التبويبات الأساسية

بقلم القاضي الشيخ خلدون عريمط:

في هذه الأيام العصيبة التي يتساقط فيها كبار أمتي على ربى فلسطين، وفي ظل ترهل عربي واسلامي مؤلم، تقف مدينة القدس المباركة وأهلها، ومعها فلسطين بمدنها وقراها الطيبه وبشرها وحجرها وحتى شجرة الزيتون فيها على منعطف تاريخي، حيث الصراع الدموي، بين الحق العربي والإسلامي الثابت تاريخيا، وبين محنة تهويدها وطمس هويتها العربية والإسلامية من قبل الحركة الصهيو/اميركية التي تسعى جاهدة بوقاحة قل نظيرها، الى تثبيت الادعاءات الصهيونية في المدينة المقدسة، من خلال فرض وتثبيت وتوسيع الواقع الاستيطاني في كل مكان وزاوية من أرض القدس الشريف وما حوله، ومن خلال القرار الرئاسي الامريكي الارعن بنقل السفارة الامريكيه من تل ابيب الى القدس الشريف المحتلة، والذي جاء بذكرى مرور مئة عام على وعد بلفور المشؤم. .
فالمعركة الآن هي بين الطفل الفلسطيني المعجزة ومعه الشعب الفلسطيني المبارك من ناحية، وبين قطعان وإرهابيي الحركة الصهيو/أميركية من ناحية أخرى، والمعركة في حقيقتها، هي معركة بيت المقدس بكل جذورها التاريخية وعمقها الديني، وهي حتماً ليست معركة اتفاقات أوسلو ولا مقررات شرم الشيخ، ولا حتى تطبيق وتنفيذ محتويات قرارات الامم المتحدة المتعددة بشأن القضية الفلسطنية..
ولنكن أكثر وضوحاً فالمعركة الآن وستبقى بين حق المسلمين ومعهم بعض المسيحيين من ناحية في القدس الشريف، وبين الادعاءات التلمودية بأحقيتهم بالقدس ومقدساتها
الإسلامية والمسيحية وقد عبّر الارهابي ارييل شارون على اثر اقتحامه لباحة المسجد الاقصى عام 1990 عندما سأله احد رجال الاعلام عن حقيقة ما يجري في المسجد الاقصى فقال ( لا وجود للحرم القدسي في القدس وما يطلق على المسجد الأقصى هو عبارة عن أوهام عربية واسلامية لا نريد لأحد أن يصدقها).
ومن هنا لا بد لنا أن نبين مكانة بيت المقدس في عقيدتنا الإسلامية، وان نوضح حقيقة العنصرية اليهودية المحتلة لبيت المقدس، وما حوله، فمدينة القدس ليست كغيرها من عواصم وحواضر الوطن العربي والعالم الإسلامي. لأنها كانت وستبقى موضع صلة بين السماء والأرض، وهي التي فتحها وباركها محمد عليه الصلاة والسلام بنفسه، قبل الفتح الفعلي والعملي للمسلمين لها منذ ما يزيد عن ألف وأربعمئة عام في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وذلك عندما أسريى بالنبي الكريم من مكة المكرمة الى بيت المقدس، ومنها عرج به الى السماوات السبع. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد اخذ من مسجدها الأقصى قبلته الأولى، فصلى نحوه المسلمون سبعة عشر شهراً الى أن أمره الله تعالى بالتوجه الى الكعبة المشرفة في مكة المكرمة بقوله تعالى (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضها. فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره).
وللدلالة على مكانة بيت المقدس عند أهل الإسلام وفي السماوات السبع كان قوله تعالى ومنذ الأزل (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير)
