التبويبات الأساسية

لا يكاد ينتهي استحقاق داخلي تستخدم فيه كل أسلحة التعبئة والشعبويات والديماغوجيا والتحريض وتبادل الاتهامات ونثر الوعود وإعلان الحروب على الفساد، إلا ويبدأ استحقاق آخر أشدّ سخونة وأكثر انقساماً، والخاسر في كل هذه المعارك هو الوطن والمواطن الذي يصدق للحظة ما يروّج فينسى ويسامح ويجدد الثقة بمن أفقروه وأفقروا البلد.

كثيرة هي الاستحقاقات التي ينتظرها الداخل اللبناني في أعقاب الانتخابات النيابية، من رئاسة المجلس ونيابة الرئيس، إلى تسمية رئيس الحكومة العتيدة، ومن ثم رحلة تشكيلها، وتوزيع الحصص والحقائب، وطالما الكلّ يعتبر نفسه منتصراً فمن باب أولى أنه يرى أحقية له دون سواه بنيل المكاسب والمواقع، ولأجل ذلك الجميع مستعد لخوض الحروب حتى آخر موقع ومنصب وكرسي.

وإذا كانت رئاسة المجلس محسومة للرئيس نبيه بري، لأسباب عديدة سياسية وميثاقية، وغاية من يمكن أن يقوم به معارضوه الاستعانة بـ "الورقة البيضاء" التي لن تغير في النتيجة شيئاً، فإن نيابة الرئيس ستكون موضع أخذ وردّ مع تعدد المرشحين المدعومين من كتل سياسية وازنة لتولي المنصب.

حتى رئاسة مجلس الوزراء، والتي تبدو حتى الساعة استمراراً للتسوية الرئاسية الشهيرة، لن تكون تحصيل حاصل من دون نقاشات تتصل بالمرحلة المقبلة، داخلياً وإقليمياً ودولياً أيضاً مع ما يعنيه ذلك من افتراض تقديم خارطة طريق لأطراف داخلية، وأخرى إقليمية ودولية تتصل بالملفات الكبرى المطروحة ومطالب المانحين، لناحية الإصلاح ومكافحة الفساد وأزمة النازحين والسلاح غير الشرعي والحرب السورية وإدارة الملف الاقتصادي وغيرها.

أما تشكيل الحكومة العتيدة فكل المؤشرات توحي بأنها لن تكون سهلة، وستصطدم بكثرة الوعود التي قطعت قبل استحقاق 6 أيار، وبتمسك أطراف سياسية بحقائب معينة، وسط شهية مفتوحة على المزيد وتضخم في المطالبات والحصص.. فالكل يعتبر نفسه منتصراً وصاحب حق بإدارة البلاد بناء على الشرعية الشعبية التي نالها، والأمثلة على ذلك كثيرة وشواهدها في وزارات الدفاع والطاقة والداخلية والمالية.. واللائحة تطول. لكن المشكلة تكمن في عدم اهتمام معظم الأطراف السياسية بالانحياز لأن تكون صوتاً معارضاً يراقب الحكم ويلاحق الفساد ويفضح الصفقات!!

والشغف الذي يسري على التشكيل والحقائب، ينسحب على مطلب فصل النيابة عن الوزارة، اي فصل العمل التنفيذي عن العمل التشريعي والرقابي، والرئيس ميشال عون كان من أوائل من طرحوا هذا الموضوع، ومن قبله "التيار الوطني الحر"، قبل أن تتسلل إلى المشهد معلومات عن تراجعه وعدم الالتزام به، وخصوصاً مع التوجه لإبقاء وزير الخارجية جبران باسيل، الفائز في الانتخابات، في منصبه، ومطالبة التيار بإبقاء وزارة الطاقة ضمن حصته التي يسعى لأن تشمل أيضاً وزارة الدفاع.

والتوجه نفسه ينسحب على قوى سياسية أخرى سبق لها أن وعدت بالعمل على فصل النيابة عن الوزارة، وهي الآن أمام وعودها خصوصاً وأن وزراءها نجحوا أيضاً وتريد إبقاء الأمور على ما كانت عليه.

أيضاً وأيضاً، هل سيجري توزير الخاسرين في النيابة؟ يتردد أن هذا الأمر بات محسوماً بالنسبة إلى كتل معينة، بينما لا يزال غير مطروح في أوساط كتل أخرى، علماً بأن هذا الأمر لم يكن بعيداً عن البعض، وما الذي يمنع طالما أن خاسرين جرى توزيرهم خلال الحكومات الماضية.

من الناحية القانونية، لا يمنع الدستور اللبناني، وفق المادة 28 الجمع بين النيابة والوزارة، ولا يمنع توزير الخاسرين.. لكن من المؤكد أن احترام جوهر العملية الديموقراطية، واستشعار ما يواجهه البلد من تحديات، وضرورة احترام ما سبق للقوى السياسية وأن التزمت به في برامجها الانتخابية، وقبل كل ذلك وضع مصلحة البلد فوق المصالح الحزبية والشخصية.. أولى وأهم وأكثر إلحاحاً وضرورة.

صورة editor11

editor11