افتتح نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة العامة غسان حاصباني، صباح اليوم في "معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية" في الجامعة الاميركية، مؤتمر "تبادل المهارات في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا"، بعنوان: "الزخم العالمي نحو تعزيز قدرة المجتمع على الصمود: هل منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا متأخرة؟"، الذي ينظمه الصليب الاحمر اللبناني بالتعاون مع المعهد، في حضور ممثل الأمين العام لمجلس الوزراء بلال الغالي، الأمين العام للهيئة العليا للاغاثة اللواء محمد خير، ممثل الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع العقيد وليد شعار، نائبة رئيس الصليب الاحمر مريم غندور، الامين العام للصليب الاحمر جورج كتاني، مستشار وزير الصحة الدكتور بهيج عربيد، وممثلين عن سفارتي المانيا وسويسرا والوكالة الايطالية للتنمية والوكالة السويسرية للتنمية وعن الصليب الاحمر والهلال الاحمر في الشرق الاوسط وشمال افريقيا ومهتمين.
ياسين
بعد النشيد الوطني والوقوف دقيقة صمت على نية شهداء الكوارث، تحدث ممثل رئيس المعهد الوزير السابق طارق متري الدكتور ناصر ياسين، فأشار الى ان "لبنان والمنطقة تعرضا لازمات قاسية من الحروب وعدم الاستقرار، لكنهما تعلما منها كيفية الصمود والمواجهة والقدرة على التعافي". ورأى ان "لبنان واجه وما زال، اكبر ازمة نزوح في العالم من حيث حجمها في هذا البلد الصغير، في غياب اي اهتمام دولي جدي لمساعدته على التعامل معها. وان لبنان والمجتمعات المحلية المضيفة هم اكثر من تحمل اعباء هذه الازمة وتبعاتها". وشدد على "حاجة اللاجئين والمضيفين اللبنانيين لمقومات الصمود وللمساعدة على التعافي والنهوض".
واخذ على المجتمع الدولي نظرته الخاطئة لازمة النازحين "على انها مشكلة محلية لبنانية وتحتاج لحلول لبنانية، في حين انها ازمة خارجية على المجتمع الدولي، تحمل مسؤوليتها وليس التنصل منها كما هي الحال الان". وشدد على "تداعيات هذه الازمة على الاستقرار في لبنان وتعاظم حاجات اللاجئين والمجتمعات المضيفة على السواء". واكد أن "التعافي هو مسألة تحتاج لتضافر جهود كل القوى المسؤولة عن الازمة وليس مسؤولية من يتحمل تبعاتها".
حاصباني
والقى الوزير حاصباني كلمة، حيا في مستهلها "الصليب الاحمر اللبناني وكل من ساهم في تنظيم هذا المؤتمر، والصليب الأحمر اللبناني تربطنا به علاقة شراكة وتنسيق".
وقال: "إن أهمية هذا المؤتمر، ان منطقتنا العربية تعاني من أحداث خطيرة مخلفة وراءها المآسي الانسانية والدمار والخراب، والأخطر من كل ذلك إننا لا نرى في الأفق بدايات النهاية. ولبنان وكما تعلمون، نال نصيبا كبيرا من الكوارث والأحداث، وكلها من صنع الانسان، من الأحداث الداخلية 75-89 إلى الحروب مع العدو الصهيوني 82-96 و 2006، إلى التفجيرات الارهابية والاغتيالات، وانتهاء بالاحداث في سوريا الشقيقة وتداعياتها الكارثية على لبنان في كل المجالات والصحية منها بنوع خاص. فنحن معنيون بهذا المؤتمر وتوجهاته وحداثة الأفكار التي يمكن أن تطرح فيه".
