إعتبر رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع أن مقاربة موضوع مسيحيي الشرق "ليست دقيقة أو صحيحة".
وقال في حديث الى "أليتيا": "الجميع يعانون في سوريا والعراق وسائر مناطق النزاع في الشرق. إذا ألقينا نظرة نسبية على عدد الضحايا من المسلمين فسنلاحظ أن عددهم هو أكثر بكثير من عدد الضحايا المسيحيين. هناك أزمة كبيرة في سوريا وأخرى أكبر في العراق. لنبدأ من سوريا حيث هناك أزمة نظام قائم ألقت بظلالها على المسيحيين والمسلمين. قد يخيل للبعض من خلال طريقة معالجة الأمور أن هناك حرب تشن ضد المسيحيين وهذا الأمر ليس صحيحا. هناك حرب قائمة في سوريا بين فكرين الأول متطرف ودكتاتوري والثاني معتدل وديمقراطي. ومن هذا المنطلق يتعرض المسيحيون والمسلمون على حد سواء للعنف. لذلك علينا البحث عن مقاربة لإخراج الجميع من الأزمة التي يمر بها الشرق الأوسط. لا يوجد حل للمسيحيين فقط. لا يمكن مثلا العمل على عودة المسيحيين إلى أراضيهم في سوريا قبل إيجاد حل للأزمة السورية ككل والبحث في سبل إعادة إعمار تشمل كافة الأراضي السورية".
وعن العلاقات ما بين المسلمين والمسيحيين وسط النزاعات التي تضرب المنطقة، قال: "نعاني اليوم من مشكلة تعايش بين مختلف مكونات المجتمعات لا بين المسيحيين والمسلمين فقط. هناك أزمة تعايش ما بين المسيحيين والمسيحيين والمسلمين والمسلمين وبين عدد من المسيحيين وعدد من المسلمين. لترميم هذه العلاقات لا بد من ترميم الوضع ككل في سوريا من خلال الانتقال من النظام القائم الآن في سوريا إلى آخر تعددي ديمقراطي حر.
اضاف :" لا يوجد حل يطال المسيحيين فقط في سوريا. لا يمكن عزل الأزمة التي يتعرض لها المسيحيون عن إجمالي ما يحصل في سوريا فهي جزء من كل ما يحصل. لذا لا بد من معالجة كاملة تشمل كل الفئات. أما على الصعيد الإنساني، فلا بد من دعم جمعيات تعنى بأوضاع المهجرين والنازحين المسيحيين الفارين من مناطق الاقتتال".
واكد " أن مسيحيي سوريا يريدون دولة جديدة إلا أن الأكثرية الموجودة في مناطق النزاع مغلوب على أمرها وبالتالي لا يمكنها التعبير صراحة عن رغبتها أو تطلعاتها للمستقبل السياسي في البلاد. ولكن بالنظر عن قرب إلى أحوالهم، أعتقد أنهم يريدون هذا التغيير السياسي".
وردا على سؤال عن تأثر المسيحيين في سوريا وباقي مناطق النزاعات بخطابه السياسي، عاد جعجع في التاريخ إلى أحداث الحرب العالمية الثانية، وقال: "خلال هذه الحرب حرص البابا بيوس الثاني عشر على عدم إصدار أي موقف للفاتيكان حيال الأحداث الدامية التي تضرب العالم. برغم كل السنوات التي مضت، لا يزال الإعلام العالمي يلقي نوعا من اللوم على البابا لعدم اتخاذه موقفا مما كان يجري، نحن هنا أصحاب فعليين للأرض ومن سكانها الأصليين. لذا، فمن واجبنا أن نأخذ على عاتقنا قضايا المنطقة مهما كلف الأمر. لا بد من الثبات على مبادئنا وطروحاتنا وأخلاقياتنا وما نؤمن به. نحن نؤمن أنه لا بد من قيام دولة فعلية تعددية ديمقراطية حرة في سوريا حتى ولو كان ذلك سيكلفنا غاليا. يجب أن يكون لنا رأي واضح وموقف أخلاقي دائم تجاه القضايا التي يمر بها الشرق".
