مع طي صفحة الانتخابات النيابية يبدو أن صفحة التسوية السياسية التي أفضت الى انتخاب رئيس الجمهورية ميشال عون مقابل تسمية سعد الحريري رئيسا للحكومة طوت فصولها مع بزوغ فجر المجلس النيابي الجديد المنتخب، مسدلة الستار على مرحلة كانت الهدنة السياسية في لبنان بوجهها المشطور بين خط تيار العهد وحلفائه المترفعين عن المواقع السياسية ويدُهم على الزناد وخط "التيار الازرق" المتنصل من حلفائه والتائب توبة نصوحة الى "حزب الله"، هدنة محكوم عليها الاستمرار بما يتماشى مع مسار رياح الازمات في المنطقة وفي مقدمتها الازمة السورية.
وجه الهدنة السياسية الذي طبع المرحلة السابقة للانتخابات الاخيرة يبدو أنه يجري العمل على فكفكة رموزه واعادة تركيب مشهده داخلياً من القوى السياسية بالاستناد الى احجامها الجديدة، راسمة بذلك شكلاً جديداً للاصطفاف السياسي، بحيث لم يعد محصوراً بفريقي نزاع ، كما لم يعد يحكمه الولاء لمحور مقاومة من هنا ولثورة آذارية من هناك، وانما الاصطفاف سيتم على ضوء العناوين التي رمي فتيلها مؤخرا من عدة اطراف حيث اخذ بعضها شكل الشروط والبعض الآخر شكل الالتزامات والتعهدات، ومن ابرز هذه العناوين استئناف الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية، وملف العلاقة مع سوريا وحل مشكلة النازحين السوريين، النظر في اتفاق الطائف وآلية تطبيقه، اشتراط مجموعة الدعم الدولية للبنان للتعاون مع الحكومة الجديدة، ايفاء الاخيرة التزاماتها بالقرار 1559 والقرار 1701 لبسط سلطة لبنان على كامل ترابه الوطني وضمان احتكارها للاستخدام الشرعي للقوة.
امام هذا الواقع فإن المرحلة الحالية التي يعيشها لبنان يمكن وصفها بالمرحلة الانتقالية، والتي من خلالها سيجري ارساء خارطة الطريقة للحكومة المقبلة، حيث يتوقع الاّ تكون طريق الحريري الحكومية معبدة ولا سيما امام سقوف الشروط العالية التي يجري طرحها من قبل معظم القوى السياسبة، هذا عدا عن أن التغييرات التي اجراها في بيته الداخلي من اقالات واستقالات لا يمكن البناء عليها كثيرا ولا سيما أن المشكلة ليست في "عدة العمل" فقط وانما في عدم المعرفة في كيفية استخدام تلك "العدة"، خاصة وأن اداء الحريري السياسي وخطابه المتخبط طيلة السنوات السابقة كان سبباً رئيساً في خسارة جزء هام من تمثيله الشعبي.
وفي هذا الاطار لا بد من الاشارة الى الطرح الذي يجري تداوله في كواليس شكل الحكومة، والتي يبدو أن هناك مساعي يجري العمل على انضاجها تقتضي بفصل النيابة عن الوزارة، وهو ما اشار إليه رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع والنائب المنتخب الجنرال شامل روكز لوسائل الاعلام، على ما يخبىء هذا الطرح من نتائج قد تكون في جزء منها مدروساً، وهو الاقصاء الاستباقي للوجوه الوزارية النافرة لدى بعض الاحزاب والتيارات واستكمالا لحملة التغيير في العدة والتي يتصدر قائمتها الوزير نهاد المشنوق.