اضاف: "الحضور الكريم، لنا الحق في القول اننا في لبنان نمتلك خبرات واسعة في الاستجابة للكوارث مع كل الأحداث التي ذكرت. لن أغوص في التفاصيل، سأتركها لعنايتكم، بل سأتوقف أمام بعض الخلاصات التي توصلنا اليها نتيجة للممارسات الحية خلال الأحداث. أولا: لا بد من الاشارة إلى اننا في لبنان نمتلك سوقا صحيا كبيرا متنوع الخدمات وموزع بشكل جيد على كافة المناطق. الأمر الذي سهل استيعاب الأحداث ونتائجها الانسانية. ثانيا: التشديد على اهمية الشراكة الكاملة بين الادارات العامة والقطاعين الخاص والأهلي والمهن الطبية. هذه الشراكة ساهمت وبفاعلية بالتخفيف من هول الكارثة. والحقيقة أننا نمتلك قطاعا خاصا استشفائيا معروف بديناميكيته وفاعليته وعراقته. كذلك نمتلك قطاعا أهليا نعتبره ثروتنا الوطنية. يجب الحفاظ على هذه الشراكة وتعزيزها وتطويرها. ثالثا: نشدد على أهمية العمل لاعتماد استراتيجية وطنية للاستجابة للكوارث. وتم إنجازها والتدريب على تنفيذ مكوناتها.
والمهم ايضا ان تمتلك كل مؤسسة صحية خطتها للطوارئ وجرى تنفيذ دورات تدريب للمستشفيات والمؤسسات الأهلية لوضع خطتها، وذلك بالتعاون مع نقابة المستشفيات الخاصة ومنظمة الصحة العالمية".
وتابع: "رابعا: من الأهمية بمكان أن نطور النظام المعتمد حاليا للطوارئ. فهو ما يزال بحاجة للتحديث والتطوير، أكان على مستوى النظام والمؤسسات والأفراد. مع تقديرنا الكامل للخدمات التي يقدمها الصليب الاحمر اللبناني. خامسا: التشديد على أهمية بناء نظام معلومات شامل للقطاع الصحي GIS Geographique Information System ونحن ونقابة المستشفيات نمتلك ذلك. ويحتاج بصورة دائمة إلى التحديث والطوير. سادسا: يجب أن نعرف ان كل كارثة تنتج حالة نزوح لأعداد كبيرة من المواطنين من مناطق الأحداث إلى مناطق أكثر أمنا. هذه العملية تعتبر في نظرنا من أصعب وأخطر ما واجهناه خلال كل أنواع الكوارث (الحربية). وهنا يبرز الدور الوطني الكبير للقطاع الأهلي وللبلديات، وهنا تبرز أيضا أهمية أن تشمل الخطة المعتمدة للاستجابة للكوارث عدة أمور:
أ- أن تعتمد مستودعات للأدوية واللوازم الطبية وبعض المخزون من المحروقات وسواها في المحافظات وتكون كافية لتلبية الحاجة لأسبوع أو لأسبوعين.
ب- إنشاء المجالس الصحية المناطقية والتي توحد عمل القطاع الأهلي والبلديات والمهن الطبية والقوى الأمنية.
ج- أهمية تعزيز الرعاية الصحية الأولية وخدمات الترصد الوبائي وخدمات معالجة الأمراض الانتقالية وغير الانتقالية. وكان واضحا خلال كل الأحداث المتنوعة سجلنا ازديادا ملحوظا للطلب على ادوية الأمراض المزمنة، خصوصا عند المسنين، واستطعنا وبفضل حسن تنظيم القدرات المتوفرة في المناطق وفاعلية خدمات الترصد الوبائي والأمراض الانتقالية ونشاط وديناميكية، إدارة الرعاية الصحية الوطنية في الوزارة من استيعاب التداعيات الصحية للنزوح السوري الكثيف والفوضوي في تموضعه وتنقلاته، وكان ينذر بكوارث صحية. لكن الحمد الله لم تسجل حالة شلل واحدة وسجلنا تراجعا في كل أنواع الاصابات".
