التبويبات الأساسية

ارتحنا من نادر. ثلاث كلمات قالها القائم بالأعمال السعودي في لبنان وليد البخاري تختزل كل التحليلات وحبر الكلام وهمس الصالونات المغلقة أو المعلنة. لا يخفي السعوديون، ومعهم الإماراتيون، فرحتهم بإطاحة سعد الحريري ابن عمته نادر الحريري. إطاحة ظالمة بكل معنى الكلمة لرئيس حكومة قرر أن يستجيب لإيحاءات الخارج. أن يُعرّي نفسه في السياسة. غداة الانتخابات اكتشف الحريري هول ما فعل معظم الفريق الممسك بالانتخابات. الرجل يقترض نحو سبعين مليون دولار أميركي من أحد أبرز المصارف اللبنانية، ويحصّل مبالغ أخرى قد لا تتجاوز العشرة ملايين دولار، من أصدقاء، دعماً لمعركته الانتخابية، فماذا كانت النتيجة؟

لم تخل دائرة انتخابية من عورة تنظيمية ـ إدارية. يُصر البعض في التيار على التعامل مع سعد الحريري بصفته مجرد بقرة حلوب. هو يستدين أموالاً ليفوز بانتخابات يعتقد أنها مفصلية وتأسيسية، وهؤلاء يسرقون ويحجبون ويتآمرون. اتخذ الحريري قراره. لا بد من تدفيع كل من كان مسؤولاً عن هذه النتيجة الانتخابية.

الأكيد، والأكيد جداً، أن لا علاقة لنادر الحريري بالمجريات الانتخابية. هي مسؤولية شقيقه أحمد بالدرجة الأولى ومعه ماكينة انتخابية وجسم حزبي ممتد من العرقوب حتى وادي خالد. نادر الحريري ، يتحمل المسؤولية الأكبر سياسياً، من موقعه الذي جعله مايسترو أو مهندس الكثير من التحالفات واللوائح والأسماء، التي لم تغادر سقف خطاب البيال في الذكرى الـ13 لاستشهاد والده رفيق الحريري. في هذا الخطاب، قال سعد الحريري إننا سنخوض الانتخابات على لوائح لتيار المستقبل وبمرشحين من كل الطوائف في كل لبنان. كانت وظيفة نادر الحريري ترجمة تلك الكلمات بالسياسة ووظيفة التيار بماكينته وجسمه التنظيمي الترجمة على الأرض.

ليس خافياً على أحد أن السعوديين والإماراتيين يريدون رأس نادر. هم يحملونه مسؤولية مسار باكورته الصفقة الرئاسية، ومسك ختامه إدارته لمعركة إخراج ابن خاله من "الأسر"، إلى حد كسر كلمة محمد بن سلمان، مروراً بالحكومة وقانون الانتخاب والصياغات السياسية التي قرّبت تيار المستقبل من التيار الوطني الحر وأبعدته عن القوات اللبنانية. التقت مراجعات سعد الحريري، شخصياً، وبلا وسطاء، مع كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وصهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنير عند نقطة محورية، شكّلت الدافع لاتخاذ قرار إقصاء نادر الحريري. قامت واشنطن وباريس بواجباتهما مع الرئيس المحرر. انتهت فترة السماح وعلى سعد الحريري الالتزام بتعهداته. لكن ماذا بعد طي صفحة نادر الحريري الذي عاد ليل أول من أمس إلى بيروت؟

يريد رئيس تيار المستقبل العودة إلى السراي الحكومي مبارح قبل اليوم. اعتباراته سياسية ومالية وشخصية. ممره الإلزامي، من وجهة نظره، التطبيع مع المملكة وحاكمها الحقيقي محمد بن سلمان. يريد الحريري أن يحافظ على توليفة جديدة لعلاقته بالعهد، تقرّبه أكثر من العماد ميشال عون، وتوسّع الهامش بينه وبين جبران باسيل (التيار الوطني الحر)، لمصلحة التكيف أكثر مع جعجع وخياراته، في انتظار المزيد من الاختبارات، للتيار الحر ورئيسه، فإن ما أنجز في لقاء "بيت الوسط" بين الحريري وجعجع، لم يبلغ حدود التفاهم الكامل.

حسين ايوب-"الاخبار"

صورة editor11

editor11