التبويبات الأساسية

أعادت ولاية مينيسوتا الأميركية هذا الأسبوع فتح جرح الولايات المتحدة الأميركية العنصري. جرح من خلاله سلطت الضوء على فتيل التمييز العرقي والتفاوت الاجتماعي والاقتصادي بين "الأميركيتين" والذي ينزف على مرأى العالم.

مينيسوتا ومدينتها مينيابوليس تشهد اليوم أحد أحلك تظاهراتها منذ ستينيات القرن الماضي، والتي تحولت إلى أعمال شغب وسرقة وحرائق ومواجهات مع عناصر الشرطة على خلفية موت جورج فلويد يوم الاثنين. وفلويد، هو رجل من ذوي البشرة السوداء اعتقلته الشرطة للاشتباه بصرفه لعملة 20 دولار مزورة، ومات بعدما ضغط شرطي "أبيض" بركبته على رقبة فلويد لتسع دقائق وهو مرمي على الأرض.

فلويد، ابن الـ 46 عاما، ناشد وتوسل الشرطي ليرفع رجله عن عنقه، وكانت كلماته الأخيرة "لا أستطيع التنفس" ووجهه على الأرض. لحظات فلويد الأخيرة سجلها أحد المارة وصعقت الولايات المتحدة. "لا أستطيع التنفس" كانت أيضا الكلمات الأخيرة في 2014 لرجل "أسود" في نيويورك هو إريك غارنر قبل أن يقضي خنقا خلال اعتقاله من قبل الشرطة في المدينة يومها.

جورج فلويد وإريك غارنر وأحمد أربيري هم أسماء في لائحة طويلة لضحايا هذا التمايز والظلم والجهل في المجتمع الأميركي ولأسلوب تعاطي البعض في الشرطة مع موقوف أسود

بين إريك غارنر وجورج فلويد ستة أعوام لم يضمد فيها جرح أميركا العنصري، وهو يكشف اليوم عمق الفجوة الاجتماعية والأمنية والاقتصادية في التعامل مع السود. قبل وفاة فلويد بأيام كانت حادثة نيويورك وتعاطي امرأة بيضاء بشكل عنصري مع رجل أسود طلب منها أن تضع الرباط على كلبها في الحديقة العامة، فاتصلت بالشرطة لتبلغ عن "رجل أفريقي أميركي". وقبل ذلك بأيام أعادت ولاية جيورجيا فتح قضية شاب أسود هو أحمد أربيري كان يمارس رياضة الهرولة وقتله رجل أبيض ظنا أنه لص.

جرح أميركا العنصري عمره أطول من عمر البلاد، فمن زمن العبودية إلى الحرب الأهلية والاستقلال وأبراهام لينكون وتحرير السود في العام 1863، كان الصراع لإنهاء التمييز العنصري من أهم مكونات الدولة الأميركية الحديثة. مع ذلك فإن رواسب العنصرية استمرت. ثم خاض مارتن لوثر كينغ جونيور ورفاقه معركة الحقوق المدنية والمساواة في ستينيات القرن الماضي. وإذا كان انتخاب باراك أوباما في العام 2008 يشكل منعطفا تاريخيا كأول رئيس أسود للبلاد، فإنه لم يطو صفحة العنصرية والتفاوت العرقي والطبقي في أميركا اليوم.

جورج فلويد وإريك غارنر وأحمد أربيري هم أسماء في لائحة طويلة لضحايا هذا التمايز والظلم والجهل في المجتمع الأميركي ولأسلوب تعاطي البعض في الشرطة مع موقوف أسود. طبعا، هناك استهجان من الكثير من عناصر الشرطة لما حدث في مينيابوليس، إنما هناك أيضا نمط مخيف يضع الرجل الأسود في قفص الاتهام سواء كان في حديقة عامة أو في مواجهة مع الشرطة. سجون أميركا فيها اليوم مواطنون سود أكثر بخمس مرات من البيض. الرجال والنساء والأطفال السود هم أكثر عرضة لأن يتم توقيفهم من الشرطة.

حوادث مينيسوتا وجيورجيا ونيويورك أدخلت جدل العنصرية من الباب العريض للانتخابات الرئاسية الأميركية

تغيير هذا النمط يحتاج أولا مصارحة وحوار أميركي داخلي بين قيادات الشرطة وقيادات أفريقية أميركية وتدريب الشرطة الأميركية على مواجهة هذا التمييز، كما يحتاج إلى إصلاحات اقتصادية واجتماعية جذرية تتعاطى مع التفاوت الطبقي في أميركا اليوم.

فحتى وباء كورونا، هو أكثر ضراوة بين الأقليات في الولايات المتحدة بسبب الواقع المعيشي والاقتصادي والصحي لديهم. وهو يفترض عملا داخل الحزبين لشجب التطرف والكراهية. فتجمعات النازيين الجدد، ولو أن عددهم لا يزال قليلا، تكاثرت في السنوات الأخيرة، وأعاد بعض مشاهدها بالذاكرة إلى مجموعة الكوكلوكس كلان، والتي نفذت أفظع الجرائم والإعدامات ضد السود.

حوادث مينيسوتا وجيورجيا ونيويورك أدخلت جدل العنصرية من الباب العريض للانتخابات الرئاسية الأميركية، وهي قد تدفع بالمرشح الديمقراطي جوزيف بايدن لاختيار امرأة سوداء كنائب له، مثل السناتور كامالا هاريس أو النائب فالديز دامينغرز. لكن وقع هذه الأحداث أبعد بكثير من الحملة الانتخابية الحالية أو التحقيق الذي تجريه السلطات الفدرالية، فهي تكشف مستوى الخوف وعدم الثقة اليوم بين الشرطة والأقلية وقد تعد بحوادث وأعمال شغب أكبر في حال غابت هذه المصارحة.

المصدر: الحرة

صورة editor14

editor14