وعن مرحلة ما بعد الكارثة، قال حاصباني: "إننا نواجه عادة كمية من المتطلبات التي تحتاج إعادة التأهيل والبناء. عامل اساسي يلعب دورا مهما في إعادة التأهيل والإعمار هو نوعية الحدث. ففي الحوادث الناتجة عن العدوان الاسرائيلي ورد الفعل الوطني، ساهم أولا في استيعاب النتائج المباشرة للعدوان، نزوح المواطنين وحاجاتهم، نشهد الحماس والاندفاع في تشغيل المؤسسات".
واردف: "في مرحلة ما بعد الأحداث، سجلنا الوقائع التالية: أولها، أهمية الانتباه لحال المواطنين، وخصوصا النازحين، وهم يمرون بثلاث مراحل مرتبطة بالحالة النفسية والعقلية:
1- مرحلة النزوح من منطقة الخطر إلى منطقة الأمان.
2- مرحلة الاقامة حيث ينصب الجهد على تأمين لوازم الاقامة وتحسين ظروف الحياة، وهنا تتزايد الطلبات على الأدوية خاصة للأمراض المزمنة.
3- مرحلة انتهاء الأحداث والعودة للقرى والمدن والاحياء ليكتشفوا هول الكارثة التي حلت بهم، خصوصا تدمير المنازل والمؤسسات والبساتين. هذه أخطر مرحلة يتوجب اعطاءها ما يلزم من اهتمام طبي متخصص".
وعن اعادة الأعمار والتأهيل، قال: "سجلنا بعد العدوان الاسرائيلي المبادرات الفردية تارة والمؤسساتية (شركات - بنوك) تارة اخرى، وهي تبرعت بإعادة بناء الجسور التي دمرها العدوان (72). طبعا لا بد من تنظيم الادارات المحلية في المناطق، بلديات وإدارات عامة وقطاع أهلي وقطاع خاص مدعمين بالاخصائيين في مجالات الهندسة والبناء ليتم في المرحلة الأولى إحصاء الحاجات وتحديد أولويات (مدارس - مستشفيات - مؤسسات - خدمات عامة...) ثم إعادة البناء والاعمار".
ولفت الى انه "يجب ان نكون حذرين من تقديرنا لما يمكن أن يصلنا من هبات، مثلا، تقدر قيمة خسائر لبنان من أحداث سوريا (17 مليار دولار)، ولبنان قدم العديد من الدراسات حول الحاجات، وفي مجال الصحة كانت الوزارة هي الوحيدة التي قدرت في حينه (منذ العام 2011) تقديرات كلفة النازح سنويا في مجالات الصحة وهي (349,26 دولار) ولم يصلنا كما تؤكد تقارير الوزارات أكثر من 19% من حاجاتنا. لذلك يجب أن نأخذ ذلك بعين الاعتبار. طبعا لا بد من تنظيم طلبات المساعدة بشكل دقيق شفاف وتقديم الطلبات بالمساعدة من الدول الشقيقة والصديقة والأمم المتحدة".
وختم: "الكل يعلم أهمية الطب النفسي خلال فترة الأحداث، خصوصا عند انتهائها، حيث يكتشف الناس هول الكارثة التي حلت بأرزاقهم وممتلكاتهم فتقع المصيبة"، متمنيا "للحضور التوفيق ونأمل ان تتوصلوا إلى كل ما من شأنه أن يساعد مجتمعاتنا العربية على تعزيز قدراتها لمواجهة التحديات التي تواجهها".
بو زيد
بدوره، تحدث ممثل وزير الشؤون الاجتماعية ماريو بو زيد عن "أزمة النازحين السوريين في لبنان واثرها العميق على الوضع الاجتماعي - الانساني والسياسي"، ولفت الى ان "لبنان بذل جهدا كبيرا لمواجهتها بمساعدة المجتمع الدولي".
