاكل الاجتماعية وتضع برنامجاً للنهوض الاقتصادي وتعمل على تطبيق الإصلاحات الضرورية، من التدقيق الجنائي إلى ملف الكهرباء والدولار وارتفاع الأسعار ومشكلة فقدان المحروقات والدواء ومشكلة الطبابة.
والسؤال البديهي هو إذا كان الرئيس يريد حكومة فلماذا لا يسهل ولادتها؟
إن موقف فخامة الرئيس واضح فهو لا يريد أن يكرس أعرافاً جديدة في التشكيل وهو لا يريد أن يشكل حكومة خارج إطار الميثاق والدستور وخارج إطار الشراكة الحقيقية بينه وبين الرئيس المكلف، فرئيس الجمهورية هو شريك أساسي في تشكيل الحكومة فالمراسيم التي تشكل بموجبها الحكومة لا يمكن أن تصدرإلا مذيلة بتوقيعه اي بالعربي المشبرح الحائزة على رضاه، وفخامته لا يمكن ولا بأي شكل من الأشكال أن يتنازل عن هذه الصلاحية الوحيدة التي أعطاه إياها اتفاق الطائف، فدستور الطائف أناط هذه الصلاحية برئيس الجمهورية وذلك تكريساً لمبدأ الشراكة، فالرئيس الذي يقبل باستباحة هذه الصلاحية هو رئيس ضعيف ويصبح من بعد الرئيس عون سيان إذا جئنا برئيس قوي أوبرئيس ضعيف على شاكلة "أبوطحين" وهو اللقب الذي أعطي للأمير بشير الشهابي الثالث.
فماذا عن موقف الرئيس المكلف؟
من الواضح أن الرئيس المكلف هو عالق بين شاقوفين
الأول هو رفض المملكة العربية السعودية دعمه بشكل علني
ثانياً لقد ذهبت المملكة إلى أبعد من ذلك عندما قام السفير وليد البخاري بزيارة لأقدم مسجد في إقليم الخروب في بلدة مزبود، ومن ثم قام بزيارة دير المخلص، كل ذلك برفقة المهندس سمير الخطيب المرشح المعلن لرئاسة الحكومة والذي استضاف البخاري غلى مائدته.
لقد فهم جيداً الرئيس المكلف سعد الحريري الموقف السعودي القديم والمستجد وهو يحاول "القوتبة" على هذا الموقف وذلك بقلب الطاولة على السياسة الحريرية التي اتبعها والده والقاضية باتباع نهجاً وسطياً منفتحاً على الجميع لا سيما على الشريك المسيحي والشريك الشيعي والدرزي، فسعد الحريري انقلب على هذا النهج وهو يتبع الأسلوب الراديكالي المتشدد وذلك من طريق شد عصب الشارع السني والإيحاء بالمطالبة بحقوق السنة، فالحريري الذي خسر في الإقليم يحاول التعويض في الداخل سيما ونحن على أبواب انتخابات نيابية من المرجح أن تجرى في أيار المقبل.
والسؤال هو هل يستطيع الحريري وكما وضع مرسوم التكليف في جيبه أن يضع ورقة التشكيل أيضاً بحيث يبقي البلد بدون حكومة حتى موعد الانتخابات النيايبية؟. اللعبة واضحة فهي ليست فقط عملية شد حبال بين فخامة الرئيس والرئيس المكلف بل إنها عملية عض أصابع بين الحريري وبين المملكة وداعمي المملكة في الداخل والإقليم، فمن يقول آخ أولاً؟
*كاتب سياسي

صورة editor3

editor3