التبويبات الأساسية

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، مساء اليوم، قداسا إحتفاليا دعا إليه معهد القديس يوسف في عينطورة بمناسبة عيد شفيعه، عاونه فيه المطرانان بولس صياح وحنا علوان ولفيف من المطارنة والآباء، في حضور وزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش والنواب شامل روكز، شوقي الدكاش، روجيه عازار، أنطوان حبشي وجوزف إسحاق ونواب ووزراء سابقين وفعاليات عسكرية ودينية ونقابية ومؤمنين.

حداد
في بداية القداس كانت كلمة ترحيبية للرئيس الإقليمي للآباء اللعازريين في الشرق الأب زياد حداد قال فيها:" في ظل الوضع الصعب الذي يعيشه لبنان، هذه الواحة الصغيرة من السلام النسبي التي تحيط بها الحروب وثمارها من البؤس والفقر والعنف، وفي ظل الأزمة الإقتصادية الخطيرة التي يمر بها وطننا والتي تضع 23% من سكانه تحت عتبة الفقر والتي ألقت بالفعل 25% من شبابه في مخاطر الهجرة، إنه لأمر معز حقا أن نرى أبا حاضرا بفعالية بين شعبه لقيادة البلاد، من دون خوف أو وهن، وعصا الراعي في يده."

عظة الراعي
بعد تلاوة الإنجيل المقدس ألقى الراعي عظة قال فيها:
"1. عاش يوسف، خطيب مريم وزوجها الشرعي بحسب الشريعة، حالة من الحيرة والقلق أمام سر حبل مريم ودعوتها السامية لتكون وهي عذراء، أم ابن العلي، إذ اعتبر نفسه خارج هذا التصميم الإلهي، فلكي لا يعرقل تحقيقه، قرر تخليتها سر بعيدا عن القضاء، حفاظا على كرامتها وقدسية المولود منها. "وما إن فكر بهذا، حتى تراءى له ملاك الرب في الحلم" (متى1: 19-20)، وكشف له دوره ومكانه في هذا التصميم الإلهي: فقد اصطفاه الله زوجا لمريم ليضمن حضورا أبويا ليسوع، وشريكا لها في تحقيق السر الإلهي. "فلما قام من النوم أتى بها إلى بيته" (متى 24:1). أخذها مع سر أمومتها كله، ومع الإبن الموشك أن يولد منها بفعل الروح القدس. وبذلك اؤتمن على أثمن كنوز الله الآب، أي الكلمة المتجسد وأمه الفائقة القداسة (راجع البابا يوحنا بولس الثاني: حارث الفادي، 1 و 2).

2. يسعدنا أن نحتفل معكم، جريا على العادة الحميدة، بهذه الليتورجيا الإلهية، إحياء لعيد القديس يوسف شفيع هذه المدرسة في عينطوره العزيزة. وقد شاء رئيس المدرسة عزيزنا الأب سمعان جميل وجمهور الآباء أن يكرم هذه السنة موظفو المدرسة التقنيون. فإني أحييكم أيها الأحباء وأشكركم على خدمتكم في هذه المدرسة الزاهرة، ومن بينكم من يعمل فيها منذ إحدى وخمسين سنة. ويطيب لي أن أحيي أبناءنا الأعزاء الآباء اللعازريين وعلى رأسهم الرئيس الإقليمي للشرق الأب زياد حداد الذي أشكره على الكلمة اللطيفة التي وجهها في بداية هذا القداس الإلهي. وأحيي رئيس المدرسة والقيمين عليها وهيئتيها الإدارية والتعليمية. إنا نهنئكم بعيد القديس يوسف الذي رافق هذا الصرح التربوي، في كل مراحله وظروفه، منذ تأسيسه سنة 1834 بعناية الأب فرنسيس Le Roy. ومن المعلوم أن القديس يوسف يحرس هذا المكان منذ سنة 1657 عندما أسس فيه الآباء اليسوعيون "إرسالية القديس يوسف" هنا في عينطوره. ثم في سنة 1783، وهي سنة وصولهم إلى لبنان، تسلم الآباء اللعازريون، المعروفة رهبانيتهم "بجمعية الرسالة"، هذه الإرسالية، بقرار من الكرسي الرسولي وحولوها إلى ملجأ لإيواء المصابين بالأوبئة والهاربين من الحروب، ثم إلى مركز لاستقطاب المستشرقيين أمثال: Volney و Lamartine و Benoit وسواهم، وأخيرا إلى مدرسة مع الأب فرنسيس Le Roy، بدعم من الفاتيكان وفرنسا والبطريركية المارونية.

3. إن القديس يوسف، الذي ارتضى بفرح حراسة يسوع وتربيته وإعالته، أصبح حارس جسده السري الذي هو الكنيسة. وبهذه الصفة كان حارسا على مدى السنين لهذا الصرح التربوي الذي ما زال يخرج الأجيال تلو الأجيال مزودين بالعلم الرفيع والقيم الروحية والأخلاقية والوطنية منذ مئة وخمس وثمانين سنة. هؤلاء الخريجون حلقوا في سماء الوطن وخارجه بما اكتسبوا فيما بعد من اختصاصات ومهارات واختبارات، وبما حققوا من إنجازات على كل صعيد، لا يستطيع أحد أن يحصيها. لكنها كلها معروفة عند الله، ويرتضيها. ويعود الفضل في تربية هذه الأجيال إلى الآباء الذين تعاقبوا حتى يومنا على الإدارة والتعليم والتوجيه في هذه المدرسة، وإلى الهيئات التعليمية التي تفانت في العطاء العلمي والتربوي إلى اليوم، وإليكم أنتم، أيها الموظفون التقنيون المكرمون اليوم، وإلى الذين سبقوكم.

