التبويبات الأساسية

لوهلة، ظننت أن سماحته سيملأ الوطن لبنان عدلا وقسطا، كما مُلئ جورا وفسادا.
وفورا، ضُعت في لجج من تناقضات كلامه. فإن كان ينطق بما كُلّف به من رسائل، فليطمئن أن الرسائل وصلت، ونعذره.. أما إن كان يتكلم بقناعاته، فلا بد أن لنا رأيا آخر، ومن باب حسن ظن المؤمن بأخيه سنسأله عن كلامه باعتبارنا أنه نطق برأيه، خصوصا أنه وصّف الواقع بدقة ولكنه لم يقترح الصيغة البديلة للمستقبل:

1- يقول سماحته: "نعم للدولة كمؤسسة عادلة قوية". هذا حلم كل لبناني يا صاحب السماحة، لكن هذه الدولة لا بد لها أن تكون مختلفة عن الدولة الحالية القائمة على معادلة الجيش والشعب والمقاومة، والضعيفة بفسادها وحكامها وخنوع شعبها الذي يُهدَّدُ كلما طالب بحقه بالقول: "سيقمعكم حزب الله بسلاحه لأنكم تهددون توازناته" لأن الحزب وإن كان يعتبر كل فاسد عميلا، لكنه يعتبر أيضا من يثور في وجه الفساد عميلا لحلفٍ ينتهي في تل أبيب، فقل لنا الآن يا سماحة المفتي الممتاز، ما هي رؤيتك للدولة القويّة؟ هل هي دولة بجيش واحد أو بجيشان؟ وهل هي دولةٌ تضع رئاساتُ الطوائف فيها خطوطا حمرا أمام الفاسدين لحمايتهم، لأن بعض هذه المؤسسات الدينية أصبحت أيضا حصصا للسياسيين ومعبرا للإستيراد مع ميزة التهرب من الجمارك، أليس كذلك؟

2- يقول سماحته: "نريد العيش معا كإخوة، المسلم والمسيحي"، هل تقصد بذلك يا سماحة المفتي العيشَ الواحدَ دون خوفِ مواطنٍ من مواطن آخر؟ ودون الشعور بفوقيةِ مواطنٍ على آخر؟ إن كان هذا قصدك فمعناه أنك تطالب بحصر السلاح في يد مؤسسات الدولة الأمنية ليتساوى شعور المواطنين؟ وإن كان قصدك غير ذلك فعليك التوضيح.

3- قال سماحته: "نريد دولة لا طائفية، دولة بقانون… بعيدا عن الملة والطائفة والانتماء الفكري، لأننا أبناء أب واحد". كيف نصل يا صاحب سماحة الى هذه الدولة غير الطائفية، أعبْرَ حلّ الأحزاب ذات الصبغة الطائفية ومنع قيامها مجددا؟ أعبْرَ تعديل قانون الأحزاب وفرض التنوع الطائفي فيها؟ وكيف نصل الى دولة القانون وأنت نفسك ذكرت أن يبقى لكل منا قانونه الخاص؟ وكيف يتساوى المواطنون الذين من أب واحد إن كان لكن واحد منهم قانون أحوال شخصية مختلف عن الآخر؟

4- أردف سماحته: "كل شيء في هذا البلد أصبح حصص، وبطريقة انتهت بالبلد ممزقا، مفلسا، منهوبا، معروضا للبيع بأبخس الأثمان". يعني سماحتك ترفض مقولة عالسكين يا بطيخ؟ وتعتبر أن هذه المقولة جعلت البلد مفلسا منهوبا ومعروضا للبيع؟

5- ثم قال سماحته: "كفانا ضخا للحقد بخلفية مذهبية وطائفية". هل التزمت سماحتك بهذا المبدأ عندما ذكرت بشارة الخوري ورياض الصلح( بغض النظر عن صوابية وجهة نظرك أم لا)؟ هل نسف الطائف وذِكْر رموز الماضي بهذا الاسلوب يطمئن الذين طلبت العيش معهم بأمان ويخفف الحقد المذهبي؟

لن أطيل مع أنه لا يزال يوجد الكثير، وأختم بالتوجه لسماحة المفتي الممتاز، إن كانت خطبتك رسالة أنت رسولها فأعْرِضْ عن سؤالاتي ولا تهتم،
أما إن كانت خطبتك تعبّر عن قناعاتك فنحن بحاجة ليس فقط لتوصيفك الذي أعجبنا بكل أمانة، بل بحاجة الى رؤيتك في البديل.

صورة editor14

editor14