إذا كانت الإصلاحات هي "إكسير الحياة" بالنسبة الى لبنان حالياً، فإنها أيضاً المطبّ الأول والأخير والأصعب على دروبه المحفوفة بالمخاطر.
فالمشاكل المالية والإقتصادية هي في الأساس ذات جوهر سياسي، وهو ما يعني أن الإصلاح السياسي يجب أن يكون المبتدأ لخبر الإقتصاد والمال والعسكر والأمن الذي نُهِبَ أمس أيضاً، في الطريق الى مبنى "مجلس الجنوب"!...
وانطلاقاً من هنا، هل تصبح حكومة الرئيس حسان دياب أمام امتحانات شديدة الصّعوبة، فيبدأ (دياب) مع وزرائه مواجهة مباشرة مع "أمراء الحرب"، تُقفل مزاريب هدرهم القائم على "مجلس الجنوب" وصندوق المهجرين، وغيرهما أيضاً، وتمنعهم من "نهب" الأمن، فتتمّ التوقيفات الكاملة، مع المحاكمات اللّازمة لمن اعتدى وضرب، في محيط مبنى "مجلس الجنوب"، لا سيما أن وزيرة العدل ماري كلود نجم أكدت أمس في بيان صادر عن مكتبها الإعلامي أن أي محاولة لقمع حرية التظاهر والتعبير ستُواجَه بالإجراءات القانونية اللّازمة، فيما شدّد وزير الداخلية محمد فهمي على متابعة الملف الى النهاية؟
هل وهل وهل؟
وهل يجرؤ دياب مع وزرائه، على الدخول في مواجهة مباشرة مع "حزب الله" مستقبلاً، عندما يرتكب مناصروه تجاوزات أمنية في بيروت أو غيرها؟
وهل ينجو دياب من المطبات الأمنية التي تعترض حكومته، والتي ترتبط باستكمال التحقيقات المتعلّقة باستعمال الرصاص المطاطي في شكل مفرط، من قِبَل القوى الأمنية في بيروت؟
وهل ينجو دياب من الفخاخ الأمنية المرتبطة بعصابات سرقة السيارات في بعض المناطق، التي تعتمد على هذا النوع من الأعمال، كوسيلة للحصول على المال، بدعم سياسي وحزبي؟ وهل يُعطى رئيس الحكومة الإذن للقيام بالإصلاح السياسي المطلوب لوقف هذا النوع من "الإقتصاد الممنوع"؟
وأكثر. هل يدخل دياب في مواجهة مباشرة مع رئيس الجمهورية ميشال عون، ومع فريقه السياسي، إذ لا أحد يتوقّع أن الوزير السابق جبران باسيل سيظلّ بعيداً من ملفات الكهرباء ووزارة الطاقة تحديداً، في المستقبل؟
وماذا عن ملف عمالة الأجانب، ولا سيّما الفلسطينيين منهم، وتطبيق القانون اللبناني في هذا الإطار؟ وماذا عن المتطلّبات الدولية في هذا المجال؟
هذا غيض من فيض ملفات مرتبطة بالإقتصاد اللبناني، وبمالية الدولة، والتي لا بدّ من إيجاد أجوبة عليها، قبل الحديث عن الإصلاح المالي والإقتصادي، في شكل فضفاض.
واشنطن وطهران
وفي المحصّلة، كيف يُمكن لحكومة الإصلاحات أن تستحصل على فرصة "التحصيل حاصل" الحقيقية، فيما مواقف أكبر القوى المتصارعة في الشرق الأوسط، أي الولايات المتحدة الأميركية وإيران، غير متحمّسة تجاهها بالكامل، وتنتظر منها النّجاح في امتحان غامض!
فواشنطن، وعلى لسان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، دكّت أسوار سراي دياب، وجلدَتْه (رئيس الحكومة) نصف جَلدَة "سقف حلق" مبرحة، وأحالت أوراقه الى المفتي تقريباً، (وهو ما يعني الحُكم بالإعدام)، إذا لم يلتزم بالإصلاح ومكافحة الفساد. فيما إيران التي رحّبت بتكليفه قبل نحو شهر، غابت عن أي موقف متحمّس تجاه حكومته الآن، في ما يشكّل تكتيكاً يُظهر أن دياب ليس "زلمة" "حزب الله" من جهة، وينسجم مع ضرورات مرحلة ما بعد مقتل قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" قاسم سليماني، و"تكتيكات" انتظار سلوكه (دياب) تجاه محور "الممانعة"؟
ومن هنا، كيف يُمكن لدياب أن يُفلِت من "مليونيات" إخراج الأميركيين من جهة، ومن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب المرتقب عن خطته "العظيمة" لتحقيق السلام في الشرق الأوسط (صفقة القرن)، من جهة أخرى. فهل يُسجَن (دياب)، من قِبَل كل القوى الدولية والإقليمية وأتباعها، في لبنان والمنطقة والعالم، في مستودع الإنتظار، أو يوضَع في ساحة المدينة لتراه كل الأعيُن؟؟؟...