إننا معكم جميعا نرفع هذه الذبيحة المقدسة، ذبيحة شكر لله على عنايته القدوسة، وذبيحة تكريم للقديس يوسف طالبين شفاعته لينعم الله عليكم بفيض من نعمه، وعلى المدرسة بالمزيد من التقدم والنجاح.

4. يعلمنا بيان الملاك ليوسف في الحلم أن الله يرافق خطوات كل إنسان خطوة خطوة ليلا ونهارا، لأنه يريده معاونا له بدور خاص في تحقيق تصميم الخلاص، على مثال مريم ويوسف، وأنه يكلمنا في اليقظة والنوم، موحيا إلينا مخططه. فلا بد من أن نكون دائما في حالة إصغاء لما يقول لنا الله ويوحي في كلامه وإيحاءات الروح القدس، وفي تعليم الكنيسة وأحداث الحياة اليومية.

5. في الليلة التي أخذ فيها يوسف قرار تخلية مريم سرا وحبيا من دون اللجوء إلى القضاء، ولو فعل عند الصباح، لكان عطل تصميم الله مع كل نتائجه الاجتماعية الوخيمة على مريم من دون زوج، وعلى يسوع من دون أب، تدخل الله عبر ملاكه في الحلم. هذا يعني من جهة يوسف أنه صلى في تلك الليلة الحاسمة مستلهما النور الإلهي، ومن جهة الله الحاضر إستجاب صلاته وكشف له السر المكتوم منذ الدهور. فكان القرار الإلهي الجديد الصائب البديل عن قراره الشخصي الهدام، فعمل بموجبه عند الصباح.

6. كم من أمثولة يترك لنا هذا الحدث! أولا، ينبغي أن نعود دائما إلى الله بالصلاة والاستنارة قبل اتخاذ أي قرار حاسم في حياتنا المسيحية والعائلية والاجتماعية والسياسية، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بدعوتنا ورسالتنا ومسؤولياتنا، وعندما يكون لقرارنا نتائج على غيرنا. أقول هذا وببالي الأزواج المتسرعون في طلب إبطال زواجهم، وهو في الأساس سر مقدس كرسه الله، وارتضياه بعهد حب، وحصناه بعقد أمام الله والكنيسة والمجتمع، فأصبحا خادميه لا سيديه. وببالي أيضا الأشخاص الذين واللواتي دعوا إلى الكهنوت وكرسهم الله بالميرون والنعمة، أو دعوا إلى الحياة المكرسة فاعتنقوها بنذور أمام الله والكنيسة. هؤلاء أيضا مدعوون للصلاة واستلهام الروح القدس للثبات بوجه المصاعب، ولعدم التراجع والإخلال في واجبات الحالة.

والأمثولة الثانية هي أن الله يستجيب صلاتنا النابعة من القلب. ولكنه يلبي مطلبنا في ما هو الأفضل لنا ويندرج في تصميمه الخلاصي، كما فعل مع يوسف البار. هذا هو جمال الصلاة وسرها.إنها ضرورية في حياتنا، ولذلك علمنا المسيح بمثله كيف نصلي، وعلمنا صلاة "الأبانا" وفي ذروتها "لتكن مشيئتك".

والأمثولة الثالثة أن نقبل بما يوحيه لنا الله، وبما يطلبه منا، انطلاقا من واجب كل واحد وواحدة منا ومسؤوليته، ولو أتى مخالفا لتصميمنا ورغبتنا، وأن نضعه موضع العمل، مثل يوسف الذي "قام من النوم وصنع كما أمره ملاك الرب" (متى 24:1).

7. لو يصلي السياسيون عندنا إلى الله صلاة صادرة من القلب، ويستلهمونه في أقوالهم وأفعالهم وممارسة مسؤولياتهم، لكانت البلاد على غير ما هي اليوم من تراجع إقتصادي، وفقر مادي، وفوضى في الحكم، وإهمال للخير العام ولمصالح الشعب. ولو يصلون حقا إلى الله، ويصغون إلى نداءاته في ضميرهم ومن خلال حاجات الشعب والبلاد، ويستلهمونه، لوجدوا مخارج للأزمات السياسية والإقتصادية والإنمائية، ووحدوا الرؤية والقرار، وباشروا إلى العمل بدلا من المناكفات والخلافات والنزاعات والإنقسامات حول أبسط الأمور على حساب الوطن والشعب. هذه النزاعات والإنقسامات تعيدنا إلى ماض ظنناه قد انطوى بصفحاته السود.

8. إننا نكل إلى حماية القديس يوسف، الذي سهر على "البيت الإلهي" في الناصرة، حراسة بيتنا الوطني المشترك، ليحميه من العثرات، وهو أمام تحديات كبيرة تمس كيانه ومستقبله، أهمها: الأزمة الإقتصادية والمالية الآخذة في الخطورة، وقضية عودة الإخوة السوريين النازحين إلى بلادهم وقد أصبح وجودهم، لأجل غير معروف كما هو ظاهر، أكثر تهديدا إقتصاديا وسياسيا وإجتماعيا وأمنيا، والفقر المتزايد في صفوف الشعب مع تنامي حالات البطالة، وهجرة الشبيبة وخيرة قوى الوطن الحية إلى عوالم أخرى تضمن لهم مستقبلهم ومستقبل عائلاتهم. ونكل إلى حمايته كل عائلة مسيحية لكي تظل شعلة الإيمان حية فيها، فتحافظ على كيانها ككنيسة بيتية تصلي وتعلم الصلاة، وكمكان لتجليات إرادة الله وتحقيق تصميمه الخلاصي. وإذ نرفع إلى القديس يوسف البتول صلاتنا، نؤدي معه نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدوس الذي اختاره وقدسه، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

صورة editor2

editor2