وعن لقاء البابا فرنسيس وشيخ الأزهر والمطالبة بإعادة النظر في الخطاب الديني التطرفي، قال جعجع: "أعتقد أنه خلال الأعوام القليلة السابقة تم إصدار وإعلان ما يكفي من الفتاوى للجم الفكر التكفيري. أما الترجمة العملية للقاء البابا والأزهر وإعلانهما المشترك فتكون من خلال طرح القضية كما طرحناها الآن أي عدم القول إن المسيحيين يعانون مشكلة في الشرق بل هناك مشكلة في الشرق ما بين التطرف والاعتدال تلقي بظلالها على الجميع ومن بينهم المسيحيين. أعتقد أن المسلمين المعتدلين يفتشون عن شريك في المواجهات الكبيرة التي يخوضونها ضد التطرف. وجود شريك يشجعهم ويحثهم على إعادة النظر في العديد من المفاهيم التي يجب أن يعاد النظر بها لإبعاد الأجيال الجديدة عن التفسيرات المغلوطة للقرآن أو لبعض ما جاء على ألسنة الصحابة. الحل يكمن في التعاون بين كل الجماعات المعتدلة لتقف بوجه التطرف.سنة لبنان مثلا يخوضون حربا كبيرة ضد الإرهاب لذا لا يجب أن نعزل أنفسنا كمسيحيين عن هذه الحرب. يجب أن ندخل في قلب الصراع لنقوي أكثر موقف المعتدلين".
وتحدث جعجع عن مرحلة الحرب اللبنانية، وقال ردا على سؤال عما إذا كان حمل المسيحيين للسلاح نابعا من تعصب أم لا: "أن يسيء الآخرون فهمنا بهذه الطريقة أمر خطر فنحن لم نحمل السلاح إنطلاقا من تعصب ديني معين. في تلك المرحلة كان هناك نظام قائم في لبنان وبطبيعة الحال من الممكن للمواطنين أن يعارضوه أو أن يتوافقوا معه ولكن من غير الممكن ومن غير المقبول أن تقود إنقلابا عسكريا على الدولة. وهذا ما فعلته مجموعات مسلحة غير لبنانية آنذاك. كانت هذه الجماعات تريد الإستيلاء على الدولة بقوة السلاح وأن تحول لبنان إلى قاعدة ينطلق منها الصراع في الشرق الأوسط. وهذا ما لم نقبله أبدا. لماذا حمل معظم اللبنانيون السلاح برأيكم؟ الإجابة واضحة فلقد رأوا أن مناطقهم وبيوتهم باتت ترزح تحت خطر الاجتياح. لو لم يحمل اللبنانيون السلاح لكانت قوات الاجتياح استولت على عدد كبير من المناطق اللبنانية. ألم يقل أحد القادة الفلسطينيين ان طريق القدس تمر بمنطقة جونية؟ إذا، إنطلاقا من حق الدفاع المشروع عن الذات حملنا السلاح وليس إنطلاقا من تعصب ديني معين".
أضاف: "أعتقد أن الخطأ الكبير الذي ارتكب بحق الوطن خلال عامي 1975 و1976 هو فرار البعض من لبنان ومغادرتهم لأرضهم في وقت كان اللبنانيون يتعرضون للذبح في أكثر من منطقة وكانت الدولة على شفير الإنهيار بهدف قيام دولة أخرى لا علاقة لها بلبنان. دولة مرتبطة بصراع الشرق الأوسط. إذا، أخلاقيا برأيكم، من ثبت أكثر بأرضه ووطنيته؟ هل من ترك كل شيء وحمل السلاح للدفاع عن مناطقه وبلداته وشعبه أم من ترك البلاد وتوجه إلى العاصمة الفرنسية او أي بلد أوروبي آخر وافتخر بالقول إن يديه ليست ملطخة بالدماء؟ مغادرة هؤلاء للبنان كانت أكبر جريمة حصلت بحق البلد.
تعرضنا لوابل من الانتقادات من قبل الكثيرين ممن كانوا معارضين لمشروعنا وحتى ممن ادعوا أنهم معنا في الخندق عينه ليتبين لاحقا أنهم خونة. تواجد عدد من هؤلاء في الخارج ساهم بترويج هذه الصورة المغلوطة للقوات اللبنانية وربطها ببث الخراب والفساد".
وتابع جعجع: "من الصعب جدا تغيير صورة ترسخت في أذهان الكثيرين. للأسف في وقت كنا فيه في ساحة القتال دفاعا عن هويتنا كان هناك عدد من الخونة الذين حاولوا خلق صورة غير واقعية للقوات اللبنانية في أذهان الكثيرين. لقد صورتنا هذه المجموعات وكأننا نريد الخراب والبؤس للبنان. وبالتالي لم تظهر صورتنا الحقيقية المتمثلة بسعينا لعدم سقوط مناطقنا بيد الآخرين.
