التبويبات الأساسية

رغم ثقلها التاريخي والحضاري وموقعها الجغرافي الإستراتيجي في القارة الأفريقية، فإن حجم التبادل التجاري بين مصر وجيرانها الأفارقة لا يعكس وزنها الحقيقي مقارنة بلاعبين إقليميين آخرين من خارج القارة.

ويكشف حجم التبادل التجاري لمصر من جهة وتركيا من جهة أخرى مع الدول الأفريقية التفوق الكبير للوافد التركي على نظيره المصري المتجذر في القارة السمراء، حيث تضطلع القوة الاقتصادية بدورها في زيادة الوزن السياسي والدبلوماسي للدول.

وفي أقل من عقدين فقط، استعاضت تركيا عن الروابط التاريخية والحضارية والجغرافية بإستراتيجية تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الدول الأفريقية.

وكشف موش أن بلاده رفعت حجم التبادل التجاري مع دول أفريقيا من 5.4 مليارات دولار عام 2003 إلى 25.3 مليار في 2020، حيث ارتفعت صادراتها من ملياري دولار إلى 15 مليارا، وزادت وارداتها من 3 مليارات دولار إلى 10 مليارات.

وتجاوز حجم الاستثمارات التركية في القارة الأفريقية بعد 10 أعوام (منذ عام 2003) 6 مليارات دولار، أما المشاريع التي نفذتها شركات الإنشاء التركية فبلغت قيمتها 77 مليار دولار، حسب الوزير التركي.

التجارة بين مصر وأفريقيا
لكن ماذا عن مصر؟ بوابة أفريقيا وهمزة الوصل بينها وبين العالم الخارجي منذ فجر التاريخ، التي ترتبط بجيرانها الأفارقة بنهر النيل الذي يعد بمنزلة الحبل السري، ومصدرها الرئيسي من المياه للحياة.

وفق النشرة الاقتصادية للصادرات والواردات المصرية لعام 2020، فإن الأرقام تبدو هزيلة، لا تعكس طموح مصر كلاعب إقليمي، إذ سجلت الصادرات المصرية إلى أفريقيا من دون الدول العربية 3.8 مليارات دولار فقط، وسجلت الواردات 1.2 مليار دولار، أي إن حجم التبادل التجاري لا يتجاوز 6 مليارات دولار.

ويبلغ حجم الاستثمارات المصرية في القارة الأفريقية نحو 10 مليارات دولار، حسب تصريحات مسؤولين وخبراء اقتصاد مصريين.

ولا تتجاوز حصة مصر 1% من واردات أفريقيا التي تزيد على 700 مليار دولار سنويا، حسب الوزير المفوض التجاري، الدكتور عبدالعزيز الشريف، مدير إدارة الدول والمنظمات الأفريقية.

الطريق إلى أفريقيا شاق
رأت الخبيرة في الشأن الأفريقي، ونائبة رئيس تحرير صحيفة الأهرام، الدكتورة أسماء الحسيني أن "هذا القصور في تعزيز التعاون الاقتصادي أدركته الدولة المصرية أخيرا على مستوى الرئاسة والخارجية، وبدأت إعادة رسم خريطة العلاقات اقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا مع الدول الأفريقية".

وأكدت -في تصريحات للجزيرة نت- أنه لا مستقبل لمصر من دون التوجه إلى محيطها الطبيعي في القارة الأفريقية، مشيرة إلى أن الأمر لا يتوقف على جهود الرئاسة والخارجية بل يجب أن تتوجه بكل قواها الاقتصادية والثقافية لتعميق وجودها.

ولكنها وصفت الوصول إلى هذه النقطة بأنه طريق شاق يحتاج إلى تضافر الجهود من الجميع بما فيهم المجتمع المدني، ومجتمع رجال الأعمال والدين والفن، وضخ استثمارات قوية بدعم حقيقي من الدولة؛ لأن هناك تكالبا شرسا من القوى العالمية والإقليمية على القارة الأفريقية.