السياسة أوّلاً!
أكد الوزير السابق رشيد درباس أن "عمل الحكومة الجديدة على الإصلاحات وترميم الإقتصاد، لا يتمّ إلا بالسياسة. وما يُطلَب من الرئيس حسان دياب، لجهة الإصلاح الإقتصادي والمالي، يستوجب منه القيام بإصلاح سياسي أولاً".
وشدّد في حديث الى وكالة "أخبار اليوم" على أن "دياب هو في هذه اللّحظة رئيس حكومة لبنان الرسمي، حتى ولو أن حكومته لم تَنَل الثّقة بَعْد. كما أنه ليس بحاجة الى استجداء المجلس النيابي من أجل نَيْلها".
وأضاف:"لو أن رئيس الحكومة الجديدة يقوم ببعض المبادرات، أو يُعطي بعض المؤشّرات المهمّة ليكسب ثقة الناس الذين انتفضوا ضدّ الفساد والوضع المتردّي، فإن ذلك يفرض نفسه على المجلس النيابي، مهما كانت القوى التي يتشكّل منها".
الحص في المشهد؟
ودعا درباس "الرئيس دياب الى أن يصدّق هو أوّلاً أنه رئيس الإدارة السياسية في البلد، في الوقت الراهن. ولذلك، لا يجب أن يكون مرتهناً لمن أوصله الى رئاسة الحكومة. فحتى لو كان المسؤول مُنتخباً من الشعب، لا يجب أن يكون مُرتهناً لمن انتخبه. وهذا الأمر حصل قبلاً مع أشخاص كثيرين حول العالم، ساروا ضدّ الجوّ العام الخاصّ بهم، من أجل مصلحة الدولة".
ورأى أن "هذا هو الفرق الذي يمكن أن يثبّت دياب كرجل دولة، حتى ولو كان من خارج الطبقة السياسية الموجودة في البلد، ولا يتّكل على أي حيثية سياسية أو طائفية".
وأضاف:"قبل دياب، جاء الرئيس سليم الحص الى السياسة من العالم الأكاديمي، مثله. ولكن الحص ببصيرته وإرادته وحنكته واقتناعه بأنه رئيس حكومة لبنان، فرض نفسه على المشهد السياسي، ولا يزال احترامه سائداً في نفوس الناس، رغم اعتزاله العمل العام. وبالتالي، إذا فعل دياب ما قام به الحص، فربما يتمكّن من الإصلاح، لأنه يُمارس في تلك الحالة صلاحيات رئيس الحكومة التي ينصّ عليها الدستور".
الأمن
ورداً على سؤال حول المواجهات المحتملة بين دياب من جهة، وبري و"حزب الله" والأطراف السياسية صاحبة الجماهير التي تُمارس تجاوزات أمنية في الشارع، أجاب درباس:"الرئيس بري وحركة "أمل" أعلنا تنصّلهما من الذي حدث أمس، أمام مبنى "مجلس الجنوب". وبالتالي، يتوجب على دياب، ووزيرة العدل ووزير الداخلية، أن يصدقوا ذلك، ويبنوا عليه، ويسيروا بالتحقيقات وبالملف الى نهايته، تبعاً لذلك".
وتابع:"إن حصول أي حدث أمني من قِبَل جماهير حزبية في الشارع، مستقبلاً، سيجعل الجميع ينكشفون. ولكن، لا يجب أن يقبل الرئيس دياب أن يكون واجهة للتستُّر في هذا الإطار".
المنطقة
وعن المواقف الأميركية من الحكومة الجديدة، وغياب أي موقف إيراني متحمّس تجاهها أيضاً، قال درباس:"لا أحد يتوقع أن دياب سيجد ترحيباً أو تأييداً كبيراً. والمسألة هذه ترتبط بالأداء الذي سيقوم به، بدءاً من البيان الوزاري وما بعده".
وختم:"حكومة دياب ورثت ترِكَة كبيرة تتعلّق بـ "حَشْر" لبنان في محور "الممانعة" الإيراني لواشنطن منذ وقت سابق، والخروج من تلك الحالة، شديد الصّعوبة".
المصدر: وكالة أخبار اليوم