ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان بولس عبر الساتر ورفيق الورشا، أمين سر البطريرك الأب شربل عبيد، منسق العمل الرسولي في منطقة عكار الأب ميشال عبود، الأب سيريل غورويان من رعية سيدة الإنتقال في أبرشية باريس، في حضور قائمقام كسروان-الفتوح جوزف منصور، رئيس مجلس ادارة تيلي لوميار جاك كلاسي، وفد من عائلة المرحومة كاتبة ابراهيم كيروز، وفد من الهيئة التنفيذية الجديدة لرابطة قدامى الاكليريكية البطريركية المارونية برئاسة المحامي انطوان سعد، وفد فرنسي من رعية سيدة الإنتقال في أبرشية باريس، الرئيس السابق للشؤون العقارية في لبنان بشارة قرقفي، رئيس حزب البيئة العالمي ضومط كامل، نجل الشهيدين صبحي ونديمة الفخري باتريك الفخري، وحشد من الفعاليات والمؤمنين.
العظة
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان "عندهم موسى والأنبياء فليسمعوا لهم"، قال فيها: "1. كلمة الله الملخصة بموسى والأنبياء هي التي تنير مسيرة البشر التاريخية، وتعلمها الكنيسة بالكرازة والتعليم والإرشاد. إنها تقود طريقنا إلى الحياة الأبدية. فمن يستنير بها كما فعل لعازر قابلا واقعه المؤلم بصبر وتواضع، ينال الخلاص الأبدي. أما من يرفض نورها ويعيش في ظلمة خطاياه، فيحكم على نفسه بالهلاك الأبدي، كما فعل الغني.
2. يسعدنا ان نحتفل معا بهذه الليتورجية الإلهية، ونحن نذكر في هذا الأحد وطيلة الأسبوع موتانا وسائر الموتى المؤمنين. فنقدم الذبيحة المقدسة لراحة نفوسهم، مرددين معا: الراحة الدائمة أعطهم يا رب، ونورك الأزلي فليضء لهم. فليستريحوا بسلام، آمين. وفي المناسبة نعرب عن تعازينا لكل الذين فقدوا شخصا عزيزا عليهم خلال السنة الماضية. ونحيي بيننا أولاد المرحومة كاتبة ابراهيم كيروز التي ودعناها معهم منذ أسبوع والتي ربت أولادها العشرة بفرح في التضحية والتفاني والعطاء، وسندتهم هم وعائلاتهم والأحفاد بإيمانها وصلاتها. نسأل الله أن يريحها في ملكوته السماوي ويعزي أبناءها وابنتها وأحفادها، ويبارك نشاطاتهم المتنوعة، كلا حسب اختصاصه.
ونرحب بالهيئة التنفيذية الجديدة، برئاسة المحامي أنطوان سعد، لرابطة قدامى الإكليريكية البطريركية المارونية. كما نرحب بالأب ميشال عبود الكرملي، منسق العمل الرسولي في منطقة عكار، مع الأب Cyrille Gordien ووفد من رعية سيدة الإنتقال في أبرشية باريس. نتمنى لهم طيب الإقامة في لبنان.
3. عندما طلب الغني، وهو يتوجع في لهيب النار، إرسال لعازر إلى إخوته الخمسة ليغيروا مجرى حياتهم كي لا ينالوا مصيره، أجابه إبراهيم: عندهم موسى والأنبياء فليسمعوا لهم (لو 28:16). وبتعبير آخر عندهم كلامي الذي بلغته وأبلغه على لسان موسى والأنبياء. وبالتالي لا حاجة لأن يقوم واحد من الموت لكي يقتنعوا. أليس يسوع المسيح نفسه هو الإله الذي صار إنسانا وخاطب جميع الناس عن حقيقة معنى الوجود التاريخي وغايته، وعن حقيقة الوجود الأبدي الذي يليه؛ وترك للعالم إنجيله نورا وهداية لهذين الوجودين؛ وسلم الكنيسة سلطان التعليم، لكي تنقل إلى جميع الناس كلامه وتعليمه؟ وها هي منذ ألفي سنة تمارس هذه الرسالة وتهدي شعوب الأرض وكل إنسان. موسى والأنبياء هم الكنيسة، برعاتها ومؤسساتها ومؤمنيها المخلصين ومنظماتها وحركاتها الرسولية وهيكلياتها الراعوية.