وكشفت أزمة سد النهضة عن وجود فجوة سياسية ودبلوماسية كبيرة بين مصر وجيرانها الأفارقة بسبب ضعف قوتها الاقتصادية وغياب أذرعها الاستثمارية، وفي محاولة لردم هذه الهوّة وضعت القاهرة خطة، نهاية العام الماضي، لزيادة صادراتها إلى القارة إلى نحو 30 مليار دولار خلال 3 سنوات.

وترتبط مصر مع الدول الأفريقية بعدد من الاتفاقيات التجارية من بينها اتفاقية السوق المشتركة لدول الشرق والجنوب الأفريقي "الكوميسا" وتضم في عضويتها 21 دولة، واتفاقية التجارة الحرة الأفريقية التي دخلت حيز التنفيذ مطلع العام الجاري ومن المنتظر أن تشمل الاتفاقية 55 دولة أفريقية يتجاوز عدد سكانها 1.2 مليار نسمة.

حضور مصري متواضع
وكشف الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد ذكر الله عن أسباب غياب الحضور الاقتصادي المصري في القارة الأفريقية، قائلا "إن أحد أهم تلك الأسباب هو ضعف الإنتاج المصري، وتعاني البلاد فجوة إنتاجية كبيرة سواء على مستوى السلع الغذائية أو الصناعية، وغير قادرة على اختراق السوق الأفريقية".

واستدرك بالقول في تصريحات للجزيرة نت "لكن هذا لا يعني أنه لا توجد لدى مصر فوائض إنتاجية يمكن استغلالها، بل هناك قصور في عمل التمثيل التجاري التابع للبعثات الدبلوماسية، ولا تقوم بدورها على الرغم من أن مصر تتمتع بتمثيل دبلوماسي واسع في العالم".

ورأى أن عدم إدراك مصر أهمية القوة الاقتصادية، والتجارية، وغيرها من القوى الناعمة التي تتمتع بها (دينيا وثقافيا وفنيا) أفقدها كثيرا من التأثير خلال مسيرتها الطويلة في مفاوضات سد النهضة، وكل التصريحات بشأن عودتها للحضن الأفريقي لم تترجم بشكل واف ولا كاف على الأرض، إنما للاستهلاك الإعلامي.

حجم التبادل التجاري بين مصر وأفريقيا..حضور بطعم الغياب - خبراء: مصر أدركت مؤخرا أهمية التواجد الاقتصادي في أفريقيا المصدر: صفحة المتحدث باسم الرئاسة المصرية – وسائل تواصل فيسبوكأحد أهم أسباب غياب الحضور المصري في أفريقيا هو ضعف الإنتاج (مواقع التواصل)
كلمة السر في اختراق تركيا
في المقابل، فإن كلمة السر في التفوق التركي في أفريقيا تعود إلى اتباع أنقرة قاعدة "الشراكة والجميع رابح"، فلا استغلال ولا استعمار ولا نهب ثروات، حسب يوسف كاتب أوغلو الخبير الاقتصادي التركي وعضو جمعية رجال الأعمال الأتراك.

وأضاف للجزيرة نت أن تركيا تعدّ ثاني أكبر مستثمر أجنبي في أفريقيا بعد الصين، وهناك أسباب عدة تتعلق بالنجاح التركي من بينها فتح قنوات اتصال مع أكبر عدد ممكن من الدول الأفريقية، سواء من خلال البعثات الدبلوماسية أو خطوط الطيران.

وأشار أوغلو إلى أن تركيا وضعت خططا طويلة الأمد منذ عام 2003 لزيادة التعاون الاقتصادي والتجاري في القارة الأفريقية، واستغلال كل طاقتها الإنتاجية في فتح أسواق جديدة، وضخ استثمارات في العديد من القطاعات الصناعية والزراعية وغيرها، ومنحت تسهيلات كبيرة من أجل الوصول إلى الأهداف التي حددتها.

(الجزيرة)
المصدر: االجزيرة

صورة editor14

editor14