فعلها الرئيس نجيب ميقاتي، وشكّل لائحته منفرداً للمرة الأولى، من دون التحالف مع أحد. وصف إنجازه بـ"تحقيق الحلم" في ولادة "لائحة العزم". وفي مهرجان إعلان لائحته، الأحد في 18 آذار 2018 في فندق "الكواليتي إن" في طرابلس، بدا ميقاتي في مشهدٍ لم يعهده عليه الأنصار والخصوم. نبرةٌ عالية أعلن فيها قلب الطاولة والدخول في مرحلة المواجهة. وما دفعه إلى التخلّي عن سياسة المهادنة، هو أنّه يخوض معركةً في سبيل "تشكيل كتلةٍ نيابةٍ طرابلسيّة المنشأ والهوا".
خصم ميقاتي الأول هو تيّار "المستقبل". ومعركته معه. وجّه إليه سهاماً لاذعة. وهو ما تلقفه جمهوره الذي صفّق بحرارة من يشفي غليله. ساحة معركة ميقاتي هي دائرة الشمال الثانية التي تضمّ طرابلس، المنيّة والضنيّة. لكنّ هذه الساحة، بقدر ما يجدها خصومه نقطة ضعفٍ لمحدوديّة أفقها، إلّا أنّ ميقاتي جعلها في خطابه نقطة جذبٍ وقوّة، لاسيما لأبناء الطائفة السنيّة في هذه المنطقة، الذين يرددون شعارات الغبن والمظلوميّة.
برَّر ميقاتي معاناة عاصمة الشمال لسنوات عديدة، بسبب وضع القرار الطرابلسي تحت "وصاية المركزية السياسية التي لم تكن طرابلس والمنية والضنية في سلم أولوياتها". وهو ما يقصد به "التيّار الأزرق"، الذي توجه إليه قائلاً: "طرابلس في الانتخابات ليست غبّ الطلب"، قبل أن يعلن نيّته قلب المعادلة، عبر تشكل كتلة نيابيّة طرابلسية "صوتها صوتكم وقرارها قراركم وتطلعاتها لخدمتكم وتحقيق آمالكم".
الدخول إلى الفندق كان متعثراً. ضيق المكان وكثافةٌ في الحضور، دفعا ميقاتي إلى الخروج عن صمته منذ بدء كلمته. كان قد طلب أن يقيم المهرجان في إحدى قاعات معرض رشيد كرامي الدولي، إلّا أنّ إدارته اعتذرت، بحجة عدم السماح في استخدام الأماكن العامة خلال الانتخابات، و"نحن نخضع للقانون". لكنّ ميقاتي وجد في ذلك استهدافاً، "في وقت نجد أهل السلطة يستخدمون الأماكن العامة من دون حرج وفي خرق فاضح للقانون". ثمّ لم ينسَ أن يذكر رئيس الحكومة سعد الحريري من دون أن يسميه، بأنه في العام 2005 عزف عن الترشح للانتخابات النيابية بسبب توليه رئاسة الحكومة، "ومن هنا يبدأ تنفيذ القانون".
على مستوى البرنامج الانتخابي، قدّم رئيس "العزم" برنامجه في 3 أبعاد: سياسية وتشريعية وإنمائية. وأكد من خلاله إلتزام تيّاره بسياسة النأي بالنفس وعدم إقحام المدينة في الصراعات الإقليمية التي دفعت ثمنها غالياً بجولات القتال. تطرق إلى أمورٍ عدّة، من بينها حقّ المرأة بإعطاء الجنسية، مصاريف الوزارات، وضرورة إعادة النظر بتعويضات النواب السابقين.
قدّم ميقاتي مرشحي لائحته، معتزاً لكونهم من قلب المدينة وأهلها وليسوا دخلاء عليها. لكن، هل سيخرج من هذا الاستحقاقٍ بكتله نيابيّة خالصة له؟
كلّ التقديرات بأسماء الفائزين، هي رهن الصوت التفضيلي. لكن في أقلّ تقدير، يمكن لميقاتي أن يحقق حاصلاً انتخابياً يؤمن له فوز لائحته بـ4 نواب. وإلى جانبه، قد ينجح مرشح سني من دون تحديد هويته، رغم أنّ الكفّة ترجح الدكتور محمد نديم الجسر، ومرشح أرثوذكسي هو الوزير السابق نقولا نحاس، وآخر ماروني هو الوزير السابق جان عبيد.
أمّا المنافسة الحقيقية، فستكون بالنسبة إلى ميقاتي على المقعد الخامس، الذي يمكن أن يؤمنه بفوز النائب كاظم الخير في المنية. وحتّى في حال لم يفز الخير، يعتبر ميقاتي نفسه حقق إنجازاً كبيراً في تسجيل حضورٍ في المنية، دخله من باب المستقبل العريض، واستطاع أن يتقاسمها مع الحريري، بعدما كانت في جيبه كاملةً.
(جنى الدهيبي - المدن)