والكل يعلم بأن المسجد الحرام في قلب مكة المكرمة والمسجد الأقصى درة بيت المقدس. وليس عبثاً ربط المسجد الحرام بالمسجد الأقصى. كما انه ليس عبثاً أن يكون معراج آخر الأنبياء الى السماوات العلى من قلب بيت المقدس، ألا يوجد للسماء باب آخر غير بيت المقدس ومسجده الأقصى؟
انها اشارة الى الرباط الالهي المقدس بين مكة وحرمها وجزيرتها العربية بالقدس الشريف وأقصاه ، وبلاد شامها من العريش الى الفرات. ولذلك كان قول الرسول عليه الصلاة والسلام للمسلمين (لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى).
فالقضية في حقيقتها ليست قضية اتفاقات أو قرارات أو مؤتمرات او مبادرات عربية او دولية، وانما هي قضية عقيدة ووجود وتاريخ وايمان، ولا يمكن لأي كان أن يغير عقيدة وايمان مليار ونصف مليار من المسلمين في شتى بقاع الدنيا..
صحيح أن هناك اتفاقات بين الدول والأنظمة تفرضها الضرورات الأمنية والعسكرية وتوازن القوى، قد تكون مبررة، وقد لا تكون ، لكنها حتماً ليست ملزمة للشعوب وللأجيال المقبلة عندما يشتد عودها وتقوى عزيمتها وتوحد صفوفها على قاعدة الايمان وحمل رسالة الخير والمعرفة، وصحيح أيضاً أن الفلسطينيين بمسلميهم ومسيحييهم هم طليعة أبناء الوطن العربي والأمة الإسلامية في الدفاع عن الوجود والتاريخ والايمان، ولكن الصحيح أيضاً أن الامة العربية والإسلامية بحواضرها وعواصمها وبعربها وعجمها ستبقى مدعوة بأمر من الله تعالى لوضع حد للعنصرية اليهودية التي يقول تلمودها ( تتميز أرواح اليهود عن باقي الأرواح بأنها جزء من الله، كما ان الابن عن والده، ومن ثم كانت أرواح اليهود عزيزة عند الله بالنسبة لباقي الأرواح، لأن الأرواح غير اليهودية هي أرواح حيوانات شيطانية).
انها عقيدة الارهابي ( بنيامين نتنياهو ) ومستوطنيه وجيشه وحاخاماته وليكودييه وحتى الذين اختاروه ليكون رئيساً لهم. انها العنصرية الصهيونية التي تنظر الى كافة بني البشر على انهم حيوانات ، وجدوا في صورة بشر لتكون مقبولة ولائقة لخدمة عنصرية شعب الله المختار بزعمهم. وهذه العنصرية ليست تهمة لليهودية وصهيونيتها بل هي صفة بارزة يتفاخرون بها، ولذلك تجدون في توراتهم وفي سفر يشوع ( كيف دفع الرب يهودا بمدن اريحا وعاي
وعجلون وحبرون، الى جنود يشوع فذبح ملوكها وعلقهم على الأخشاب وحرق بيادرها وهدم أبنيتها وقتل حميرها وقطع شجرها كل ذلك بحد السيف).
ألا ترون الآن على شاشات التلفاز وتقرأون وتسمعون ان الممارسات ذاتها تمارسها الصهيو/أميركية في بلاد العرب والمسلمين، وعلى وجه الخصوص في القدس الشريف وما حوله بحق العرب بمسلميهم ومسيحييهم، لا فرق في هذه الممارسات بين الكنيسة أو المسجد، ولا بين مفتي القدس ومطرانها. ومن هنا نفهم وعلى الآخرين أن يفهموا ويعوا قول المسيح عليه السلام بحق هؤلاء اليهود كما ورد في انجيل متى في الأصحاح السابع (يا أولاد الأفاعي كيف لكم أن تتكلموا بالصالحات وأنتم الأشرار).
انكم تشهدوني على أنفسكم انكم قتلة الأنبياء لا تعطوا القدس للكلاب، ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير اليهود لئلا تدوسها، من ثمارهم تعرفونهم ، هل يجتنون من الشوك عنبا ومن الحسك تينا ) وقد قال فيهم الرسول عليه الصلاة والسلام ( يا اخوان القردة هل اخذكم الله واحل بكم نقمته)
