فوجِئ أبناءُ تنورين وشاتين، بقرار مجلس شورى الدولة الذي أبطل قرارَ وزير الداخلية والبلديات السابق مروان شربل الصادر عام 2012 والذي «سلخ» شاتين عن جوارِها وأنشأ بلديّةً خاصة بها.
مهما كانت الأسبابُ الكامنة وراءَ القرار الصادر عن الوزير شربل آنذاك، إلّا أنّه ترك تردّداتِه السلبية داخل تنورين، تلك البلدة التي تفاخر بأنها من أكبر بلدات لبنان مساحةً، وتشكّل صلة وصل بين المحافظات الثلاث: الشمال، جبل لبنان، والبقاع. كما أنّ الخلافَ السياسي داخلَ العائلات التنّورية لم يبلغ الحدَّ الذي وصلته في بلداتٍ مارونيّة مجاوِرة، أي العاقورة وبشرّي وإهدن، ليفكّرَ أحدُهم في الانفصال.
لا شكّ في أنّ العاملَ السياسي تدخّل بقوّة عام 2012 من أجل فصل شاتين عن تنورين، حيث كان الخلافُ يبلغ الذروة بين النائب بطرس حرب والوزير جبران باسيل الذي كان يومَها وزيراً للطاقة، كما أنّ إصرارَ الأخير على تنفيذ سدّ بلعا بتمويلٍ إيراني واعتراض بلدية تنورين الموالية لحرب، كان من العوامل الدافعة الى تقسيم تنورين.
وعلى رغم وجود بعض المرحّبين من أبناء شاتين لاستحداث بلدية لكي يتخلّصوا من الإستئثار السياسي والحرمان الإنمائي، لكنّ الشريحة الأكبر من أهالي تنورين كانت ضدّ ما حصل لأنّ الحرمان يضرب كل أحياء تنورين ولا يميّز بين حيٍّ وآخر.
وبعد الطعنَين المقدَّمَين من أفراد متضرّرين من هذا الإنفصال من جهة وبلدية تنورين السابقة من جهة أخرى، أمام مجلس شورى الدولة، أصدر المجلسُ برئاسةِ رئيسِه القاضي هنري الخوري قراراً بالإجماع حمل الرقم 241/2017-2018، تاريخ 12/12/2017، أبطل بموجبه قرارَ شربل، وتضمّن الآتي:
- أولاً: ضمّ المراجعة الرقم 17919/2012 الى المراجعة الرقم 17808/2012 والسير بهما معاً.
- ثانياً: ردّ الدفع المتعلّق بعدم قابلية القرار الرقم 282/2012 للطعن أمام هذا المجلس.
- ثالثاً: قبول طلب تدخّل بلدية شاتين وردّ طلب التدخّل المقدَّم من السيّدَين جوزف اديب غوش وحسيب مخايل جرجي.
- رابعاً: ردّ الدفع بعدم قبول الطلب الإضافي المقدّم في المراجعة الرقم 17808/2012.
- خامساً: قبول المراجعتين في الشكل.
- سادساً: وفي الأساس قبولهما وإبطال القرار الرقم 282 الصادر عن وزير الداخلية والبلديات مروان شربل بتاريخ 24/2/2012 والقرار الرقم 484 الصادر عن الوزير ذاته بتاريخ 27/3/2012، وذلك في جزئه المتعلق بدعوة الهيئات الانتخابية البلدية الفرعية لانتخاب المجلس البلدي في قرية شاتين- قضاء البترون وبتحديد عدد أعضائه.
- سابعاً: تضمين الدولة المستدعى بوجهها الرسوم والنفقات القانونية في المراجعتين المذكورتين أعلاه.
يُجمع معظم الأطراف على احترام قرار مجلس الشورى على رغم محاولة البعض تسويقه في إطارٍ سياسيٍّ ضيّق، منه خلافات داخلَ أجنحة السلطة وتوجيه رسائل بين بعض الشخصيات التي تدور في فلك العهد، علماً أنّ رئيس بلدية شاتين سركيس روكز، هو شقيق العميد شامل روكز.
ويقول البعض الآخر إنّ نتائج الإنتخابات البلدية الأخيرة أظهرت أنّ قرارَ فصل شاتين عن تنورين كان قراراً خاطئاً بالنسبة الى «التيار الوطني الحرّ»، لأنّ الأكثرية في شاتين من المعارضين للنائب بطرس حرب، ولو كانت ضمن تنورين الكبرى لكانت معركةُ «التيار» أسهل، علماً أنّ هذه النظرية ليست دقيقةً نظراً الى وجود عدد من المناصرين لحرب فيها، إضافةً الى أنّ تفوّق «التيار» ليس كبيراً.
وأمام هذا الواقع الجديد، يؤكّد رئيس بلدية تنورين المهندس بهاء حرب لـ«الجمهورية» إحترامَه لقرار مجلس الشورى، مشيراً الى «أننا سنلتزم كلّ ما يتوجّب عنه، ونحن في أنتظار ما ستقرّره وزارة الداخلية والبلديات في هذا الخصوص، ومستعدّون لكل الإحتمالات والخيارات».
إذاً، الجميع في انتظار ما سيصدر عن وزير الداخلية. وفي السياق، هناك سيناريوهات عدّة يمكن أن تحصل بعد حلّ بلدية شاتين، إذ يمكن أن تدعو الوزارة مثلاً الى انتخاب الأعضاء المخصّصين لشاتين قبل انفصالها عن تنورين، لينضمّوا الى مجلس بلدية تنورين.
ويمكن أيضاً، أن تسلّم صلاحيات البلدية الى القائممقام والمحافظ. أما الخيار الثالث فهو حلّ بلديّتي تنورين وشاتين والدعوة الى انتخابِ مجلسٍ بلديّ جديد، وفي هذه الحالة ستشتعل الخلافات السياسية مجدّداً خصوصاً بعد التطورات غير المتوقّعة على الساحة التنّورية وتبدّل التموضعات السياسية، والحرب الضروس التي تشهدها لجنة محمية الأرز، وبالتالي قد تعيش تنورين معركتَي «كسر عظم»، نيابية وبلدية، فمَن سينتصر في النهاية؟