خلال لقاء وندوة خاصة عن الحريات الإعلامية في نادي الصحافة- فرن الشباك بدعوة من المنتدى العالمي للأديان والإنسانية تحت عنوان"الكلمة الحرة بمواجهة التحريض السياسي"
استهل السيد رمزي بو خالد كلمته:" شرف لي أن أكون اليوم بين هذه النخبة من الإعلاميين والصحفيين المناضلين في سبيل الكلمة الحرة وحرية التعبير.
يكمن الصراع اليوم بين فئتين مثل الصراع بين الخير والشر، بين من يتخذ الكلمة الحرة سلوكاً وفكرا" ومن لا يرغب بها ويعاديها. هو صراع على مفهوم الحرية بين أصحاب الحرية ودعاتها وبين أصحاب السلطة وسلاطينها ودكتاتورياتها وتوابعها وعوغائيتها.
صراع بين من ينتمي الى الحرية ومن ينتمي الى السلطة. ولكن الإنتصار عبر العصور فهو دائما للحرية.
لقد دفع لبنان عبر التاريخ ثمن هذه الحرية المصانة في الدستور والتاريخ الحديث هو خير شاهد على التضحيات التي بذلتها الصحافة والإعلام في سبيل حرية التعبير والسيادة والاستقلال. فمنذ بداية القرن العشرين بدءا" بجرائم جمال باشا السفاح في صيف ١٩١٥ وربيع ١٩١٦ مروراً بنسيب المتني وفؤاد الحداد (ابو الحن) في العام ١٩٥٨، وكامل مروه وادوار صعب وسليم اللوزي ورياض طه وسهيل طويلة وحسين مروة خلال فترة الحرب اللبنانية وصولا" الى جبران التويني، سمير قصير والشهيدة الحية مي شدياق... جميعهم دفعوا حياتهم في سبيل الكلمة الحرة والرأي الآخر. لكن من جهة أخرى تم استغلال الإعلام كثيرا" خلال الحرب اللبنانية في تجييش القواعد الشعبية وإثارة الغرائز ...على سبيل المثال انقسم تلفزيون لبنان تماما" كما انقسم لبنان وبيروت بين شرقية وغربية، الى محطتين القناة ٥ تبث من الحازمية والقناة ٧ تبث من تلة الخياط. دون ان ننسى راديو مونت كارلو، صوت لبنان، إذاعة لبنان، لبنان الحر، صوت الجبل، لندن ..وكان لكل منهم قضيته. خلال فترة الاحتلال السوري سيطرت الأجهزة الأمنية ووضعت يدها على كافة الإذاعات المرئية والمسموعة وحاولت طمس كل كلمة حرة ومسموعة حتى وصل الأمر إلى إقفال محطة ال MTV وراديو جبل لبنان في العام ٢٠٠٢. توحد الإعلام اللبناني الى حد ما خلال حرب تموز ٢٠٠٦ ومعركة نهر البارد وانقسم مجددا" في حوادث ٧ أيار ٢٠٠٨.
من أولويات أنظمة الحكم والإحتلال إغتيال الكلمة الحرة. بعد اتفاق الطائف دخلنا في حكومات الوحدة الوطنية والمحاصصة فأصبح لكل زعيم جمهوره وحصته في السلطة وفي الإدارة وفي المؤسسات التابعة له. ومن بين هذه المؤسسات مؤسسته الإعلامية التي بدل ان تسوق لبرامج اصلاحية اتخذها الزعيم متراسا" لتشويه صورة الخصم ومهاجمته والدفاع عن سياسته الخاصة. والسياسيون في لبنان بارعون في الإرتزاق السياسي، ولكن يبقى الإرتزاق ارتهان، والإرتهان عمالة والعمالة خيانة.
أضاف ابو خالد: أريد أن استشهد في هذه المرحلة التي نمر بها، بما قاله بيلاطس ليسوع حين سأله"أأنت ملك اليهود؟" أجابه يسوع" هل أنت تقول ذلك أم سمعته". نحن اليوم نبني كل الأخبار على ما نسمعه ولاسيما على مواقع التواصل الإجتماعي، بدل البحث عن الوقائع واستكشافها. يجب إعادة الخطاب الإعلامي الى البوصلة.
إن التحريض في علم القانون الجنائي هو تشجيع شخص آخر على ارتكاب الجريمة، ونرى اليوم ان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يواجه اتهاما" واحدا" في محاكمته التي تجري الآن في مجلس الشيوخ وهو تحريض مؤيديه على اقتحام مبنى الكونغرس. فهل تستطيع هذه السلطة المفككة على توجيه تهمة التحريض الى أمين عام حزب الله؟ الشواهد كثيرة، ولكن سأذكر حادثتين: التحريض على المحكمة في انفجار ٤ آب والهجوم على عين الرمانة. والتحريض على MTV في حادثة الكحالة. ويبقى التحريض واستعمال القضاء بوجه الإعلام أهم مظهر للدولة البوليسية.
يا إخوان نحن في دولة محتلة. فقد فقدت خصائصها. اهمها القوة المنظمة، جيش واحد لا جيشان، ديبلوماسية واحدة لا ديبلوماسيتين، جباية الضرائب من منطقة دون أخرى، إدارة السياسات العامة. هل سقطت ورقة التوت عن الدويلة؟ للإعلام دور في مواجهة الإحتلال عبر ابراز التراث والفكر، كونه من مقومات وعناصر الهوية والمحافظة على الكيان. لأن الخطر اليوم هو في تغيير وجه لبنان.