التبويبات الأساسية

أتى قرار قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة شربل بوسمرا أمس، إسقاط الدعوى العامة ضد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي ومجموعة ميقاتي وشركاتها لا سيما الادعاءات المتعلقة بشقيقه طه ميقاتي في قضية الحصول على قروض سكنية مدعومة من مصرف لبنان خلال تولّي ميقاتي رئاسة الحكومة في ٢٠١١، صادماً، وليضع علامة استفهام كبرى حول حقيقة ما يحدث في القضاءِ وإمكانية محاسبة المسؤولين أياً كانوا تبعاً لقانون الإثراء غير المشروع الذي يُعتبر مع تعديلاته مدخلاً أساسياً لمكافحة الفساد.

ما أسقطه قرار القاضي بو سمرا لجهة الإثراء غير المشروع تحديداً يُعد مخالفة خطيرة، ليس للقانون بالمعنى العام فقط بل لما سعت إليه التعديلات الأخيرة للقانون الصادر عام ٢٠٢٠ والتي تنص على نظام متكامل للتصريح عن الذمة المالية والمصالح يُلزم المسؤولين والموظفين في مواقع حساسة أن يصرحوا عن كل أملاكهم ومداخيلهم وأوضاعهم المالية ومصالحهم، إضافة إلى ما يعود لأزواجهم وأولادهم القصّر. ليس هذا فحسب بل يبقى الأهم عدم سقوط الجرائم المرتكبة بموجبه بمرور الزمن واستثناء سقوط الدعوى العامة سنداً للمادة ١٣من القانون الجديد، ناهيك عن التناقض الذي وقع فيه القرار لناحية احتساب مرور الزمن تبريراً للمخالفة، كما وبالنسبة إلى ضرورة خضوع الملاحقة للقانون الجديد وليس القديم تطبيقاً لمبدأي الأثر الفوري لأي قانون جديد وعدم رجعية القانون.

ويُعيد القانون الجديد أيضاً تعريف جريمة الإثراء غير المشروع بما يتناسب وأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، بحيث يعتبر الإثراء غير المشروع جريمة من جرائم الفساد، فكل مسؤول أو موظف تزداد ثروته بشكل كبير بالمقارنة مع مداخيله وجب عليه أن يبرر كيفية الحصول عليها بالوسائل المشروعة، وفي حال تخلفه عن توضيح ذلك يُعتبر مرتكباً لهذه الجريمة بما يمكّن استرداد الثروة منه.

أما أن يتم التغاضي في التحقيق عن كل ذلك بحجة الركون إلى عدم ورود اسم المدعى عليه نجيب ميقاتي فهو أكثر من صادم عندما يصدر عن قاضي التحقيق الأول الذي أناط به القانون الجديد صلاحيات واسعة، عدا عن كونه يضع يده على الملف بصورة موضوعية تتيح له هامشاً كبيراً في تحقيقاته. وهذا ما دفع تحالف متحدون بدوره للتقدّم بشكوى تشمل كافة العقود التي قد يكون استفاد منها المدعى عليه ميقاتي وعائلته بحكم موقعه، ومنها ما يتعلّق بقروض الإسكان وليبان بوست وأيضاً الاتصالات (لا ينسى اللبنانيون كيف سُلب منهم مبلغ الـ ٥٠٠ دولار وديعة الخط الخليوي الثابت) والضرر الواقع على كل لبناني أو مستفيد نتيجة لذلك.

تبقى في القانون مسألة الصفة والمصلحة والضرر للمدّعي والتي عالجها قانونَي أصول المحاكمات الجزائية والمدنية كما والاجتهاد سيّما الذي صدر مؤخراً بتاريخ ١٥ أيلول ٢٠٢٢ عن محكمة التمييز الجزائية، الغرفة الثالثة برئاسة القاضي سهير الحركة وعضوية المستشارين الياس عيد ورلى أبو خاطر، والذي شكّل الأساس القانوني في رد طعون حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (باستثناء ما يتعلق بمواد قانون النقد والتسليف) ومحاكمته حالياً أمام قاضي التحقيق في جبل لبنان أرليت تابت بدعوى تحالف متحدون (جلسة استجواب المدعى عليه سلامة في ٢٦ أيار ٢٠٢٢).

ختاماً، يكتفي تحالف متحدون، انسجاماً مع مهنيته، بما ورد في القانون في ردّه على المدعى عليه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أسفاً لما صدر عنه من تعابير عن "ترهات واضاليل واستعادة لأمور ثبت عدم صحتها وفبركتها من بعض المتسلقين ومدعي الحرص على العدالة، فيما هم النموذج الأسوأ في تاريخ القضاء اللبناني..." إلى "تفتق عبقرية وذهنية من يقفون وراء المحامي..." والتي لا تنمّ إلا عن انعدام الدراية بمبادئ عمل التحالف ومؤسسه المحامي رامي علّيق وعن إفلاس الحجة والبرهان لدى صاحبها، والذي كان التحالف وجمعية صرخة المودعين قد بشّراه بنهاية ارتكاباته عندما توجّها إليه بالقول ويكرّران: Game Over.

صورة editor

editor