4. تقتبس الكنيسة تعليمها من الإنجيل والكتب المقدسة، بشأن حقيقة الإنسان ومعنى الوجود ومقتضيات العدل والسلام. من تعليمها، على المستوى الاجتماعي، إن خيرات الأرض معدة من الله لجميع الناس؛ وأن الحق بالملكية الخاصة مقيدة برهن اجتماعي بحيث يتضمن، من ذات طبعه، موجبا اجتماعيا تجاه الإخوة المحتاجين (السلام في الأرض، للقديس البابا يوحنا الثالث والعشرين، 22). فلن يكون سلام عادل بين الناس والشعوب، ما لم يعط كل إنسان حقه في العيش الكريم، الذي لا يقتصر على مساعدته موسميا، بل يقتضي توفير فرص عمل، ووسائل لكسب خبزه بعرق جبينه، وتحفيز طاقاته ومواهبه (راجع السلام في الأرض، 18).
5. سمعنا نواب الأمة، أثناء مناقشة البيان الوزاري منذ أسبوعين، وهم يستفيضون في شرح حالة البطالة المتزايدة، والأزمة الاقتصادية التي تدق ناقوس الخطر. إنا نتمنى للحكومة الجديدة النجاح في تحقيق تمنيات السادة النواب، ومكافحة الفساد، وإجراء الإصلاحات في البنى والقطاعات التي أشار إليها مؤتمر باريس - CEDRE كوسيلة للحصول على توظيف مبلغ الأحد عشر مليار دولارا أميركيا ونصف المليار، بما فيها من قروض ميسرة وهبات، من أجل النهوض الاقتصادي. ونرجو أن تشد الحكومة روابط الوحدة والتعاون بين أعضائها، والتعالي عن الخلافات والاتهامات، والعمل بروح الدستور والميثاق والقوانين. ونرجو من أعضائها عدم النزاع حول الشكليات حتى نسيان المواضيع الأساسية الجوهرية وضياعها. فالمواطن اللبناني يبقى الهدف الأساس من العمل السياسي ومسؤوليات السلطة الاجرائية.
6. بالعودة إلى الإنجيل، لم يهلك الغني بسبب غناه، فالغنى وفيض الخير من عطايا الله الذي منه كل عطية صالحة. بل لأنه لم يف الموجب الاجتماعي تجاه لعازر الفقير والمعدم، منتهكا بذلك حقه الطبيعي. فبدلا من أن يعرف الله أكثر من خلال عطاياه، ويحبه أكثر، ويخدمه بمساعدة لعازر الفقير، فقد تعلق بالعطية ونسي المعطي. عاش في الطمع رغبة بالتملك اللامحدود لخيرات الأرض. وعاش في الجشع بالهوى المفرط والمتفلت للثروة الأرضية وقدرتها؛ وعاش في الأنانية ممسكا قلبه ويده عن مساعدة لعازر المتضور جوعا. فكان طريقه إلى الهلاك الأبدي.
أما لعازر فلم ينل الخلاص الأبدي لأنه فقير. فالله الكلي الجودة لا يريد أن يعيش أحد في الفقر والعوز والحرمان. بل يريدنا فقراء بالروح، متجردين وغير متعلقين بخيرات هذه الدنيا حتى عبادتها. نال لعازر الخلاص لأنه ارتضى بحالته وقبلها بصبر ورجاء، وحمل صليبه بدون ثورة واعتراض.
7. يؤكد لنا الرب يسوع في إنجيل اليوم أننا سندان على محبتنا الاجتماعية. إن زمن الصوم المقبل مناسبة فريدة لنعيش هذه المحبة من خلال ما نقوم به من مبادرات فردية وجماعية تجعلنا أكثر قربا، ماديا وروحيا ومعنويا، من إخوتنا وأخواتنا الفقراء والمرضى واليتامى والمعوقين والمهملين. وتدعونا المحبة الاجتماعية لنشارك في دعم حملة كاريتاس التضامنية التي تدوم طيلة زمن الصوم الكبير، عملا بقرار مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان. فرابطة كاريتاس هي جهاز الكنيسة الراعوي-الاجتماعي، وهي تبسط وجودها على جميع الأراضي اللبنانية.
8. نسأل الله، في هذه الذبيحة المقدسة أن يفتح عقولنا وقلوبنا لسماع كلمته الهادية، فتنير وجودنا التاريخي لنعيشه مجملا بالمحبة التي هي الروح والخميرة لكل عمل نقوم به، وتضمن لنا الخلاص والسعادة في وجودنا الأبدي. فنرفع نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد. آمين".
بعد القداس، استقبل الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الالهية.