لفت وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في كلمة له خلال اطلاقه الدورة التدريبية الخاصة بعدد من الدبلوماسيين الجدد الى أن "نلتقي اليوم، عشية الاحتفال بالذكرى الثالثة والسبعين لاستقلال لبنان ونحتفل به وقد عادت الحياة لتتدفّق في شرايين مؤسسات الدولة مع انتخاب رئيس يجسّد مسارًا ديمقراطيًا وطنيًا بحتًا، رئيس يساهم في انتظام عملِ مؤسساتٍ ضربها الشلل، ويعيد الأمل إلى مجتمع كاد يستسلم لأمرٍ واقعٍ متهالك".
واشار الى أن "السياسة الخارجية هي حاجة في كل دولة فهي أداة لإيصال الرسائل والمواقف، وهي وسيلة للتحاور والتوافق، وقناة لنقل وجهات النظر الأجنبية ولرصد مصالح الأصدقاء والحلفاء والأعداء"، مضيفاً: "كما أنّ السياسة الخارجية هي الازمة لتأكيد شرعية الدول، وهي رافعة للجهود الهادفة إلى تحقيق المصالح الوطنية، ولا بدّ من أن تتبلور استنادًا إلى مقاربة علمية تقوم على جوانب ثلاثة: التمسك بالثوابت، الدقة في متابعة المتغيرات والتفاعل معها، تمكين وزارة الخارجية والمغتربين كمؤسسة فاعلة.
ورأى باسيل أن "لبنان محصّن بدستور يحدّد هويتَنا العربية ويجسد هويةً وطنيةً عابرةً للطوائف، فالتعايش بين مكونات المجتمع اللبناني هو من أغنى الثوابت التي لن نألو جهدًا في المحافظة عليها لأن التعددية في لبنان والمناصفة بين مسلميه ومسيحييه هما من أعمدة نظامنا السياسي، وهو ما يميِز وطننا عن غيره"، معتبرا أن "التزام لبنان بمبادئ القانون الدولي- وهو إحدى الدول المؤسسة لمنظمة الأمم المتحدة- هو نتيجة تمسكنا بقيم الإنسانية وبمبدأ يقوم على تغليب فكر السلم والسلام على منطق العنف والحروب".
وأضاف: "لعلّ التزامنا بالقوانين الدولية هوما يميّزنا عن نظام عنصريّ، يتجاهل أبسط قواعد الإنسانية، نظام لا يزال يحتلّ أرضنا وينتهك سيادتنا ويهدد أمننا وسلامة أبنائنا ويضطهد إخوتنا في فلسطين ويشرّدهم"، معتبرا إنّ "مقاومةَ الاعتداء الاسرائيلي حتى بسطِ سيادتِنا على كافة أراضينا، بما في ذلك على مياهنا الإقليمية، هي حقّ ثابت كرّسته شرعة الأمم"، مؤكدا أن "لبنان اليوم، كما باقي الدول يعاني من تصدّع النظام الدولي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية في مختلف جوانبه، فالغليان والتحولات تصيب كل شيء: ثورةٌ تقنية معلوماتية، مجتمعاتٌ باتت منقسمةً على ذاتِها تلفَظُ نُخَبَها، تنافسٌ دولي وإقليمي يحتَدِمُ بسبب بروز لاعبين جدد، يُعيدون خلطَ الأوراق سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، أزمات اقتصادية ومالية على أشكالها، بسبب استدانة زائدة أو رقابة مفقودة أو فساد متنكّر"، مشددا على أن "عالمنا يمر بمرحلة انتقالية فهو يتحول من هيكل تسيطر عليه قوّةٌ أحاديةٌ، إلى نظام متعدّدِ الأقطابِ تتضارب فيه المصالح"، ومضيفا: "لبنان يقف اليوم، صامداً بالرغم من ضآلة إمكانياته، على عتبة الأزمة المستفحلة في سوريا، مواجهاً تداعياتها وانعكاساتها السلبية عليه، من تدفّق النازحين إلى أرضه، وهو نزوح غير مسبوق في حجمه في تاريخ العالم المعاصر، إلى الحرب التكفيرية التي تشنّها المنظمات الإرهابية المتربّصة بأمننا".
