تحت عنوان: "مصاريف الضرورة: المقاهي الشعبية تجتذب الناقمين من نفخ الفواتير"، كتبت جويل رياشي في صحيفة "الأنباء" الكويتية: لعل الأمر الإيجابي في الأزمة المالية والضائقة الاقتصادية التي يمر بها لبنان، ابتداع اللبنانيين أساليب جديدة للتوفير، من دون إحداث تغيير جذري في نمط حياتهم اليومية.
مصاريف الضرورة، هي العبارة التي يصح إطلاقها على واقع حال اللبنانيين في يومياتهم.
صحيح ان أماكن السهر في شارعي الجميزة ومار مخايل تضيق بالرواد، الا ان الصحيح أيضا ان مطاعم عدة صرفت قسما كبيرا من موظفيها، فضلا عن تقليص ساعات العمل لآخرين والاقفال باكرا توفيرا لمصاريف في طليعتها الكهرباء.
بعيدا من الشارعين المذكورين في شرقي بيروت، انتشرت بقوة ظاهرة الإقبال على المقاهي الشعبية في فترتي الظهر والمساء: مقاه معروفة بأسعارها التي تناسب عامة الناس، مع تخفيضات من غالبيتها على سعر النرجيلة الى خمسة آلاف ليرة لبنانية، وكذلك أسعار المشروبات الغازية والشاي والقهوة. وبات واضحا ان اللبناني يريد عدم تخطي رقم العشرين ألف ليرة بدل مصروف سهر مع وجبة عشاء خفيفة تتضمن سلطة او معجنات، وأحيانا الاثنين معا وفق عروضات من المقاهي.
وبات اللبنانيون يتحدثون عن الفارق بين ارتياد المطاعم والمقاهي. والأخيرة خفضت من أسعارها، وتبعث برسائل نصية على الهواتف المحمولة للزبائن عن تخفيضاتها. البعض أبدى سروره بالعروضات، في حين لم يخف البعض الآخر انزعاجه "مما كانت تقوم به هذه المقاهي لجهة نفخ فواتيرها"، وانعكس ذلك مقاطعة من الرواد لأماكن كانوا يرتادونها سابقا.
لم يعد الأمر يقتصر على مقاه في مناطق شعبية. وعلى سبيل المثال، بات "شارع المطاعم" المتفرع من الشارع الروماني في مدخل جبيل، وكذلك شارع المطاعم في الزلقا على مدخل بيروت، يعتمدان على المقاهي ذات "الفاتورة المدروسة" لاجتذاب الرواد، كـ"مشروع كافيه" في جبيل والزلقا و"ستيفانو" في جبيل. وبات عدد من المقاهي يعول على اكتظاظ مقاه مجاورة معروفة باعتمادها اسعارا مخفضة، لتستقبل بدورها الفائض من الزبائن. والأمر ينسحب على فروع المقاهي المعنية في كل المناطق.
وكذلك يلاحظ غياب الرواد عن مقاه يطلق عليها روادها بالانكليزية اسم "coffee shops"، واتجاه هؤلاء الى المقاهي الشعبية التي لا تحمل علامات تجارية معروفة عالمية ولبنانية.
"البلد حقا في أزمة" يعترف ألفرد المهندس المدني، الذي لاحظ ان العرض السينمائي الأول لشريط النجم الأميركي نيكولاس كايج في مجمع "ABC" التجاري في ضبية، اقتصر عليه وعلى أحد رفاقه في عز الفترة المسائية الاسبوع الماضي!
الأمر مختلف في المقاهي الشعبية حيث يمضي روادها أوقاتهم حتى الصباح، الأمر الذي يسر الصحافي عبد القادر سعد صاحب مقهى "صبح ومسا" على الطريق السريع الذي يربط مطار بيروت الدولي بالعاصمة. «حركة وبركة على قد الحال، والجميع مسرورين»، يقول سعد صاحب شهادتين في الصحافة وإدارة الأعمال، والذي ولج عالم المقاهي لتعزيز فرصه في الصمود قبل اشتداد الضائقة الاقتصادية.
اللافت أيضا انتشار المقاهي الشعبية في وسط بيروت وابرزها "قهوة عزمي". ففي الشارع المحاذي لمبنى "البرج" حيث مقر جريدة "النهار"، محال بقالة صغيرة تقدم النرجيلة والعصائر بأسعار بخسة نسبة الى ما اشتهرت به تلك البقعة الجغرافية، حيث لاتزال صامدة، بعض الحانات في شارع الاوروغواي، بينما أقفلت قهوة "غران كافيه" في شارع ويغان مقابل مدخل البرلمان اللبناني، هي التي رافقت قيام وسط بيروت بحلته الجديدة بعد نهاية الحرب الأهلية وإعادة إعمار العاصمة، ليستمر فرعها الرئيسي على كورنيش الرملة البيضاء البحري.
ومع ذلك، يتفاءل اللبنانيون ويصرون على عدم تبديل عاداتهم، والخروج من منازلهم للسهر "بما قلت فاتورته".
المصدر: جويل رياشي - الأنباء الكويتية