وتحدث عن "الاثار السلبية للنزوح على الاقتصاد اللبناني والمالية العامة، وعن مزاحمة اليد العاملة السورية وازدياد مستوى الفقر في المجتمعات الهشة المضيفة، بالاضافة الى اثرها السلبي على النمو القتصادي وعلى البنية التحتية والحد من قدرة الدولة على الاستثمار في هذا المجال".
وعرض الاجراءات التي قامت بها وزار الشؤون الاجتماعية في "التصدي للازمة ضمن اطار صلاحياتها وقدراتها، من خلال العمل على تلبية حاجات للاجئين والمضيفين، لا سيما العجزة والمرضى واصحاب الاحتياجات الخاصة، من دون تفرقة كونهم جميعا ضحايا الازمة". ورأى ان "الحل الامثل للاجئين هو عودتهم الى بلدهم".
وشدد على "ضرورة حصول لبنان على مساعدات دولية نظرا الى محدودية قدرات المؤسسات اللبنانية". وطالب ب"التنسيق والتعاون بين الادارات المعنية بادارة الازمة لتأتي ثمارها بأقل كلفة وبفاعلية". ولفت الى ان "الوزارة اتبعت في مختلف مراحل عملها على الشفافية والمحاسبة". واكد "استمرار الوزارة في برامجها الرعائية لسنة 2018". واوضح ان "هدفها الوصول الى 2.2 مليون شخص يحتاجون الى مساعدات وخدمات اساسية".
الزغبي
وتحدث رئيس الصليب الاحمر الدكتور انطوان الزغبي، فقال: "كما تعلمون جميعا مرت على لبنان أزمات، أكبر منه أحيانا، جعلت الصليب الأحمر اللبناني يواجه في كل مرة أنواعا عدة من كوارث مختلفة الأبعاد والعناوين، ولو جوهرها واحد في الحاجة والمعاناة والقهر، ولكن التعامل معها يختلف إن من الناحية العملانية أو من الناحية المبدئية حيث تتخبط المفاهيم وتتقلص المبادئ وتعلو الغرائز في أرض محدودة جغرافيتها وإمكاناتها ولا تاريخها ولا مستقبلها موحد".
واشار الى ان "الصليب الأحمر اللبناني عمل في ظروف قاسية غير مسبوقة وغير عادية، فعرف كيف نسج التجارب وطور مفهوم العلاج والوقاية وعمق دراسة أسبابها وأبعادها وظهر مكان قوتها وضعفها وتعلم أهمية التحضير والتخطيط الإستباقي لإستجابة منظمة وأكثر فاعلية. تعلمنا من تجاربنا وتجاربكم، تعلمنا من الماضي البعيد ومن الحاضر القريب، أهمية القدرة على الصمود في ظل أوضاع معقدة وهشة. من هنا أهمية تبادل الخبرات والبحث العلمي والتعمق الأكاديمي في فهم التركيبات المعقدة في مجتمعاتنا وكيفية إنخراط المجتمع المدني بكل مكوناته: في التحضير والإستجابة، في الدعم المستدام، في خلق أطر التكامل القطاعي وتحديث أدوار جديدة للعمل الإنساني في مناطقنا المختلفة وفي هذه الظروف غير العادية وغير المسبوقة".
ورأى ان "التحدي اليوم هو تعزيز قدرة مجتمعاتنا على الصمود، فنحن جميعا نعرف الصعوبات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ونحن صامدون منذ سنين في ظل أزمات وويلات من صنع الإنسان بغالبيتها، نخفف وطأتها تارة وتقوى علينا أحيانا أخرى، ولكننا في جمعياتنا الوطنية، نذرنا النفس بتطوع مثالي وطورنا قدراتنا، ونحن اليوم ننظر اليكم للمزيد من التعاون والتنسيق من أجل إرساء قواعد جديدة تقوي القدرة على الصمود وتساعد على إستجابة أفضل في وقت الأزمات والكوارث".