وأضاف: "بالرغم من كلّ ما قد يعترض مسيرةَ نموِّنا، تبقى عراقة لبنان الثقافية والتاريخية ميزةً تخوّلُنا التأقلمَ مع المتغيّرات المحيطةِ بنا، دون أن يهتزّ أساسُ البنيانِ اللبناني المتجذِّر"، مؤكدا أن "لبنان ينعم بموقع جغرافي يتيح له أن يلعب دوراً جامعاً من خلال قدرته على احتضان المتخاصمين، الإقليميين والدوليين، ومنحِهم مساحةً للتلاقي ومدّ الجسور"، معتبرا أن "هذا الدور الموفِّق، على الصعيدين الإقليمي والدولي، ليس سوى انعكاساً لقدرة لبنان على المحافظة على توازنه الداخلي وعلى غِنى وتنوّعِ مجتمعه التعددي، بأبعاده الدينية والحضارية، إنها بكلّ بساطة، فرادة لبنان، هذا الجسرُ بين الغرب والشرق، هذا الرابطُ بين الأديان والطوائف، هذا الجامعُ بين التقليد والإبداع."
ورأى أن "أي قراءةٍ، ومهما كانت شاملةً وصائبةً، في العواملِ الثابتةِ والمتغيرة التي تؤثّر على تكوين سياسةٍ خارجية، ليست كافيةً لوضع هذه السياسة حيّزَ التنفيذ، فالدبلوماسيةُ تصبح فاعلةً عندما تقودها وزارةٌ فاعلةٌ، تكون بمثابةِ قبطانَ الدولة في مسيرتها الخارجية، فيعود لوزارة الخارجية والمغتربين أن تبلور المواقفَ الموحِّدة والموحَّدة وطنياً، وأن تكون ضابطَ الإيقاع في العلاقات الدولية".
وشدد على أن "وزارة الخارجية والمغتربين بحاجة إلى نظام داخلي جديد وحديث وعصري، يعيد ترتيب آليات العمل بمنهجية تحاكي التطورات التقنية وتواكب المتغيرات في العلاقات الدولية. والجهاز الإداري بحاجة إلى إعادة تكوين، لاسيما في مجال تحديد المهام وتوزيعها وتحديثها"، لافتا الى أن "استمرارَ العمل وفقاً للهيكل التنظيمي العامودي القائم حالياً، والذي يعود إلى بداية سبعينيات القرن الفائت، يُعيق تنفيذَ السياسات، لا بل يَعجَز احياناً عن وضعِ هذه السياسات بسبب العوائق الإدارية"، مؤكدا أن "العلاقات الدولية أصبحت أكثر تشعّباً وتداخلاً وترابطاً، وهي تحتّم اعتماد مقاربات أفقية على سبيل المثل، لا يجوز أن تبقى وزارة الخارجية دون وحدات مختصة بشؤون التنمية المستدامة، وحقوق الإنسان ونزع السلاح ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظَّمة العابرة للحدود، والبيئة والتغيُّر المَناخي".
وشدد لى أننا "تابعنا الأزمة السورية وركزّنا الجهود على شؤون مكافحة الإرهاب وعلى المسائل المتعلقة بالنزوح وداخليا كانت الحكومة قد اعتمدت مبدأ النأي بالنفس"، مشيرا الى أن "الوزراة بلورت موقفا جامعاً أبعَدَ لبنان عن الأزمة دون أن يؤدّي ذلك إلى اعتماد موقفٍ يتجاهل الأزمة، ما سمح للإدارات الرسمية أن تخرج من سياسة انفصامية أوجدها مبدأ النأي بالنفس، وأن تنخرط إيجاباً وتتفاعل مع انعكاسات الأزمة المتشعّبة اقتصادياً وأمنياً وإدارياً وإجتماعياً وتربوياً وصحيا