بيان صادر عن جمعية صرخة المودعين وتحالف متحدون
لعل أولى المبادرات التي اطلقتها جمعية صرخة المودعين إبان تفعيل عملها كانت التلاقي مع الذين يمثّلون ضحايا انفجار مرفأ بيروت، باعتبار أن المودعين كما ضحايا الانفجار كما كل اللبنانيين هم الضحايا، وإن اختلفت سبل التنكيل بهم. لم تُفلح تلك المبادرات من قبل، أمام المتاريس الطائفية والحزبية، في جمع "ضحايا منظومة الفساد اللبنانية"، فهل عساها تنجح اليوم بعد الوقوف عند ما تقترفه أيادي قضاة "غب الطلب" بحق أصحاب الحقوق وسائر الشعب اللبناني؟
عندما كانت العدالة تسلك طريقها إلى التحقق في قضية فرنسبنك بعد بدء المدير في الفرع الرئيسي في الحمرا بعملية عدّ النقود لدفع قيمة وديعة المنفّذ عياد إبراهيم طوعاً، توقف كل شيء فجأة. حضرَت الأستاذة عويدات من الدائرة القانونية وأمرَت بوقف العملية، قائلة بملء صوتها بأن "الرئيس حبيب مزهر بانتظار الطلب ليوقِف التنفيذ"!
مرّت هذه العبارة على مسامع الحاضرين بسرعة آنذاك، ربما بسبب التلهّي بمتابعة التنفيذ "جبراً" بعد تمنّع فرنسبنك عن التنفيذ الطوعي. لكن اسم القاضي مزهر ظل عالقاً في الأذهان التي استحضرت قبل كل شيء تسلله المريب إلى ملف التحقيق العدلي في انفجار المرفأ والذي، لحسن حظ كل الضحايا، تمّ وقفه بردّ المحامي رامي علّيق السريع للقاضي مزهر وكف يده عن العبث بالملف.
واليوم يطالعنا الأسلوب عينه في التسلل إلى ملف مودع من المودعين، وإن كان هذا التسلل محدوداً جداً في تأثيره على الحجزين الاحتياطي والتنفيذي على أصول وأسهم وعقارات وموجودات مصرف فرنسبنك، بحيث انحصر قرار القاضي مزهر وغرفة محكمته (المنتدبة بالكامل!) بفض الأختام عن خزنتي نقود فقط لدى فرعي الحمرا وساسين ولم يطل ما يرتبط بالحجز بصلة (صناديق النقود التي تغذّي سحوبات المودعين وتعويضاتهم لم تُحجز أساساً، وقد جرى دحض مزاعم فرنسبنك بشأنها من قبل).
فقرار محكمة الاستئناف، الغرفة الأولى برئاسة القاضي حبيب مزهر وعضوية القاضيين نادين أبو علوان ومحمد شهاب، المنتدبة بالكامل، أمس في ٢٩ آذار قضى حصراً بفسخ قرار رئيس دائرة التنفيذ في بيروت القاضية مريانا عناني "رد طلب فض الأختام"، وليس قرار الحجز. ليس هذا بيت القصيد الآن، بل هو في الطريقة التي اتخذ فيها القرار، دون تمكّن وكلاء صاحب الصفة والمصلحة المودع المنفّذ ابراهيم من أي اطلاع على ملف الاستئناف - الذي لم يتم قيده على دفتر الأساس على مدى أيام النظر به وحتى قبيل إصدار القرار بشأنه بحجة كونه قراراً رجائياً من دون خصومة صدر بأمر على عريضة، وذلك تحسباً لقيام وكلاء المنفّذ بأي إجراء بوجه القاضي مزهر، بحسب الظاهر، تماماً كما حصل بشأن ملف التحقيق العدلي بانفجار المرفأ.
في مقلب متصل، تستوقف المرء شواهد أخرى في القرار المذكور الذي يسلك طريق الطعن به أمام المرجع القضائي المختص، يُترك جلّها للنظر به من قبل هذا المرجع. إلا أن المبنى الأساسي لهذا القرار، في ضوء ما تقدّم أيضاً، يؤكد طابع الشبهة والتسلل الذي شابه والذي لا يستقيم ورفعة القضاء وتنزّهه عن السقطات تلو السقطات التي كادت تطيح بما تبقّى منه لولا إصرار الخيّرين من أهل القانون على الوقوف سداً منيعاً درءاً لآثارها وأملاً بسيادة القانون على الجميع. فالقرار قد بنى على اعتبار أن حجز الخزنة لدى مصرف لا يطال محتوياتها، فلِم تُحجز خزنات النقود إذاً إن لم يكن لحجز النقود بداخلها؟! وما مصير ضبط الأموال "المحجوزة" بداخل الخزنة قياساً على المادة ٩١٧ من قانون أصول المحاكمات المدنية (... يختم الخزانة بالشمع الأحمر إلى أن يتمكن من فتحها وجرد موجوداتها)؟ كذلك فالقانون يمنع في هذه الحالة الرجوع عن أي قرار اتخذ بشأن الحجز تحديداً، فكيف يتم تحرير الخزنة من الحجز خلافاً للقانون؟ وكيف يستقيم كل ذلك منطقاً وقانوناً مع صدوره عن قضاة "محكمة الاستئناف"؟
نعم، لن يُحسَن سير العدالة على هذا النحو. وبالنظر إلى ما وراء الأكمة نجد ثلة من "منظومة الفساد اللبنانية" بسياسييها ومصرفييها يتمادون في التنكيل بأصحاب الحقوق، من كل أنواع الضحايا، من خلال من حلفوا اليمين على أن يكونوا "فم القانون". نعم، لا يليق بقضاة لبنان أن يكونوا ودائع لهؤلاء، فيقضون لهم ظلماً لعلى حساب "الشعب اللبناني" الذي يقضون عليه وباسمه! لم يعد جائزاً صدور قرارات يشوبها الخلل والتشويه الجسيم للقانون عن محاكم لبنانية عليا، في وقت بدأ الإيمان والأمل بالقضاء يعود بعد انقطاع. في وقت يختبر أصحاب الحقوق الانتقال من تفعيل حق الدفاع المشروع سنداً للمادة ١٨٤ من قانون العقوبات إلى رحب قضاء المؤسسات الفاعل.
وفي المحصّلة، فإن أصحاب الحقوق هؤلاء لن يقبلوا بأن يتفرّجوا على ضياع حقوقهم في زواريب شكليات قانونية مريبة بعد الآن. فهم محصّنون وكل الضحايا، قانوناً أيضاً، بحق الدفاع المشروع واستيفاء حقوقهم بالذات، وإن حبذّوا مؤخراً إنصافهم من قبل ما رجوه من قضاء حر عادل مقتدر. وهم ما زالوا يأملون بمجلس القضاء الأعلى ورئيسه، الرئيس الأول لمحاكم التمييز القاضي سهيل عبود، الضرب بسيف الحق والعدل لإنصافهم، بدل خوض غمار مواجهة مرّة وقاسية لن تُبقي ولن تذَر، دون استيفائهم لحقوقهم. وهذه المرة متّحدون.
لعل من فرّقتهم الطوائف والأحزاب وما هضمه الطغاة المتلطّين خلفها من حقوقهم وآمالهم بوطن ودولة يجمهه "حبيب مزهر".