فالقدس الشريف وتحريره، وتحرير فلسطين كل فلسطين من البحر الى النهر واجب شرعي وفرض ديني على كل مسلم ومسلمة آجلاً أم عاجلاً ولو استمرت المعركة المئات من السنين وسقط فيها الملايين من الشهداء ، فهي أرض الرباط والشهادة وستبقى كذلك الى ما شاء الله، وهي في نفس الوقت ستبقى قضية عربية اسلامية ومسيحية، وقضية انسانية لتحريرها من الأفعى الصهيونية التي ملأت الكون فساداً ورذيلة وارهاباً فكرياً وجسدياً وعلمياً وإعلامياً.
قد يكون من الصعب الآن وفي هذا العصر أن تتحول قضية بيت المقدس الى قضية مسيحية وانسانية بسبب اخطبوط العنصرية الصهيونية المتحكمة بالمال والاقتصاد والاعلام في الغرب الأميركي والأوروبي. ولكنها حتماً ستنتصر بعد أن يدرك العالم المضلل خطورة العنصرية اليهودية. وسيتأكد لعرب اللسان ومدعي الإسلامي ان التعايش أو التطبيع مع الأفعى الصهيونية مستحيل ، وان اسرائيل بدأت نهايتها عندما وطئت أقدام الارهابي شارون الحرم المقدسي منذ سنوات وعندما اتخذ الرئيس الامريكي قراره المشؤم مؤخرا بنقل سفارته من تل ابيب الى القدس المحتله، ولذلك كان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا معشر المسلمين وخاصة سكان بلاد الشام (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على أبواب بيت المقدس وما حوله وعلى أبواب انطاكية وما حولها، وعلى أبواب دمشق وما حولها، لا يضرهم خذلان من خذلهم ظاهرين على الحق الى أن تقوم الساعة).
فلندرك ان القدس الشريف وما حوله، كان وسيبقى على الدوام مكان رباط وجهاد في سبيل الله لقوله عليه الصلاة والسلام (هنيئاً لمن سكن بر الشام قيل لما يا رسول الله؟ قال لأنه في رباط الى يوم القيامة) ولقوله من اختار منكم ساحلاً من سواحل أهل الشام أو بيت المقدس فهو في جهاد الى يوم القيامة.
وقد سبق أن ترهّلت الارداة العربية والإسلامية وأدت فرقتها الى احتلال بيت المقدس والكثير من بلاد الشام من قبل جيوش الافرنجة القادمة من الغرب الأوروبي عام 1099م. ولكن ارادة الله كانت هي الأقوى، عندما عرف العرب ومعهم المسلمون كيف يوحدون صفوفهم، وكيف يسيطرون على عقدة الأنا المتحكمة في نفوسهم، فتوحدت بلاد الشام بكل أقاليمها مع بلاد الرافدين في العراق ومصر الخالدة، ليكتب التاريخ بأحرف من الايمان ملحمة اسلامية عربية بقيادة المجاهد صلاح الدين الأيوبي عام 1187م وقبله المؤمن البطل نور الدين زنكي، فتحررت فلسطين ودرتها القدس الشريف ، لتبقى بيت المقدس واحة ايمان وسلام ومحبة ورحمة ،وفيها العهدة العمرية منارة للخير والعدالة، وحرية الانسان وكرامته.
وعلى الرغم من الالام والدموع والدماء التي تجتاح العديد من اقطارنا ستبقى الأمة العربية والإسلامية خالدة بدينها رغم التحالف الشيطاني للحركة الصهيو/أميركية، وتباشير نهوضها تصنع بأيدي أشبال ابطال الانتفاضة الواعده التي أثبتت بدماء أبنائها أنها الأقوى وأن القدس الشريف سيبقى قبلة لكل مجاهد وشريف على أرض العرب والإسلام، وستبقى فلسطين بشعبها وقدسها وانتفاضتها وفصائلها الفلسطينية المجاهدة المعيار الحقيقي لصدق المجاهدين وصفاء العروبة وسلامة الايمان

الـقـاضــي الشــيخ خــلــدون عــريــمــط
رئيس المركز الاسلامي للدراسات والاعلام

صورة editor11

editor11