بعد انتهاء الحرب بدأ عهد الوصاية السورية ودخلنا السجن. في الظاهر تم تصويرنا كمجرمين ننتظر المحاكمة ولم يدخل أحد في تفصيل القصة لمعرفة الحقيقة. أبناء جلدتنا الذين متنا لأجلهم نكرونا. السبب ليس خفيا فلطالما كان تشخيص الحرب الإعلامية وتفسيرها وسرد أحداثها التاريخية خاطئا! للأسف فإن الحروب والمواجهات التي يخوضها المسيحيون في لبنان تكون دائما بين مجموعات متماسكة ومتكاملة ضد فريق من المسيحيين وليس المسيحيين ككل. دخلنا أكثر في صلب العمل السياسي القواتي اليوم سيما أن القوات ممثلة بـ 3 وزراء في الحكومة و8 نواب في البرلمان وهي التي شكلت الغطاء اللبناني والمسيحي الأبرز لإيصال العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية".
وعن برنامج "القوات" لمكافحة الفساد، قال: "المبادئ المسيحية هي الدافع الأساسي لمكافحة الفساد. لا يمكن أن نسكت على الفساد من أي نوع كان. أما الخطط التي وضعناها فهي ببساطة أن نبقي أعيننا مفتوحة على كل ما قد يحدث في مجلس الوزراء ونتوقف عند أي أمر قد تفوح منه رائحة الفساد. نتحقق منه وإن تأكدنا من عدم نزاهته نواجهه حتى النهاية. مثال على ذلك ما قام به وزراء القوات اللبنانية في الحكومة الحالية. هل سمعتم بتاريخ لبنان أن عمل أحد الوزراء على طرد موظفين من وزارته؟ خلال شهرين أقدم وزير الشؤون الإجتماعية على صرف 400 موظف كذلك الأمر في وزارة الإعلام حيث صرف الوزير ملحم رياشي 100 موظف كانوا لا يقدمون أي خدمة للوزارة. هذا ولا نغيب عن مراقبة المناقصات التي قد تحصل في البلد".
وتابع: "نحن لسنا في حالة صراع مع أحد. نحن في حالة صراع مع الوضع المتردي في الإدارة اللبنانية. نتمنى الحصول على مساعدة كل من يرغب بمد يد العون في هذا المجال. كذلك نرحب بأي طرف يخوض هذا الصراع مع الفساد حتى ولو لم يكن يرغب بضم جهوده لجهودنا. ولكن لكي نصل إلى نتيجة لا بد من تجمع القوى التي تسعى إلى الهدف نفسه".
أما عن أيام السجن وايمانه المسيحي، فقال جعجع: "حياتي في السجن لم تكن فارغة أبدا فقد أمضيت معظم الوقت في ممارسة الأسرار والصلوات والتأملات. ظنوا أنهم وضعوني في السجن إلا أني كنت أتخيل نفسي في المحبسة مع القديس شربل وكنت أتصرف من هذا المنطلق. عشت حياة مسيحية غنية وشيقة لدرجة أني وبعد مرور سنتين على سجني كنت أخاف أن يتم إطلاق سراحي لمدى عمق الحالة التي كنت أعيشها. كنت أحصل على سر الإفخارستيا مرة في الشهر دون أن أتمكن من ممارسة سر الإعتراف. كنت أتأمل الذبيحة الإلهية بمفردي وأتناول القربان الذي كان الكاهن يتركه لي خلال زيارته الشهرية. أمضيت ساعات في قراءات سير حياة القديسين كالقديس شربل وسانت اليزابيت للثالوث، وكتب روحية والكتاب المقدس".
أضاف: "أنا مع إبعاد الكنيسة عن السياسية والسياسة عن الكنيسة ولكن أشجع تطبيق الفكر الديني والأخلاق الدينية التي ترسخ المبادئ أثناء ممارسة السياسة. كم جميل أن نعيش وفي ذهننا عبارة الأخ إسطفان نعمة "الله يراني".
ودعا الى عدم الخوف، قائلا: "في نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح ومهما حصل فالله موجود وإرادته ستتغلب على كل شيء".